غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ثُمَّ أَوۡرَثۡنَا ٱلۡكِتَٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصۡطَفَيۡنَا مِنۡ عِبَادِنَاۖ فَمِنۡهُمۡ ظَالِمٞ لِّنَفۡسِهِۦ وَمِنۡهُم مُّقۡتَصِدٞ وَمِنۡهُمۡ سَابِقُۢ بِٱلۡخَيۡرَٰتِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡكَبِيرُ} (32)

1

قوله { ثم أورثنا الكتاب } زعم جمع من المفسرين أن الكتاب للجنس بدليل قوله فيما قبل { جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر } والإيراث الإعطاء ، والمصطفون من عبيده هم الأنبياء كأنه قال : علمنا البواطن وأبصرنا الظواهر فاصطفينا عباداً ثم أورثناهم الكتاب . وعلى هذا فالمراد بالظلم على النفس وضع الشيء في غير موضعه وإن كان بترك الأولى ومنه قول أبينا آدم { ربنا ظلمنا أنفسنا } [ الأعراف : 23 ] وقوله يونس { إني كنت من الظالمين } [ الأنبياء : 87 ] وإذا كان الظلم بهذا المعنى جائزاً عليهم فالاقتصاد أولى . ويجوز أن يعود الضمير في قوله { فمنهم } إلى الأمة كأنه قيل : إن الذي أوحينا إليك هو الحق وأنت المصطفى كما اصطفينا رسلنا ، وآتيناهم كتباً فمن قومك ظالم كفر بك وبما أنزل إليك ، ومقتصد آمن به ولم يأتِ بجميع ما أمر به ، وسابق آمن وعمل صالحاً . وقال أكثرهم : إنه القرآن والإيراث الحكم بالتوريث أو هو على عادة إخبار الله في التعبير عن المستقبل بالماضي لتحققه أي نريد أن نورثه . والمصطفون هم الصحابة والتابعون ومن بعدهم إلى يوم القيامة كقوله { كنتم خير أمة } [ آل عمران : 110 ] { وكذلك جعلناكم أمة وسطا } [ البقرة : 143 ] وعلى هذا ففي تفسير المراتب الثلاثة أقوال أحدها : الظالم الراجح السيئات ، والمقتصد المتساوي الحسنات والسيئات ، والسابق راجح الحسنات . ثانيها الظالم من ظاهره خير من باطنه ، والمقتصد المتساوي ، والسابق من باطنه خير . ثالثها : الظالم صاحب الكبيرة ، والمقتصد صاحب الصغيرة ، والسابق المعصوم . رابعها : عن علي رضي الله عنه : الظالم أنا ، والمقتصد أنا ، والسابق أنا . فقيل له : كيف ذاك ؟ قال : أنا ظالم بمعصيتي ، ومقتصد بتوبتي ، وسابق بمحبتي . خامسها : الظالم التالي للقرآن غير العالم به ولا العامل بموجبه ، والمقتصد التالي العالم غير العامل ، والسابق التالي العامل سادسها : الظالم الجاهل ، والمقتصد المتعلم ، والسابق العالم . سابعها : الظالم من يحاسب فيدخل النار وهو أصحاب المشأمة ، والمقتصد من يحاسب فيدخل الجنة وهو أصحاب الميمنة ، والسابق من يدخل الجنة بغير حساب ، ثامنها : الظالم من خالف أوامر الله وارتكب مناهيه فإنه واضع للتكليف في غير موضعه ، والمقتصد هو المجتهد في أداء التكاليف وإن لم يوفق لذلك فإنه قصد الحق واجتهد ، والسابق هو الذي لم يخالف تكاليف الله بتوفيقه دليله قوله في الأخير { بإذن الله } وذلك أنه إذا وقع الخير في نفسه سبق إليه قبل تسويل النفس ، والمقتصد يقع في قلبه فتردّده النفس ، والظالم تغلبه النفس . وبعبارة أخرى من غلبته النفس الأمارة وأمرته فأطاعها ظالم ، ومن جاهد نفسه فغلبته تارة غلب أخرى فهو المقتصد صاحب النفس اللوامة ، ومن قهر نفسه فهو السابق . وفي تقديم الظالم ثم المقتصد إيذان بأن المقتصدين أكثر من السابقين والظالمون أكثر الأقسام كما قال { وقليل من عبادي الشكور } [ سبأ : 13 ] { ذلك } الذي ذكر من التوفيق أو من السبق بالخيرات أو من الإيراث { هو الفضل الكبير } .

/خ1