مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لَا يَحۡزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡكُفۡرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَلَمۡ تُؤۡمِن قُلُوبُهُمۡۛ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْۛ سَمَّـٰعُونَ لِلۡكَذِبِ سَمَّـٰعُونَ لِقَوۡمٍ ءَاخَرِينَ لَمۡ يَأۡتُوكَۖ يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ مِنۢ بَعۡدِ مَوَاضِعِهِۦۖ يَقُولُونَ إِنۡ أُوتِيتُمۡ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمۡ تُؤۡتَوۡهُ فَٱحۡذَرُواْۚ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتۡنَتَهُۥ فَلَن تَمۡلِكَ لَهُۥ مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـًٔاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمۡۚ لَهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا خِزۡيٞۖ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (41)

{ يأَيُّهَا الرسول لاَ يَحْزُنكَ الذين يُسَارِعُونَ فِى الكفر } أي لا تهتم ولا تبال بمسارعة المنافقين في الكفر أي في إظهاره بما يلوح منهم من آثار الكيد للإسلام ومن موالاة المشركين ، فإني ناصرك عليهم وكافيك شرهم . يقال أسرع فيه الشيب أي وقع سريعاً فكذلك مسارعتهم في الكفر وقوعهم فيه أسرع شيء إذا وجدوا فرصة لم يخطئووها { مِنَ الذين قَالُواْ } تبيين لقوله : «الذين يسارعون في الكفر » { ءَامَنَّا } مفعول «قالوا » { بأفواههم } متعلق ب «قالوا » أي قالوا بأفواههم آمنا { وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ } في محل النصب على الحال { وَمِنَ الذين هَادُواْ } معطوف على «من الذين قالوا » أي من المنافقين واليهود . ويرتفع { سماعون لِلْكَذِبِ } على أنه خبر مبتدأ مضمر أي هم سماعون والضمير للفريقين ، أو سماعون مبتدأ وخبره «من الذين هادوا » ، وعلى هذا يوقف «على قلوبهم » ، وعلى الأول «على هادوا » . ومعنى سماعون للكذب يسمعون منك ليكذبوا عليك بأن يمسخوا ما سمعوا منك بالزيادة والنقصان والتبديل والتغيير { سماعون لِقَوْمٍ ءاخَرِينَ لم يَأتُوك } أي سماعون منك لأجل قوم آخرين من اليهود وجّهوهم عيوناً ليبلغوهم ما سمعوا منك { يُحَرّفُونَ الكلم مِن بَعْدِ مواضعه } أي يزيلونه ويميلونه عن مواضعه التي وضعه الله فيها فيهملونه بغير مواضع بعد أن كان ذا موضع .

«يحرفون » صفة لقوم كقوله «لم يأتوك » ، أو خبر لمبتدأ محذوف أي هم يحرفون ، والضمير مردود على لفظ الكلم { يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا } المحرف المزال عن مواضعه ويقولون مثل يحرفون . وجاز أن يكون حالاً من الضمير في «يحرفون » { فَخُذُوهُ } واعلموا أنه الحق واعملوا به { وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ } وأفتاكم محمد بخلافه { فاحذروا } فإياكم وإياه فهو الباطل . رُوي أن شريفاً زنى بشريفة بخيبر وهما محصنان وحدهما الرجم في التوراة فكرهوا رجمهما لشرفهما فبعثوا رهطاً منهم ليسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقالوا : إن أمركم بالجلد والتحميم فاقبلوا ، وإن أمركم بالرجم فلا تقبلوا ، فأمرهم بالرجم فأبوا أن يأخذوا به { وَمَن يُرِدِ الله فِتْنَتَهُ } ضلالته وهو حجة على من يقول : يريد الله الإيمان ولا يريد الكفر { فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ الله شَيْئاً } قطع رجاء محمد صلى الله عليه وسلم عن إيمان هؤلاء { أُوْلَئِكَ الذين لَمْ يُرِدِ الله أَن يُطَهّرَ قُلُوبَهُمْ } عن الكفر لعلمه منهم اختيار الكفر وهو حجة لنا عليهم أيضاً { لَهُمْ فِى الدنيا خِزْىٌ } للمنافقين فضيحة ولليهود جزية { وَلَهُمْ فِى الآخرة عَذَابٌ عَظِيمٌ } أي التخليد في النار .