في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لِرَبِّهِۦ لَكَنُودٞ} (6)

( إن الإنسان لربه لكنود . وإنه على ذلك لشهيد . وإنه لحب الخير لشديد ) . .

إن الإنسان ليجحد نعمة ربه ، وينكر جزيل فضله . ويتمثل كنوده وجحوده في مظاهر شتى تبدو منه أفعالا وأقوالا ،

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لِرَبِّهِۦ لَكَنُودٞ} (6)

وقوله : { إِنَّ الإنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ } هذا هو المقسم عليه ، بمعنى أنه لنعم ربه لجحود كفور .

قال ابن عباس ، ومجاهد ، وإبراهيم النَّخعِي ، وأبو الجوزاء ، وأبو العالية ، وأبو الضحى ، وسعيد بن جبير ، ومحمد بن قيس ، والضحاك ، والحسن ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، وابن زيد : الكنود : الكفور . قال الحسن : هو الذي يعد المصائب ، وينسى نعم ربه .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن جعفر بن الزبير ، عن القاسم ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إِنَّ الإنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ } قال : " الكفور الذي يأكل وحده ، ويضرب عبده ، ويمنع رفده " {[30418]} .

ورواه ابن أبي حاتم ، من طريق جعفر بن الزبير - وهو متروك - فهذا إسناد ضعيف . وقد رواه ابن جرير أيضا من حديث حريز بن عثمان ، عن حمزة بن هانئ ، عن أبي أمامة موقوفا{[30419]} .


[30418]:- (2) ورواه الطبري في تفسيره (30/180) عن أبي كريب ، به.
[30419]:- (3) تفسير الطبري (30/180).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لِرَبِّهِۦ لَكَنُودٞ} (6)

والقسم واقع على قوله : { إن الإنسان لربه لكنود } ، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «أتدرون ما الكنود ؟ » قالوا : لا يا رسول الله ، قال : «هو الكفور الذي يأكل وحده ، ويمنع رفده ، ويضرب عبده . {[11953]} » وقد يكون من المؤمنين الكفور بالنعمة ، فتقدير الآية : إن الإنسان لنعمة ربه لكنود ، وأرض كنود لا تنبت شيئاً ، وقال الحسن بن أبي الحسن : الكنود : اللائم لربه ، الذي يعد السيئات وينسى الحسنات ، والكنود : العاصي بلغة كندة ، ويقال للخيل : كنود ، وقال أبو زبيد : [ الخفيف ]

إن تفتني فلم أطب بك نفساً . . . غير أني أمنى بدهر كنود{[11954]}

وقال الفضيل : الكنود الذي تنسيه سيئة واحدة حسنات كثيرة ، ويعامل الله على عقد عوض .


[11953]:رواه أبو أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أخرجه الطبري وفي سنده جعفر بن الزبير وهو متروك الحديث، وقد ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره، وقال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد": رواه الطبراني بإسنادين، في أحدهما جعفر بن الزبير وهو ضعيف وفي الآخر من لا أعرفه، وقال السيوطي في الدر المنثور: "أخرجه ابن جرير، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي، وابن عساكر بسند ضعيف عن أبي أمامة، ورواه الطبري من حديث حريز بن عثمان، عن حمزة بن هانىء، عن أبي أمامة موقوفا عليه".
[11954]:هذا البيت من قصيدة قالها أبو زبيد الطائي مكثرا فيها من الحكمة والتأمل في أحداث الحياة والموت، وهي في جمهرة أشعار العرب، والرواية فيها: (بدهر كيود) بالياء، من الكيد، وعلى هذا فلا شاهد فيه، وتفتني: تسبقني وتذهب عني، ولم أطب عنك نفسا: لم أرض بذلك، وأمنى: أرمى وأصاب، والدهر الكنود: الدهر البخيل الذي لا يعطي الإنسان ما يريد، ولا يحقق له أمانيه. وهذا هو موضع الاستشهاد.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لِرَبِّهِۦ لَكَنُودٞ} (6)

وجملة : { إن الإنسان لربه لكنود } جواب القسم .

