قوله { ثم أورثنا الكتاب } زعم جمع من المفسرين أن الكتاب للجنس بدليل قوله فيما قبل { جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر } والإيراث الإعطاء ، والمصطفون من عبيده هم الأنبياء كأنه قال : علمنا البواطن وأبصرنا الظواهر فاصطفينا عباداً ثم أورثناهم الكتاب . وعلى هذا فالمراد بالظلم على النفس وضع الشيء في غير موضعه وإن كان بترك الأولى ومنه قول أبينا آدم { ربنا ظلمنا أنفسنا } [ الأعراف : 23 ] وقوله يونس { إني كنت من الظالمين } [ الأنبياء : 87 ] وإذا كان الظلم بهذا المعنى جائزاً عليهم فالاقتصاد أولى . ويجوز أن يعود الضمير في قوله { فمنهم } إلى الأمة كأنه قيل : إن الذي أوحينا إليك هو الحق وأنت المصطفى كما اصطفينا رسلنا ، وآتيناهم كتباً فمن قومك ظالم كفر بك وبما أنزل إليك ، ومقتصد آمن به ولم يأتِ بجميع ما أمر به ، وسابق آمن وعمل صالحاً . وقال أكثرهم : إنه القرآن والإيراث الحكم بالتوريث أو هو على عادة إخبار الله في التعبير عن المستقبل بالماضي لتحققه أي نريد أن نورثه . والمصطفون هم الصحابة والتابعون ومن بعدهم إلى يوم القيامة كقوله { كنتم خير أمة } [ آل عمران : 110 ] { وكذلك جعلناكم أمة وسطا } [ البقرة : 143 ] وعلى هذا ففي تفسير المراتب الثلاثة أقوال أحدها : الظالم الراجح السيئات ، والمقتصد المتساوي الحسنات والسيئات ، والسابق راجح الحسنات . ثانيها الظالم من ظاهره خير من باطنه ، والمقتصد المتساوي ، والسابق من باطنه خير . ثالثها : الظالم صاحب الكبيرة ، والمقتصد صاحب الصغيرة ، والسابق المعصوم . رابعها : عن علي رضي الله عنه : الظالم أنا ، والمقتصد أنا ، والسابق أنا . فقيل له : كيف ذاك ؟ قال : أنا ظالم بمعصيتي ، ومقتصد بتوبتي ، وسابق بمحبتي . خامسها : الظالم التالي للقرآن غير العالم به ولا العامل بموجبه ، والمقتصد التالي العالم غير العامل ، والسابق التالي العامل سادسها : الظالم الجاهل ، والمقتصد المتعلم ، والسابق العالم . سابعها : الظالم من يحاسب فيدخل النار وهو أصحاب المشأمة ، والمقتصد من يحاسب فيدخل الجنة وهو أصحاب الميمنة ، والسابق من يدخل الجنة بغير حساب ، ثامنها : الظالم من خالف أوامر الله وارتكب مناهيه فإنه واضع للتكليف في غير موضعه ، والمقتصد هو المجتهد في أداء التكاليف وإن لم يوفق لذلك فإنه قصد الحق واجتهد ، والسابق هو الذي لم يخالف تكاليف الله بتوفيقه دليله قوله في الأخير { بإذن الله } وذلك أنه إذا وقع الخير في نفسه سبق إليه قبل تسويل النفس ، والمقتصد يقع في قلبه فتردّده النفس ، والظالم تغلبه النفس . وبعبارة أخرى من غلبته النفس الأمارة وأمرته فأطاعها ظالم ، ومن جاهد نفسه فغلبته تارة غلب أخرى فهو المقتصد صاحب النفس اللوامة ، ومن قهر نفسه فهو السابق . وفي تقديم الظالم ثم المقتصد إيذان بأن المقتصدين أكثر من السابقين والظالمون أكثر الأقسام كما قال { وقليل من عبادي الشكور } [ سبأ : 13 ] { ذلك } الذي ذكر من التوفيق أو من السبق بالخيرات أو من الإيراث { هو الفضل الكبير } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.