غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لَا يَحۡزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡكُفۡرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَلَمۡ تُؤۡمِن قُلُوبُهُمۡۛ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْۛ سَمَّـٰعُونَ لِلۡكَذِبِ سَمَّـٰعُونَ لِقَوۡمٍ ءَاخَرِينَ لَمۡ يَأۡتُوكَۖ يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ مِنۢ بَعۡدِ مَوَاضِعِهِۦۖ يَقُولُونَ إِنۡ أُوتِيتُمۡ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمۡ تُؤۡتَوۡهُ فَٱحۡذَرُواْۚ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتۡنَتَهُۥ فَلَن تَمۡلِكَ لَهُۥ مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـًٔاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمۡۚ لَهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا خِزۡيٞۖ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (41)

41

التفسير : خاطب محمداً صلى الله عليه وسلم بقوله : { يا أيها النبي } في مواضع ولم يخاطبه بقوله : { يا أيها الرسول } إلا ههنا وفي قوله :{ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك }[ المائدة :67 ] ولا شك أنه خطاب تشريف وتعظيم شرف به في هذه السورة التي هي آخر السورة نزولاً حيث تحققت رسالته في الواقع . أما وجه النظم فهو أنه سبحانه لما بين بعض التكاليف والشرائع وكان قد علم مسارعة بعض الناس إلى الكفر فلا جرم صبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على تحمل ذلك ووعده أن ينصره عليهم ويكفيه شرهم . والمراد بمسارعتهم في الكفر تهافتهم فيه وحرصهم عليه حتى إذا وجدوا فرصة لم يخطؤها . { آمنا بأفواههم } فيه تقديم وتأخير أي قالوا بأفواههم آمنا { سماعون للكذب } قابلون لما يفتعله أحبارهم من الكذب على الله وتحريف كتابه والطعن في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم من قولك : الملك يسمع كلام فلان أي يقبله { سماعون لقوم آخرين لم يأتوك } أي قابلون من الأحبار ومن الذين لم يصلوا إلى مجلسك من شدة البغضاء وإفراط العداوة ، ويحتمل أن يراد نفس السماع . واللام في { للكذب } لام التعليل أي يسمعون كلامك لكي يكذبوا عليك { يحرّفون الكلم } مبدلين ومغيرين سماعون لأجل قوم آخرين وجوههم عيوناً وجواسيس { من بعد مواضعه } أي التي وضعها الله فيها من أمكنة الحل والحظر والفرض والندب وغير ذلك ، أو من وجوه الترتيب والنظم فيهملوها بغير مواضع بعد أن كانت ذات موضع { إن أوتيتم هذا } المحرّف المزال عن موضعه { فخذوه } واعلموا أنه الحق واعملوا به { وإن لم تؤتوه } وأفتاكم محمد صلى الله عليه وسلم بخلافه { فاحذروا } فهو الباطل .

عن البراء بن عازب قال : مُرّ على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محمم مجلود فقال : " هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم ؟ قالوا : نعم . فدعا رجلاً من علمائهم فقال صلى الله عليه وسلم : أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى ، هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم ؟ قال : لا ، ولولا أنك نشدتني لم أخبرك . نجد حد الزاني في كتابنا الرجم ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الوضيع أقمنا عليه الحد فقلنا : تعالوا نجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع فاجتمعنا على التحميم والجلد مكان الرجم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم إني أول من أحيا أمرك إذا أماتوه به فرجم " فأنزل الله الآية إلى قوله : { إن أوتيتم هذا } يقولون ائتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فإن أفتاكم بالتحميم والجلد فحذوا به ، إن أفتاكم بالرجم فاحذروا . وفي رواية أخرى أن شريفاً من خيبر زنى بشريفة وهما محصنان وحدهما الرجم في التوراة ، فكرهوا رجمهما لشرفهما فبعثوا رهطاً منهم إلى بني قريظة ليسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقالوا : إن أمركم محمد صلى الله عليه وسلم بالجلد والتحميم فاقبلوا ، وإن أمركم بالرجم فلا تقبلوا وأرسلوا الزانيين معهم ، فأمرهم بالرجم فأبوا أن يأخذوا به فقال له جبريل عليه السلام : اجعل بينك وبينهم ابن صوريا فقال : هل تعرفون شاباً أمرد أبيض أعور يسكن فدك يقال له ابن صوريا ؟ قالوا . نعم وهو أعلم يهودي على وجه الأرض ورضوا به حكماً . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنشدك الله الذي لا إله إلاّ هو الذي فلق البحر لموسى ورفع فوقكم الطور وأنجاكم وأغرق آل فرعون . والذي أنزل عليكم كتابه وحلاله وحرامه ، هل تجدون فيه الرجم على من أحصن ؟ قال : نعم . فوثب عليه سفلة اليهود فقال : خفت إن كذبته أن ينزل علينا العذاب . ثم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء كان يعرفها من أعلامه فقال : أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنك رسول الله النبي الأمي العربي الذي بشر به المرسلون . وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالزانيين فرجما عند باب مسجده . قال العلماء القائلون برجم الثيب الذمي ومنهم الشافعي : إن كان الأمر برجم الثيب الذمي من دين الرسول صلى الله عليه وسلم فهو المقصود ، وإن كان مما ثبت في شريعة موسى عليه السلام فالأصل بقاؤه إلى طريان الناسخ ، ولم يوجد في شرعنا ما يدل على نسخه ، وبهذا الطريق أجمع العلماء على أن قوله تعالى : { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس } حكمه باق في شرعنا . { ومن يرد الله فتنته } ظاهر الآية أن المراد بالفتنة أنواع الكفر التي حكاها عن اليهود وغيرهم .

والمعنى ومن يرد الله كفره وضلالته فلن يقدر أحد على دفع ذلك . ثم أكد هذا بقوله : { أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم } وفيه دليل على أنه تعالى لا يريد إسلام الكافر وأنه لم يطهر قلبه من الشك والشرك ولو فعل لآمن . والمعتزلة فسروا الفتنة بالعذاب كقوله :{ يوم هم على النار يفتنون }[ الذاريات :13 ] أو بالفضيحة أو بالإضلال أي تسميته ضالاً ، أو المراد ومن يرد الله اختباره فيما يبتليه من التكاليف ثم إنه يتركها ولا يقوم بأدائها { فلن تملك له من الله } ثواباً ولا نفعاً . ثم قال : { أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم } بالألطاف لأنه تعالى علم أنه لا فائدة في تلك الألطاف لأنها لا تنجع في قلوبهم ، أو يطهر قلوبهم من الحرج والغم والوحشة الدالة على كفره ، أو هو استعارة عن سقوط وقعه عند الله تعالى وأنه غير ملتفت إليه بسبب قبح أفعاله وسوء أعماله .

/خ47