إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَخُذۡ بِيَدِكَ ضِغۡثٗا فَٱضۡرِب بِّهِۦ وَلَا تَحۡنَثۡۗ إِنَّا وَجَدۡنَٰهُ صَابِرٗاۚ نِّعۡمَ ٱلۡعَبۡدُ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٞ} (44)

{ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً } معطوفٌ على اركُض أو على وهبنَا بتقديرِ قُلنا أي وقُلنا خذْ بيدِك الخ والأوَّلُ أقربُ لفظاً وهذا أنسبُ معنى فإنَّ الحاجةَ إلى هذا الأمرِ لا تمسُّ إلا بعد الصَّحةِ ، فإنَّ امرأتَه رحمةَ بنتَ افرايمَ بنِ يوسفَ وقيل : ليَا بنتُ يعقوبَ وقيل : ماصرُ بنتُ ميْشا بن يُوسفَ عليه السَّلامُ ذهبتْ لحاجةٍ فأبطأتُ فحلفَ إنْ برئ ليضربنَّها مائةً ضربة فأمرَه الله تعالى بأخذِ الضِّغثِ ، والضِّغثُ الحزمةُ الصَّغيرةُ من الحشيشِ ونحوِه . وعن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قبضةٌ من الشَّجرِ . وقال { فاضرب بهِ } أي بذلك الضِّغثِ { وَلاَ تَحْنَثْ } في يمينك فإنَّ البرَّ يتحققُ به ولقد شرعَ الله سبحانه هذه الرُّخصةَ رحمةً عليه وعليها لحُسنِ خدمتِها إيَّاهُ ورضاهُ عنها وهي باقيةٌ ويجب أنْ يصيبَ المضروبَ كلُّ واحدٍ من المائةِ إما بأطرافِها قائمةً أو بأعراضِها مبسوطةً على هيئةِ الضَّربِ { إِنَّا وجدناه صَابِراً } فيما أصابَه في النَّفسِ والأهلِ والمالِ وليسَ في شكواهُ إلى الله تعالى إخلالٌ بذلك فإنَّه لا يُسمَّى جزَعاً كتمنِّي العافيةِ وطلب الشِّفاءِ على أنَّه قال ذلك خيفةَ الفتنةِ في الدِّينِ حيث كانُ الشَّيطانُ يوسوسُ إلى قومِه بأنَّه لو كانَ نبيَّاً لما ابُتلي بمثلِ ما ابُتلي به وإرادة القوَّة على الطَّاعةِ فقد بلغ أمرُه إلى أنْ لم يبقَ منه إلاَّ القلبُ واللِّسانُ . ويُروى أنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ قال في مناجاتِه : إلهي قد علمتَ أنَّه لم يُخالفْ لساني قلبيَ ولم يتبعْ بصريَ ولم يهبني ما ملكتْ يميني ولم آكلْ إلا ومعي يتيم ولم أبتْ شبعانَ ولا كاسياً ومعي جائعٌ أو عريانُ فكشفَ الله تعالى عنه { نِعْمَ العبد } أي أيُّوبُ { إِنَّهُ أَوَّابٌ } تعليلٌ لمدحِه أي رجَّاعٌ إلى الله تعالى .