أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر } قال : هم اليهود { من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم } قال : هم المنافقون .
وأخرج أحمد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال « إن الله أنزل { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } [ المائدة : 44 ] الظالمون ، الفاسقون ، أنزلها الله في طائفتين من اليهود قهرت إحداهما الأخرى في الجاهلية حتى ارتضوا واصطلحوا ، على أن كل قتيل قتلته الغزيزة من الذليلة فديته خمسون وسقاً ، وكل قتيل قتلته الذليلة من الغريزة فديته مائة وسق ، فكانوا على ذلك حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فنزلت الطائفتان كلتاهما لمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ لم يظهر عليهم ، فقامت الذليلة فقالت : وهل كان هذا في حيين قط دينهما واحد ، ونسبهما واحد ، وبلدهما واحد ، ودية بعضهم نصف دية بعض ، إنما أعطيناكم هذا ضيماً منكم لنا وفرقاً منكم ، فإما إذ قدم محمد صلى الله عليه وسلم فلا نعطيكم ذلك ، فكادت الحرب تهيج بينهم ، ثم ارتضوا على أن يجعلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم ، ففكرت الغزيزة فقالت : والله ما محمد بمعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منكم ، ولقد صدقوا ، ما أعطونا هذا إلا ضيماً وقهراً لهم ، فدسوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاخبر الله رسوله بأمرهم كله وماذا أرادوا ، فأنزل الله { يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر } إلى قوله { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون } ، ثم قال : فيهم - والله - أنزلت » .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عامر الشعبي في قوله { لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر } قال : رجل من اليهود قتل رجلاً من أهل دينه ، فقالوا لحلفائهم من المسلمين : سلوا محمداً صلى الله عليه وسلم فإن كان يقضي بالدية اختصمنا إليه ، وإن كان يقضي بالقتل لم نأته .
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن أبي هريرة « أن أحبار اليهود اجتمعوا في بيت المدراس حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وقد زنى رجل بعد احصانه بامرأة من اليهود وقد أحصنت ، فقالوا : ابعثوا هذا الرجل وهذه المرأة إلى محمد فاسألوه كيف الحكم فيهما وولوه الحكم فيهما ، فإن حكم بعملكم من التجبية ، والجلد بحبل من ليف مطلي بقار ، ثم يسود وجوههما ، ثم يحملان على حمارين وجوههما من قبل أدبار الحمار ، فاتبعوه فإنما هو ملك سيد القوم ، وإن حكم فيهما بالنفي فإنه نبي فاحذروه على ما في أيديكم أن يسلبكم .
فأتوه فقالوا : يا محمد . هذا رجل قد زنى بعد إحصانه بامرأة قد أحصنت ، فاحكم فيهما فقد وليناك الحكم فيهما ، فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى أحبارهم في بيت المدراس فقال : يا معشر يهود ، أخرجوا إليَّ علماءكم ، فأخرجوا إليه عبد الله بن صوريا ، وياسر بن أخطب ، ووهب بن يهودا ، فقالوا : هؤلاء علماؤنا . فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم حصل أمرهم إلى أن قالوا لعبد الله بن صوريا : هذا أعلم من بقي بالتوراة ، فخلا رسول الله صلى الله عليه وسلم به وشدد المسألة وقال : يا ابن صوريا ، أنشدك الله وأذكرك أيامه عند بني إسرائيل ، هل تعلم أن الله حكم فيمن زنى بعد إحصانه بالرجم في التوراة ؟ فقال : اللهم نعم ، أما والله يا أبا القاسم ، إنهم ليعرفون أنك مرسل ولكنهم يحسدونك ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر بهما فرجما عند باب المسجد ، ثم كفر بعد ذلك ابن صوريا وجحد نبوّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله { يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر } الآية " .
وأخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال " أول مرجوم رجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود ، زنى رجل منهم وامرأة ، فقال بعضهم لبعض : اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه نبي بعث بتخفيف ، فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله ، وقلنا : فتيا نبي من أنبيائك . قال : فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد وأصحابه ، فقالوا : يا أبا القاسم ما ترى في رجل وامرأة منهم زنيا ؟ فلم يكلمه كلمة حتى أتى مدراسهم ، فقام على الباب فقال : أنشدك الله الذي أنزل التوراة على موسى ، ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن ؟ قالوا : يحمم ويجبه ويجلد ، والتجبية أن يحمل الزانيان على حمار ، ويقابل أقفيتهما ، ويطاف بهما ، وسكت شاب ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم سكت ، ألظ النشدة فقال : اللهم نشدتنا فإنا نجد في التوراة الرجم ، ثم زنى رجل في أسرة من الناس ، فأراد رجمه فحال قومه دونه ، وقالوا : والله ما نرجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه ، فاصطلحوا بهذه العقوبة بينهم . قال النبي صلى الله عليه وسلم : فإني أحكم بما في التوراة ، فأمر بهما فرجما . قال الزهري : فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم { إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا } [ المائدة : 44 ] فكان النبي صلى الله عليه وسلم منهم " .
وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي والنحاس في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن البراء بن عازب قال : « مر على النبي صلى الله عليه وسلم يهودي محمم مجلود ، فدعاهم فقال : " أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم ؟ قالوا : نعم ، فدعا رجلاً من علمائهم فقال : أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى : أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم ؟ قال : اللهم لا ، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك ، نجد حد الزاني في كتابنا الرجم ، ولكنه كثر في أشرافنا ، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه ، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد ، فقلنا : تعالوا نجعل شيئاً نقيمه على الشريف والوضيع ، فاجتمعنا على التحميم والجلد ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه ، وأمر به فرجم ، فأنزل الله { يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر } إلى قوله { إن أوتيتم هذا فخذوه } وإن أفتاكم بالرجم { فاحذروا } إلى قوله { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } قال في اليهود { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون } [ المائدة : 45 ] قال : في النصارى إلى قوله { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون } [ المائدة : 47 ] قال : في الكفار كلها .
وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر قال : " إن اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكروا له رجلاً منهم وامرأة زنيا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما تجدون في التوراة ؟ قالوا : نفضحهم ويجلدون . قال عبد الله بن سلام : كذبتم أن فيها آية الرجم ، فأتوا بالتوراة فنشروها ، فوضع أحدهم يده على آية الرجم ، فقال ما قبلها وما بعدها ، فقال عبد الله بن سلام : ارفع يدك ، فرفع يده فإذا آية الرجم . قالوا : صدق ، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما » .
وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا } قال " هم اليهود ، زنت منهم امرأة وقد كان حكم الله في التوراة في الزنا الرجم ، فنفسوا أن يرجموها وقالوا : انطلقوا إلى محمد فعسى أن تكون عنده رخصة ، فإن كانت عنده رخصة فاقبلوها ، فأتوه فقالوا : يا أبا القاسم إن امرأة منا زنت ، فما تقول فيها ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فكيف حكم الله في التوراة في الزاني ؟ قالوا : دعنا مما في التوراة ، ولكن ما عندك في ذلك ؟ فقال : ائتوني بأعلمكم بالتوراة التي أنزلت على موسى . فقال لهم : بالذي نجاكم من آل فرعون ، وبالذي فلق لكم البحر فأنجاكم وأغرق آل فرعون ، إلا أخبرتموني ما حكم الله في التوراة في الزاني ؟ قالوا : حكمه الرجم ، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت " .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر وأبو الشيخ عن جابر بن عبد الله في قوله { من الذين هادوا سماعون للكذب } قال : يهود المدينة { سماعون لقوم آخرين لم يأتوك } قال : يهود فدك { يحرفون الكلم } قال : يهود فدك { يقولون } ليهود المدينة { إن أوتيتم هذا } الجلد { فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا } الرجم .
