في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰۗ وَإِلَى ٱللَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ} (22)

وبمناسبة ذلك الجدال المتعنت الذي لا يستند إلى علم ، ولا يهتدي بهدى ، ولا يستمد من كتاب . يشير إلى السلوك الواجب تجاه الدليل الكوني والنعمة السابغة :

( ومن يسلم وجهه إلى الله - وهو محسن - فقد استمسك بالعروة الوثقى ، وإلى الله عاقبة الأمور ) . .

إنه الاستسلام المطلق لله - مع إحسان العمل والسلوك - الاستسلام بكامل معناه ، والطمأنينة لقدر الله . والانصياع لأوامر الله وتكاليفه وتوجيهاته مع الشعور بالثقة والاطمئنان للرحمة ، والاسترواح للرعاية ، والرضى الوجداني ، رضى السكون والارتياح . . كل أولئك يرمز له بإسلام الوجه إلى الله . والوجه أكرم وأعلى ما في الإنسان . .

( ومن يسلم وجهه إلى الله - وهو محسن - فقد استمسك بالعروة الوثقى ) . . العروة التي لا تنقطع ولا تهن ولا تخون ممسكا بها في سراء أو ضراء ، ولا يضل من يشد عليها في الطريق الوعر والليلة المظلمة ، بين العواصف والأنواء !

هذه العروة الوثقى هي الصلة الوثيقة الثابتة المطمئنة بين قلب المؤمن المستسلم وربه . هي الطمأنينة إلى كل ما يأتي به قدر الله في رضى وفي ثقة وفي قبول ، طمأنينة تحفظ للنفس هدوءها وسكينتها ورباطة جأشها في مواجهة الأحداث ، وفي الاستعلاء على السراء فلا تبطر ، وعلى الضراء فلا تصغر ؛ وعلى المفاجآت فلا تذهل ؛ وعلى اللأواء في طريق الإيمان ، والعقبات تتناثر فيه من هنا ومن هناك .

إن الرحلة طويلة وشاقة وحافلة بالأخطار . وخطر المتاع فيها والوجدان ليس أصغر ولا أقل من خطر الحرمان فيها والشقاء . وخطر السراء فيها ليس أهون ولا أيسر من خطر الضراء . والحاجة إلى السند الذي لا يهن ، والحبل الذي لا ينقطع ، حاجة ماسة دائمة . والعروة الوثقى هي عروة الإسلام لله والاستسلام والإحسان . ( وإلى الله عاقبة الأمور ) . . وإليه المرجع والمصير . فخير أن يسلم الإنسان وجهه إليه منذ البداية ؛ وأن يسلك إليه الطريق على ثقة وهدى ونور . .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{۞وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰۗ وَإِلَى ٱللَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ} (22)

ولما كان التقدير : فمن جادل في الله {[54078]}فلا متمسك{[54079]} له ، عطف عليه قوله في شرح حال أضدادهم : { ومن يسلم } أي في الحال أو الاستقبال { وجهه } أي قصده وتوجهه وذاته كلها . ولما كان مقصود السورة إثبات الحكمة ، عدى الفعل ب " إلى " تنبيهاً على إتقان الطريق بالوسائط من النبي أو الشيخ وحسن الاسترشاد في ذلك ، فقال معلقاً بما تقديره : سائراً وواصلاً { إلى الله } الذي له صفات الكمال ، فلم يبق لنفسه أمر أصلاً ، فهو لا يتحرك إلا بأمر من أوامره سبحانه { وهو } أي والحال أنه { محسن } أي مخلص بباطنه كما أخلص بظاهره ، فهو دائماً في حال الشهود { فقد استمسك } أي أوجد الإمساك بغاية ما يقدر عليه من القوة في بادئة الأمور لترقية نفسه من حضيضها إلى أوج الروح على أيدي المسلكين الذين اختارهم لدينه ، العارفين بأخطار السير وعوائق الطريق { بالعروة الوثقى } التي هي أوثق ما يتمسك به فلا سقوط له أصلاً ، {[54080]}فليسررك شكره{[54081]} فإن ربه{[54082]} يعليه إلى كل مراد ما دام متمسكاً بها تمثيلاً لحال هذا السائر بحال من سقط في بئر ، أو أراد أن يرقى جبلاً ، فادلى له صاحبه حبلاً ذا عرى فأخذ بأوثقها ، فهو يعلو به إذا جره صديقه . وهو قادر على جره{[54083]} لا محالة من غير انفصام ، لأن متمسكه في غاية الإحكام .

ولما كان الكل صائرين إليه ، رافدين عليه : من استمسك بالأوثق ، ومن استمسك بالأوهى ، ومن لم يتمسك بشيء ، إلا أن الأول صائر مع السلامة ، وغيره مع العطب ، قال مظهراً تعظيماً للأمر ولئلا يقيد بحيثية{[54084]} عاطفاً على ما تقديره : فيصير إلى الله سالماً ، فإلى الله عاقبته لا محالة : { وإلى الله } أي الملك الأعظم وحده{[54085]} تصير { عاقبة الأمور * } أي كما أنه كانت منه بادئتها ، وإنما خص العاقبة لأنهم مقرون بالبادئة .


[54078]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[54079]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[54080]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: فليسرك أمر.
[54081]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: فليسرك أمر.
[54082]:في ظ: ربك.
[54083]:زيد من ظ وم ومد.
[54084]:بياض في ظ ومد. وزيد في الأصل بعده: قال، ولم تكن الزيادة في ظ وم ومد فحذفناها.
[54085]:سقط من م.