وما نكاد نستغرق مع موسى - عليه السلام - في مشهد المناجاة حتى يعجل السياق بمشهد الفرج ، معقبا في التعبير بالفاء ، كأنما السماء تسارع فتستجيب للقلب الضارع الغريب .
فجاءته إحداهما تمشي على استحياء . قالت : إن أبي يدعوك ليجزيك أجرما سقيت لنا . .
يا فرج الله : ويا لقربه ويا لنداه ! إنها دعوة الشيخ الكبير استجابة من السماء لدعوة موسى الفقير . دعوة للإيواء والكرامة والجزاء على الإحسان . دعوة تحملها : ( إحداهما )وقد جاءته ( تمشي على استحياء )مشية الفتاة الطاهرة الفاضلة العفيفة النظيفة حين تلقى الرجال . ( على استحياء ) . في غير ما تبذل ولا تبرج ولا تبجح ولا إغواء . جاءته لتنهي إليه دعوة في أقصر لفظ وأخصره وأدله ، يحكيه القرآن بقوله : ( إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ) . فمع الحياء الإبانة والدقة والوضوح ؛ لا التلجلج والتعثر والربكة . وذلك كذلك من إيحاء الفطرة النظيفة السليمة المستقيمة . فالفتاة القويمة تستحي بفطرتها عند لقاء الرجال والحديث معهم ، ولكنها لثقتها بطهارتها واستقامتها لا تضطرب . الاضطراب الذي يطمع ويغري ويهيج ؛ إنما تتحدث في وضوح بالقدر المطلوب ، ولا تزيد .
وينهي السياق هذا المشهد فلا يزيد عليه ، ولا يفسح المجال لغير الدعوة من الفتاة ، والاستجابة من موسى . ثم إذا مشهد اللقاء بينه وبين الشيخ الكبير . الذي لم ينص على اسمه . وقيل : إنه ابن أخي شعيب النبي المعروف . وإن اسمه يثرون .
( فلما جاءه وقص عليه القصص ، قال : لا تخف . نجوت من القوم الظالمين ) . .
فقد كان موسى في حاجة إلى الأمن ؛ كما كان في حاجة إلى الطعام والشراب . ولكن حاجة نفسه إلى الأمن كانت أشد من حاجة جسمه إلى الزاد . ومن ثم أبرز السياق في مشهد اللقاء قول الشيخ الوقور : ( لا تخف )فجعلها أول لفظ يعقب به على قصصه ليلقي في قلبه الطمأنينة ، ويشعره بالأمان . ثم بين وعلل : ( نجوت من القوم الظالمين )فلا سلطان لهم على مدين ، ولا يصلون لمن فيها بأذى ولا ضرار .
{ فجاءته إحداهما تمشي على استحياء } أي مستحيية متخفرة . قيل كانت الصغرى منهما وقيل الكبرى واسمها صفوراء أو صفراء وهي التي تزوجها موسى عليه السلام . { قالت إن أبي يدعوك ليجزيك } ليكافئك . { أجر ما سقيت لنا } جزاء سقيك لنا . ولعل موسى عليه الصلاة والسلام إنما أجابها ليتبرك برؤية الشيخ ويستظهر بمعرفته لا طمعا في الأجر بل روي أنه لما جاءه قدم إليه طعاما فامتنع عنه وقال : إنا هل بيت لا نبيع ديننا بالدنيا حتى قال له شعيب عليه الصلاة والسلام : هذه عادتنا مع كل من ينزل بنا . هذا وأن كل من فعل معروفا فأهدي بشيء لم يحرم أخذه . { فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين } يريد فرعون وقومه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.