وأخرج الحميدي في مسنده وأبو داود وابن ماجة وابن المنذر وابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال : « زنى رجل من أهل فدك ، فكتب أهل فدك إلى ناس من اليهود بالمدينة اسألوا محمداً عن ذلك ، فإن أمركم بالجلد فخذوه عنه ، وإن أمركم بالرجم فلا تأخذوه عنه ، فسألوه عن ذلك فقال : أرسلوا إليَّ أعلم رجلين منكم ، فجاؤوا برجل أعور يقال له ابن صوريا وآخر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهما " أليس عندكما التوراة فيها حكم الله ؟ قالا : بلى . قال : فانشدك بالذي فلق البحر لبني إسرائيل ، وظلل عليكم الغمام ، ونجاكم من آل فرعون ، وأنزل التوراة على موسى ، وأنزل المن والسلوى على بني إسرائيل ، ما تجدون في التوراة في شأن الرجم ؟ فقال أحدهما للآخر : ما نشدت بمثله قط : قالا : نجد ترداد النظر زنية ، والاعتناق زنية ، والقبل زنية ، فإذا شهد أربعة أنهم رأوه يبدئ ويعيد كما يدخل الميل في المكحلة فقد وجب الرجم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فهو كذلك ، فأمر به فرجم ، فنزلت { فإن جاؤوك فاحكم بينهم } إلى قوله { يحب المقسطين } [ المائدة : 42 ] .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر } قال : نزلت في رجل من الأنصار ، زعموا أنه أبو لباتة أشارت إليه بنو قريظة يوم الحصار ما الأمر على ما ننزل ، فأشار إليهم أنه الذبح .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { ومن الذين هادوا سماعون للكذب } قال : هم أبو يسرة وأصحابه .
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في قوله { سماعون لقوم آخرين } قال : يهود خيبر .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله { سمَّاعون لقوم آخرين } قال : هم أيضاً سماعون ليهود .
وأخرج أبو الشيخ عن إبراهيم النخعي في قوله { يحرِّفون الكلم عن مواضعه } [ المائدة : 13 ] قال : كان يقول بني إسرائيل : يا بني أحباري ، فحرفوا ذلك فجعلوه يا بني أبكاري ، فذلك قوله { يحرفون الكلم عن مواضعه } وكان إبراهيم يقرأها " يحرفون الكلم من مواضعه " .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة في قوله { يحرفون الكلم من بعد مواضعه . . } الآية . قال : ذكر لنا أن هذا كان في قتيل بني قريظة والنضير ، إذ قتل رجل من قريظة قتله النضير ، وكانت النضير إذا قتلت من بني قريظة لم يقيدوهم ، إنما يعطونهم الدية لفضلهم عليهم في أنفسهم تعوذاً ، فقدم نبي الله صلى الله عليه وسلم المدينة فسألهم ، فأرادوا أن يرفعوا ذلك إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهم ، فقال لهم رجل من المنافقين : إن قتيلكم هذا قتيل عمد ، وإنكم متى ترفعون أمره إلى محمد أخشى عليكم القود ، فإن قبل منكم الدية فخذوه وإلا فكونوا منهم على حذر .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله { يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه } قال : إن وافقكم وإن لم يوافقكم { فاحذروه } يهود تقول : للمنافقين .
وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله { يحرفون الكلم } يعني حدود الله في التوراة . وفي قوله { يقولون إن أوتيتم هذا } قال : يقولون إن أمركم محمد بما أنتم عليه فاقبلوه وإن خالفكم فاحذروه . وفي قوله { ومن يرد الله فتنته } قال : ضلالته { فلن تملك له من الله شيئاً } يقول : لن تغني عنه شيئاً .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { لهم في الدنيا خزي } قال : أما خزيهم في الدنيا ، فإنه إذا قام الهدى فتح القسطنطينية فقتلهم فذلك الخزي .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عكرمة في قوله { لهم في الدنيا خزي } مدينة تفتح بالروم فيسبون .
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة في قوله { لهم في الدنيا خزي } قال : يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون .