في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ثُمَّ أَوۡرَثۡنَا ٱلۡكِتَٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصۡطَفَيۡنَا مِنۡ عِبَادِنَاۖ فَمِنۡهُمۡ ظَالِمٞ لِّنَفۡسِهِۦ وَمِنۡهُم مُّقۡتَصِدٞ وَمِنۡهُمۡ سَابِقُۢ بِٱلۡخَيۡرَٰتِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡكَبِيرُ} (32)

27

هذا هو الكتاب في ذاته . وقد أورثه الله لهذه الأمة المسلمة ، اصطفاها لهذه الوراثة ، كما يقول هنا في كتابه :

( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) . .

وهي كلمات جديرة بأن توحي لهذه الأمة بكرامتها على الله ؛ كما توحي إليها بضخامة التبعة الناشئة عن هذا الاصطفاء وعن تلك الوراثة . وهي تبعة ضخمة ذات تكاليف ، فهل تسمع الأمة المصطفاة وتستجيب ?

إن الله سبحانه قد أكرم هذه الأمة بالاصطفاء للوراثة ؛ ثم أكرمها بفضله في الجزاء حتى لمن أساء :

( فمنهم ظالم لنفسه . ومنهم مقتصد . ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ) . .

فالفريق الأول - ولعله ذكر أولاً لأنه الأكثر عدداً - ( ظالم لنفسه )تربى سيئاته في العمل على حسناته . والفريق الثاني وسط( مقتصد )تتعادل سيئاته وحسناته . والفريق الثالث ( سابق بالخيرات بإذن الله ) ، تربى حسناته على سيئاته . . ولكن فضل الله شمل الثلاثة جميعاً . فكلهم انتهى إلى الجنة وإلى النعيم الموصوف في الآيات التالية . على تفاوت في الدرجات .

ولا ندخل هنا في تفصيل أكثر مما أراد القرآن عرضه في هذا الموضع من كرامة هذه الأمة باصطفائها ، وكرم الله سبحانه في جزائها . فهذا هو الظل الذي تلقيه النصوص هنا ، وهي النهاية التي تنتهي إليها هذه الأمة جيمعاً - بفضل الله - ونطوي ما قد يسبق هذه النهاية من جزاء مقدر في علم الله .

نطوي هذا الجزاء المبدئي لنخلص إلى ما قدره الله لهذه الأمة بصنوفها الثلاثة من حسن الجزاء :

( ذلك هو الفضل الكبير .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{ثُمَّ أَوۡرَثۡنَا ٱلۡكِتَٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصۡطَفَيۡنَا مِنۡ عِبَادِنَاۖ فَمِنۡهُمۡ ظَالِمٞ لِّنَفۡسِهِۦ وَمِنۡهُم مُّقۡتَصِدٞ وَمِنۡهُمۡ سَابِقُۢ بِٱلۡخَيۡرَٰتِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡكَبِيرُ} (32)

{ ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا } : يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم والتوريث عبارة عن أن الله أعطاهم الكتاب بعد غيرهم من الأمم .

{ فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات } قال عمر وابن مسعود وابن عباس وكعب وعائشة وأكثر المفسرين هذه الأصناف الثلاثة في أمة محمد صلى الله عليه وسلم فالظالم لنفسه العاصي والسابق التقي والمقتصد بينهما وقال الحسن : السابق من رجحت حسناته على سيئاته ، والظالم لنفسه من رجحت سيئاته والمقتصد من استوت حسناته وسيئاته وجميعهم يدخلون الجنة وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له ) وقيل : الظالم الكافر والمقتصد المؤمن العاصي والسابق التقي فالضمير في منهم على هذا يعود على العباد وأما على القول الأول فيعود على { الذين اصطفينا } وهو أرجح وأصح لوروده في الحديث ، وجلالة القائلين به ، فإن قيل : لم قدم الظالم ووسط المقتصد وأخر السابق ؟ فالجواب : أنه قدم الظالم لنفسه رفقا به لئلا ييئس وأخر السابق لئلا يعجب بنفسه ، وقال الزمخشري : قدم الظالم لكثرة الظالمين وأخر السابق لقلة السابقين .

{ ذلك هو الفضل الكبير } إشارة إلى الاصطفاء .