الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَخُذۡ بِيَدِكَ ضِغۡثٗا فَٱضۡرِب بِّهِۦ وَلَا تَحۡنَثۡۗ إِنَّا وَجَدۡنَٰهُ صَابِرٗاۚ نِّعۡمَ ٱلۡعَبۡدُ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٞ} (44)

أخرج أحمد في الزهد عن عبد الرحمن بن جبير رضي الله عنه قال : ابتلى أيوب عليه السلام بماله وولده وجسده وطرح في المزبلة ، فجعلت امرأته تخرج فتكتسب عليه ما تطعمه ، فحسده الشيطان بذلك فكان يأتي أصحاب الخير والغنى الذين كانوا يتصدقوا عليها فيقول : اطردوا هذه المرأة التي تغشاكم فإنها تعالج صاحبها وتلمسه بيدها ، فالناس يتقذرون طعامكم من أجلها إنها تأتيكم وتغشاكم ، فجعلوا لا يدنونها منهم ويقولون : تباعدي عنا ونحن نطعمك ولا تقربينا ، فأخبرت بذلك أيوب عليه السلام ، فحمد الله تعالى على ذلك وكان يلقاها إذا خرجت كالمتحزن بما لقي أيوب فيقول : لج صاحبك وأبى إلا ما أبى الله ، ولو تكلم بكلمة واحدة تكشف عنه كل ضر ، ولرجع إليه ماله وولده . فتجيء فتخبر أيوب فيقول لها : لقيك عدوّ الله فلقنك هذا الكلام لئن أقامني الله من مرضي لأجلدنك مائة . فلذلك قال الله تعالى { وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث } يعني بالضغث القبضة من الكبائس .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما { وخذ بيدك ضغثاً } قال : الضغث القبضة من المرعى الطيب .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما { وخذ بيدك ضغثاً } قال : حزمة .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله { وخذ بيدك ضغثا } قال : عود فيه تسعة وتسعون عوداً ، والأصل تمام المائة . وذلك أن امرأته قال لها الشيطان : قولي لزوجك يقول كذا وكذا . . ! فقالت له . . . فحلف أن يضربها مائة ، فضربها تلك الضربة فكانت تحلة ليمينه وتخفيف عن امرأته .

وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه أنه بلغه أن أيوب عليه السلام حلف ليضربن امرأته مائة في أن جاءته في زيادة على ما كانت تأتي به من الخبز الذي كانت تعمل عليه وخشي أن تكون قارفت من الخيانة ، فلما رحمه الله وكشف عنه الضر علم براءة امرأته مما اتهمها به ، فقال الله عز وجل { وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث } فأخذ ضغثاً من ثمام وهو مائة عود ، فضرب به كما أمره الله تعالى .

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { وخذ بيدك ضغثاً } قال : هي لأيوب عليه السلام خاصة وقال عطاء : هي للناس عامة .

وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك رضي الله عنه { وخذ بيدك ضغثاً } قال : جماعة من الشجر وكانت لأيوب عليه السلام خاصة ، وهي لنا عامة .

وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وخذ بيدك ضغثاً . . } . وذلك أنه أمره أن يأخذ ضغثاً فيه مائة طاق من عيدان القت ، فيضرب به امرأته لليمين التي كان يحلف عليها قال : ولا يجوز ذلك لأحد بعد أيوب إلا الأنبياء عليهم السلام .

وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال : « حملت وليدة في بني ساعدة من زنا فقيل لها : ممن حملك ؟ قالت : من فلان المقعد ، فسأل المقعد فقال صدقت ، فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " خذوا له عثكولاً فيه مائة شمراخ ، فاضربوه به ضربة واحدة ففعلوا " .

وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير والطبراني وابن عساكر من طريق أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن سعيد بن عبادة رضي الله عنه قال : « كان في أبياتنا إنسان ضعيف مجدع ، فلم يرع أهل الدار إلا وهو على أمة من إماء أهل الدار يعبث بها ، وكان مسلماً فرفع سعد رضي الله عنه شأنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " اضربوه حده فقالوا يا رسول الله : إنه أضعف من ذلك إن ضربناه مائة قتلناه قال : فخذوا له عثكالاً فيه مائة شمراخ ، فاضربوه ضربة واحدة وخلوا سبيله " .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن محمد بن عبد الرحمن عن ثوبان رضي الله عنه ، أن رجلاً أصاب فاحشة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مريض على شفا موت ، فأخبر أهله بما صنع ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقنو فيه مائة شمراخ ، فضربه ضربة واحدة .

وأخرج الطبراني عن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بشيخ قد ظهرت عروقه قد زنى بامرأة ، فضربه بضغث فيه مائة شمراخ ضربة واحدة .

أما قوله تعالى : { إنا وجدناه صابراً نعم العبد } :

أخرج ابن عساكر عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : أيوب عليه السلام رأس الصابرين يوم القيامة .

وأخرج ابن عساكر عن سعيد بن العاصي رضي الله عنه قال : نودي أيوب عليه السلام يا أيوب لولا أفرغت مكان كل شعرة منك صبراً ما صبرت .

وأخرج ابن عساكر عن ليث بن أبي سليمان رضي الله عنه قال : قيل لأيوب عليه السلام لا تعجب بصبرك ، فلولا أني أعطيت موضع كل شعرة منك صبراً ما صبرت .

وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة أيوب قالت : يا أيوب إنك رجل مجاب الدعوة ، فادع الله أن يشفيك فقال : ويحك . . ! كنا في النعماء سبعين عاماً ، فدعينا نكون في البلاء سبع سنين .

وأخرج ابن عساكر عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال : زوجة أيوب عليه السلام رحمة رضي الله عنها بنت ميشا بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن الحسن رضي الله عنه قال : كان أيوب عليه السلام كلما أصابه مصيبة قال : اللهم أنت أخذت ، وأنت أعطيت مهما تبقى نفسك أحمدك على حسن بلائك .