الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَخُذۡ بِيَدِكَ ضِغۡثٗا فَٱضۡرِب بِّهِۦ وَلَا تَحۡنَثۡۗ إِنَّا وَجَدۡنَٰهُ صَابِرٗاۚ نِّعۡمَ ٱلۡعَبۡدُ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٞ} (44)

رُوِي أن أيُّوبَ عليه السلام كانت زوجَتُهُ مدَّةَ مَرَضِه تَخْتَلِفُ إلَيْه فيتلقَّاها الشيطانُ في صورة طَبِيبٍ ، ومرةً في هيئة نَاصِح ؛ وعلى غير ذلك ، فيقول لها : لو سَجَدَ هذَا المريضُ للصَّنَمِ الفُلاَنِيِّ لَبَرئَ ، لَوْ ذَبَحَ عَنَاقاً للصَّنَمِ الفُلاَنِيِّ لَبِرئ ، ويَعْرِضُ عليها وجوهاً من الكفر ، فكانَتْ هي ربَّما عرضت شَيْئاً من ذلك على أيوب ، فيقولُ لها : لقيتِ عَدُوَّ اللَّهِ في طريقك ، فلمَّا أغْضَبَتْهُ بهذا ونحوِهِ ؛ حلَفَ عليها لَئِن برئ من مرضِه ليضربنَّها مائةَ سَوْطٍ ، فلما بَرِئ ؛ أَمَرَه اللَّه تعالى أن يأخُذَ ضِغْثاً فيه مائةُ قَضِيبٍ ، والضغثُ : القبضةُ الكبيرةُ من القضبانِ ونحوِها مَنَ الشجرِ الرَّطْبِ ؛ قاله الضَّحَّاكُ وأهلُ اللغة ، فيضربُ بهِ ضربةً واحدةً ، فَتَبَرُّ يمينُهُ ؛ وهذا حكمٌ قد وَرَدَ في شرعِنا عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مِثلُه في حدِّ الزنا لرجُلِ زنى ، فأمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعِذْقِ نَخْلَةٍ فِيهِ شَمَارِيخُ مِائَةٌ أو نَحْوُهَا ، فَضُرِبَ ضَرْبَةً ، ذكر الحديثَ أبو داود ، وقال بهذا بعضُ فقهاء الأمة ، وَلَيْسَ يرى ذلك مالكُ بنَ أنس وأصحابه ، وكذلك جمهورُ العلماء على ترك القول به ، وأن الحدودَ والبِرَّ في الأيمانِ لا تقع إلا بتمام عَدَدِ الضَّرَبَاتِ .