{ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب } أي أوحينا إليك القرآن ثم أورثناه من بعدك أي حكمنا بتوريثه { الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا } وهم أمته من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم إلى يوم القيامة لأن الله اصطفاهم على سائر الأمم وجعلهم أمة وسطاً ليكونوا شهداء على الناس ، واختصهم بكرامة الإنتماء إلى أفضل رسله . ثم رتبهم على مراتب فقال { فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ } وهو المرجأ لأمر الله { وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ } هو الذي خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً { وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات } وهذا التأويل يوافق التنزيل فإنه تعالى قال : { والسابقون الأولون مِنَ المهاجرين } [ التوبة : 100 ] الآية وقال بعده : { وَءَاخَرُونَ اعترفوا بِذُنُوبِهِمْ } [ التوبة : 102 ] الآية وقال بعده : { وَءَاخَرُونَ مُرْجَوْنَ لاْمْرِ الله } [ التوبة : 106 ] الآية . والحديث فقد رُوي عن عمر رضي الله عنه أنه قال على المنبر بعد قراءة هذه الآية : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له " وعنه عليه السلام : " السابق يدخل الجنة بغير حساب ، والمقتصد يحاسب حساباً يسيراً ثم يدخل الجنة ، وأما الظالم لنفسه فيحبس حتى يظن أنه لا ينجو ثم تناله الرحمة فيدخل الجنة " رواه أبو الدرداء .
والأثر فعن ابن عباس رضي الله عنهما : السابق المخلص ، والمقتصد المرائي ، والظالم الكافر بالنعمة غير الجاحد لها لأنه حكم للثلاثة بدخول الجنة . وقول السلف فقد قال الربيع بن أنس : الظالم صاحب الكبائر ، والمقتصد صاحب الصغائر ، والسابق المجتنب لهما .
وقال الحسن البصري : الظالم من رجحت سيئاته ، والسابق من رجحت حسناته ، والمقتصد من استوت حسناته وسيئاته . وسئل أبو يوسف رحمه الله عن هذه الآية فقال : كلهم مؤمنون ، وأما صفة الكفار فبعد هذا وهو قوله : { والذين كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ } وأما الطبقات الثلاث فهم الذين اصطفى من عباده فإنه قال : { فَمِنْهُمْ } { وَمِنْهُمُ } { وَمِنْهُمُ } والكل راجع إلى قوله { الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا } وهم أهل الإيمان وعليه الجمهور . وإنما قدم الظالم للإيذان بكثرتهم وأن المقتصدين قليل بالإضافة إليهم والسابقون أقل من القليل . وقال ابن عطاء : إنما قدم الظالم لئلا ييأس من فضله . وقيل : إنما قدمه ليعرّفه أن ذنبه لا يبعده من ربه . وقيل : إن أول الأحوال معصية ثم توبة ثم استقامة . وقال سهل : السابق العالم والمقتصد المتعلم والظالم الجاهل . وقال أيضاً : السابق الذي اشتغل بمعاده ، والمقتصد الذي اشتغل بمعاشه ومعاده ، والظالم الذي اشتغل بمعاشه عن معاده . وقيل : الظالم الذي يعبده على الغفلة والعادة ، والمقتصد الذي يعبده على الرغبة والرهبة ، والسابق الذي يعبده على الهيبة والاستحقاق . وقيل : الظالم من أخذ الدنيا حلالاً كانت أو حراماً ، والمقتصد من يجتهد أن لا يأخذها إلا من حلال ، والسابق من أعرض عنها جملة . وقيل : الظالم طالب الدنيا ، والمقتصد طالب العقبي ، والسابق طالب المولى { بِإِذُنِ الله } بأمره أو بعلمه أو بتوفيقه { ذلك } أي إيراث الكتاب { هُوَ الفضل الكبير*
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.