والكَنود : وصف من أمثلة المبالغة من كَند ولغات العرب مختلفة في معناه فهو في لغة مضر وربيعةَ : الكفور بالنعمة ، وبلغة كنانة : البخيل ، وفي لغة كِندة وحضرموت : العاصي . والمعنى : لشديد الكفران لله .

والتعريف في { الإنسان } تعريف الجنس وهو يفيد الاستغراق غالباً ، أي أن في طبع الإنسان الكُنود لربه ، أي كفرانَ نعمته ، وهذا عارض يعرض لكل إنسان على تفاوتٍ فيه ولا يسلم منه إلا الأنبياء وكُمَّل أهل الصلاح لأنه عارض ينشأ عن إيثار المرء نفسه وهو أمر في الجبلة لا تدفعه إلا المراقبة النفسية وتذكّرُ حق غيره .

وبذلك قد يذهل أو ينسَى حق الله ، والإِنسان يحس بذلك من نفسه في خطراته ، ويتوانى أو يغفل عن مقاومته لأنه يشتغل بإرضاء داعية نفسه والأنفس متفاوتة في تمكن هذا الخُلق منها ، والعزائم متفاوتة في استطاعة مغالبته .

وهذا ما أشار إليه قوله تعالى : { وإنه على ذلك لشهيد وإنه لحب الخير لشديد } فلذلك كان الاستغراق عرفياً أو عامّاً مخصوصاً ، فالإِنسان لا يخلو من أحوال مآلها إلى كفران النعمة ، بالقول والقصد ، أو بالفعل والغفلة ، فالإِشراك كنود ، والعِصيان كنود ، وقِلة ملاحظة صَرف النعمة فيما أعطيت لأجله كنود ، وهو متفاوت ، فهذا خلق متأصل في الإِنسان فلذلك أيقظ الله له الناس ليَريضوا أنفسهم على أمانة هذا الخلق من نفوسهم كما في قوله تعالى : { إن الإنسان خلق هلوعاً } [ المعارج : 19 ] وقوله : { خلق الإنسان من عجل } [ الأنبياء : 37 ] وقوله : { إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى } [ العلق : 6 ، 7 ] وقد تقدمت قريباً .

وعن ابن عباس : تخصيص الإنسان هنا بالكافر فهو من العموم العرفي .

وروي عن أبي أمامة الباهلي بسند ضعيف قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الكنود هو الذي يأكل وحْدَه ويمنع رفده ويضْرب عبده » وهو تفسير لأدنى معاني الكنود فإن أكله وحده ، أي عدم إطعامه أحداً معه ، أو عدم إطعامه المحاويج إغضاء عن بعض مراتب شكر النعمة ، وكذلك منعه الرفد ، ومثله : ضربه عبده فإن فيه نسياناً لشكر الله الذي جعل العبد ملكاً له ولم يجعله ملكاً للعبد فيدل على أن ما هو أشد من ذلك أولى بوصف الكَنود .

وقيل التعريف في { الإنسان } للعهد ، وأن المراد به الوليد بن المغيرة ، وقيل : قرطة بن عبد عمرِو بن نوفل القرشي .

واللام في { لربه } لام التقوية لأن ( كَنود ) وصف ليس أصيلاً في العمل ، وإنما يتعلق بالمعمولات لمشابهته الفعل في الاشتقاق فيكثر أن يقترن مفعوله بلام التقوية ، ومع تأخيره عن معموله .

وتقديم { لربه } لإِفادة الاهتمام بمتعلق هذا الكنود لتشنيع هذا الكنود بأنه كنود للرب الذي هو أحق الموجودات بالشكر وأعظم ذلك شرك المشركين ، ولذلك أكد الكلام بلام الابتداء الداخلة على خبر ( إنَّ ) للتعجيب من هذا الخبر .

