لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{وَخُذۡ بِيَدِكَ ضِغۡثٗا فَٱضۡرِب بِّهِۦ وَلَا تَحۡنَثۡۗ إِنَّا وَجَدۡنَٰهُ صَابِرٗاۚ نِّعۡمَ ٱلۡعَبۡدُ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٞ} (44)

قوله جل ذكره : { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } .

الضِغْث الحزمة من القضبان ، وقيل كانت مائة ، وأُمِرَ بأن يضرب بها دفعةً على امرأته لئلا يحنث في يمينه ، فإنه كان قد حلف أن يضربها مائةَ خشبةٍ إِنْ صحَّ ( أنها أخطأت ) . فَشَكَرَ اللَّهُ لها لبراءةِ ساحتِها ، وصبرها على خدمته . وسببُ يمينه أنه لما قال لها إبليسُ : اسجدي لي ؛ أخبرت أيوبَ بذلك ، فغاظه حيث سمعت من إبليس ذلك وظنَّتْ أنه صادق . وقيل باعت ذوائبها برغيفين حملتهما إليه فتوهَّمَ في ذلك رِيبةً ، وكان أيوب يتعلَّق بذوائبها ( إذا أراد القيام ) . وقيل رابه شيءٌ منها فَحَلَف ( أن يضربها بعد شفائه ) .

{ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً . . . } : والصبرُ ألا تعترضَ على التقدير . ويقال الصبر الوقوف تحت الحُكْم . ويقال التلذُّذ بالبلاء ، واستعذابُه دون استصعابه . ويقال اصبر الوقوف مع الله بحسن الأدب .

ولم يَنْفِ قولُه { مَسَّنِيَ الضُّرُّ } [ الأنبياء : 83 ] اسمَ الصبرِ عنه ؛ لأنَ ذلك لم يكن على وجه الشكوى ، ولأنه كان مرة واحدة ، وقد وقف الكثيرَ من الوقت ولم يَقُلْ مَسَّني الضُّرُّ ؛ فكان الحُكْمُ للغالب .

{ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } لم يشغلْه البلاءُ عن المُبْلِي . ونِعْمَ العبدُ لأنه خرج من البلاء على الوجه الذي دخل فيه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَخُذۡ بِيَدِكَ ضِغۡثٗا فَٱضۡرِب بِّهِۦ وَلَا تَحۡنَثۡۗ إِنَّا وَجَدۡنَٰهُ صَابِرٗاۚ نِّعۡمَ ٱلۡعَبۡدُ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٞ} (44)

{ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا } أي حزمة شماريخ { فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ } : قال المفسرون : وكان في مرضه وضره ، قد غضب على زوجته في بعض الأمور ، فحلف : لئن شفاه اللّه ليضربنها مائة جلدة ، فلما شفاه اللّه ، وكانت امرأته صالحة محسنة إليه ، رحمها اللّه ورحمه ، فأفتاه أن يضربها بضغث فيه مائة شمراخ ضربة واحدة ، فيبر في يمينه .

{ إِنَّا وَجَدْنَاهُ } أي : أيوب { صَابِرًا } أي : ابتليناه بالضر العظيم ، فصبر لوجه اللّه تعالى . { نِعْمَ الْعَبْدُ } الذي كمل مراتب العبودية ، في حال السراء والضراء ، والشدة والرخاء .

{ إِنَّهُ أَوَّابٌ } أي : كثير الرجوع إلى اللّه ، في مطالبه الدينية والدنيوية ، كثير الذكر لربه والدعاء ، والمحبة والتأله .