لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لَا يَحۡزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡكُفۡرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَلَمۡ تُؤۡمِن قُلُوبُهُمۡۛ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْۛ سَمَّـٰعُونَ لِلۡكَذِبِ سَمَّـٰعُونَ لِقَوۡمٍ ءَاخَرِينَ لَمۡ يَأۡتُوكَۖ يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ مِنۢ بَعۡدِ مَوَاضِعِهِۦۖ يَقُولُونَ إِنۡ أُوتِيتُمۡ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمۡ تُؤۡتَوۡهُ فَٱحۡذَرُواْۚ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتۡنَتَهُۥ فَلَن تَمۡلِكَ لَهُۥ مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـًٔاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمۡۚ لَهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا خِزۡيٞۖ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (41)

مَنْ أقصاه الحقُّ عن محلِّ التقريب ، وأرخى له عنان الإمهال وَكَلَه إلى مكره ، ولبَّسَ عليه حاله وسِرَّه ، فهو ينهمك في أودية حسبانه ، وإنما يسعى في أمر نفسه فيعمل بما يعود إليه وبالُه ، فأَمَرَ نَبيَّه - صلى الله عليه وسلم - بترك المبالاة بأمثالهم ، وقلة الاهتمام بأحوالهم ، وعرَّفه أنهم بمعزلٍ عن رحمته ؛ وإِنَّ مَنْ ردَّته القسمة الأزلية لا تنفعه الأعلال في الاستقبال ، فقال : { وَمَن يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئًا } يعني إِنْ أَهَّلَه الله للحرمان ، وقيّده بشباك الخذلان فشفاعة الأغيار فيه غير مقبولة ، ولطائف القبول إليه غير موصولة .

قوله جلّ ذكره : { أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبُهُمْ } .

أولئك الذين لم تعجن طينتُهم بماء السعادة فَجُبِلوا على نجاسة الشِرْك فإن عدم الطهارة الأصلية لا يتنقَّى بفنون المعاملات .

ويقال : { وَمَن يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ } : مَنْ أرسل عليه غاغة الهوى ، وسلَّط عليه نوازع المنى ، وأذلَّه ( . . . . ) القضاء ، فليس يلقى عليه غير الشقاء .

قوله جلّ ذكره : { لَهُمْ فِى الدُّنْيَا خِزْىٌ وَلَهُمْ فِى الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } .

وَرَدُوا من الهوان إلى الهوان ، ووُعِدُوا بالفراق ، وَرُدُّوا إلى الاحتراق ، فلا تدري أي حالِهم أقرب من استيجاب الذل ؟ بدايتهم في الرد أم نهايتهم في الشِرْك والجحد ؟