وتقديم { لربه } على عامله المقترن بلام الابتداء وهي من ذوات الصدر لأنهم يتوسعون في المجرورات والظروف ، وابنُ هشام يرى أن لام الابتداء الواقعة في خبر ( إنَّ ) ليست بذات صدارة .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لِرَبِّهِۦ لَكَنُودٞ} (6)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

{ إنّ الإنْسانَ لِرَبّهِ لَكَنُودٌ } يقول : إن الإنسان لكفور لنِعم ربه . والأرض الكنود : التي لا تُنبت شيئا ... عن أبي أمامة أنه كان يقول : الكَنُود : الذي ينزل وحده ، ويضرب عبده ، ويمنع رفده .

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

ثم الذي وقع به القسم قوله تعالى : { إن الإنسان لربه لكنود } أي الإنسان لنعم ربه لكفور ، لا يشكرها ، وهو أن الإنسان يذكر مصائبه وما يصيبه من الشدة في عمره أبدا ، وينسى جميعا ما أنعم عليه ، ولا يفارقه طرفة عين ....وقيل : الكنود القتور البخيل الشحيح في الإنفاق ، ويجب أن يكون وصف كل إنسان ما ذكر . لكن المؤمن يتكلف شكر نعم الله تعالى ، ويجتهد في ذلك ، ويصبر على المصائب ...

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والربيع : لكفور جحود لنِعم اللّه تعالى . قال الكلبي : هو بلسان كندة وحضرموت ، وبلسان معد كلهم : العاصي ، وبلسان مضر وربيعة وقضاعة : الكفور ، وبلسان بني مالك : البخيل .

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

واعلم أن معنى الكنود لا يخرج عن أن يكون كفرا أو فسقا ، وكيفما كان فلا يمكن حمله على كل الناس ، فلابد من صرفه إلى كافر معين ، أو إن حملناه على الكل كان المعنى أن طبع الإنسان يحمله على ذلك إلا إذا عصمه الله بلطفه وتوفيقيه من ذلك ...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ إن الإنسان } أي هذا النوع بما له من الأنس بنفسه ، والنسيان لما ينفعه ، { لربه } أي المحسن إليه بإبداعه ، ثم إبقائه وتدبيره وتربيته { لكنود } أي كفور نكد لسوء المعاملة ، حيث يقدم بما أحسن به الله إليه من الصافنات الجياد ، وبما آتاه من قوة الجنان والأركان على ما نهاه عنه ، ومصدره الكنود بالضم وهو كفران النعمة ، فالمراد هنا - بالتعبير عنه بهذه الصيغة التي هي للمبالغة - من يزدري القليل ولا يشكر الكثير ، وينسى كثير النعمة بقليل المحنة ، ويلوم ربه في أيسر نقمة ...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وجملة : { إن الإنسان لربه لكنود } جواب القسم .

والكَنود : وصف من أمثلة المبالغة من كَند ولغات العرب مختلفة في معناه فهو في لغة مضر وربيعةَ : الكفور بالنعمة ، وبلغة كنانة : البخيل ، وفي لغة كِندة وحضرموت : العاصي . والمعنى : لشديد الكفران لله .

والتعريف في { الإنسان } تعريف الجنس وهو يفيد الاستغراق غالباً ، أي أن في طبع الإنسان الكُنود لربه ، أي كفرانَ نعمته ، وهذا عارض يعرض لكل إنسان على تفاوتٍ فيه ولا يسلم منه إلا الأنبياء وكُمَّل أهل الصلاح لأنه عارض ينشأ عن إيثار المرء نفسه وهو أمر في الجبلة لا تدفعه إلا المراقبة النفسية وتذكّرُ حق غيره .

وبذلك قد يذهل أو ينسَى حق الله ، والإِنسان يحس بذلك من نفسه في خطراته ، ويتوانى أو يغفل عن مقاومته لأنه يشتغل بإرضاء داعية نفسه والأنفس متفاوتة في تمكن هذا الخُلق منها ، والعزائم متفاوتة في استطاعة مغالبته .

وهذا ما أشار إليه قوله تعالى : { وإنه على ذلك لشهيد وإنه لحب الخير لشديد } فلذلك كان الاستغراق عرفياً أو عامّاً مخصوصاً ، فالإِنسان لا يخلو من أحوال مآلها إلى كفران النعمة ، بالقول والقصد ، أو بالفعل والغفلة ، فالإِشراك كنود ، والعِصيان كنود ، وقِلة ملاحظة صَرف النعمة فيما أعطيت لأجله كنود ، وهو متفاوت ، فهذا خلق متأصل في الإِنسان فلذلك أيقظ الله له الناس ليَريضوا أنفسهم على أمانة هذا الخلق من نفوسهم كما في قوله تعالى : { إن الإنسان خلق هلوعاً } [ المعارج : 19 ] وقوله : { خلق الإنسان من عجل } [ الأنبياء : 37 ] وقوله : { إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى } [ العلق : 6 ، 7 ] وقد تقدمت قريباً .

وعن ابن عباس : تخصيص الإنسان هنا بالكافر فهو من العموم العرفي .

وروي عن أبي أمامة الباهلي بسند ضعيف قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الكنود هو الذي يأكل وحْدَه ويمنع رفده ويضْرب عبده » وهو تفسير لأدنى معاني الكنود فإن أكله وحده ، أي عدم إطعامه أحداً معه ، أو عدم إطعامه المحاويج إغضاء عن بعض مراتب شكر النعمة ، وكذلك منعه الرفد ، ومثله : ضربه عبده فإن فيه نسياناً لشكر الله الذي جعل العبد ملكاً له ولم يجعله ملكاً للعبد فيدل على أن ما هو أشد من ذلك أولى بوصف الكَنود .

وقيل التعريف في { الإنسان } للعهد ، وأن المراد به الوليد بن المغيرة ، وقيل : قرطة بن عبد عمرِو بن نوفل القرشي .

واللام في { لربه } لام التقوية لأن ( كَنود ) وصف ليس أصيلاً في العمل ، وإنما يتعلق بالمعمولات لمشابهته الفعل في الاشتقاق فيكثر أن يقترن مفعوله بلام التقوية ، ومع تأخيره عن معموله .

وتقديم { لربه } لإِفادة الاهتمام بمتعلق هذا الكنود لتشنيع هذا الكنود بأنه كنود للرب الذي هو أحق الموجودات بالشكر وأعظم ذلك شرك المشركين ، ولذلك أكد الكلام بلام الابتداء الداخلة على خبر ( إنَّ ) للتعجيب من هذا الخبر .

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

وكأن كتاب الله يريد أن يقول : إن نعم الله على الإنسان لا يحصيها عد ، وفي مقدمتها تمكينه من وسائل القوة والظفر ، وتسخير الحق سبحانه وتعالى له طاقات الحيوان والبشر ، وبالرغم من ذلك فإن الإنسان يتنكر لنعم الله ، ويصرفها في غير محلها ...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{ إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ } هذا هو جواب القسم الذي أرادت السورة أن تؤكده لتشير إلى الإنسان في حركته السلبية في موقفه من ربه عندما يبتعد عن وعي مقامه الربوبيّ الذي خلقه ، وأفاض عليه الكثير من نعمه .....المراد بكلمة «الكنود » ، وهو الجحود بنعم الله في السلوك العملي الجاحِد . وربما كان في ذلك نوعٌ من التعريض بهؤلاء القوم الكافرين الذين هاجمهم المسلمون في هذه الغزوة ، باعتبار كفرهم بنعمة الإسلام التي هي من أعظم النعم وأغلاها ، لأنها تؤدي بالإنسان إلى السعادة في الدنيا والآخرة ....