في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخۡرَىٰ فَإِذَا هُمۡ قِيَامٞ يَنظُرُونَ} (68)

62

ثم يأخذ في مشهد من مشاهد القيامة يبدأ بالنفخة الأولى ، وينتهي بانتهاء الموقف ، وسوق أهل النار إلى النار . وأهل الجنة إلى الجنة . وتفرد الله ذي الجلال . وتوجه الوجود لذاته بالتسبيح والتحميد .

وهو مشهد رائع حافل ، يبدأ متحركاً ، ثم يسير وئيداً ، حتى تهدأ كل حركة ، وتسكن كل نأمة ، ويخيم على ساحة العرض جلال الصمت ، ورهبة الخشوع ، بين يدي الله الواحد القهار !

ها هي ذي الصيحة الأولى تنبعث ، فيصعق من يكون باقياً على ظهر الأرض من الأحياء ، ومن في السماوات كذلك - إلا من شاء الله - ولا نعلم كم يمضي من الوقت حتى تنبعث الصيحة الثانية :

( ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله . ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ) . .

ولا تذكر الصيحة الثالثة هنا . صيحة الحشر والتجميع . ولا تصور ضجة الحشر وعجيج الزحام . لأن هذا المشهد يرسم هنا في هدوء ، ويتحرك في سكون .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخۡرَىٰ فَإِذَا هُمۡ قِيَامٞ يَنظُرُونَ} (68)

{ ونفخ في الصور } أي في القرن ، النفحة الأولى التي بها الموت . { فصعق من في السموات ومن في الأرض }

خر ميتا من كان حيا فيهما . { ثم نفخ فيه أخرى } نفخة البعث . { ينظرون } ينتظرون ماذا يفعل بهم .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخۡرَىٰ فَإِذَا هُمۡ قِيَامٞ يَنظُرُونَ} (68)

الصور : بوق ينفخ فيه .

صُعق : غشي عليه .

يَنظرون : ينتظرون ماذا يفعل بهم .

في هذه الآية والتي بعدها تصوير حيّ لمشهد يوم القيامة وما فيه من حساب وجزاءه ، وهو يبدأ بالنفخ في الصور ( وهو بوق لا ندري كيف شكله ) فيصعق جميع من في السموات والأرض إلا من أراد الله أن يؤخرهم إلى وقت آخر ، ثم ينفخ فيه مرة أخرى فإذا الجميع قائمون من قبورهم ينتظرون ما يُفعل بهم .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخۡرَىٰ فَإِذَا هُمۡ قِيَامٞ يَنظُرُونَ} (68)

شرح الكلمات :

{ ونفخ في الصور } : أي نفخ إسرافيل نفخة الصعق .

{ ثم نفخ فيه أخرى } : أي مرة أخرى وهي نفخة القيام لرب العالمين .

المعنى :

وقوله تعالى : ونفخ في الصور الآية هذا عرض لمظاهر القدرة التي يتنافى معها عقلاً وجود من يستحق العبادة معه سبحانه وتعالى ، والنافخ في الصور أي البوق إسرافيل قطعا إذْ هو الموكل بالنفخ في الصور فإذا نفخ هذه النفخة صعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ، فهذا استثناء دال على أن بعضا من المخلوقات لم يصعق في هذه النفخة ، { ثم نفخ فيه } أي في الصور نفخة { أخرى فإذا هم قيام ينظرون } هذه النفخة تسمى نفخة القيام لله رب العالمين لأجل الحساب .

الهداية :

من الهداية :

- تقرير البعث والجزاء بيان أحواله وما يجري .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخۡرَىٰ فَإِذَا هُمۡ قِيَامٞ يَنظُرُونَ} (68)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ونفخ في الصور} وهو القرن وذلك أن إسرافيل وهو واضع فاه على القرن يشبه البوق... يؤمر فينفخ في القرن، فإذا نفخ فيه: {فصعق} يعني فمات.

{من في السماوات ومن في الأرض} من شدة الصوت والفزع من فيها من الحيوان، ثم استثنى {إلا من شاء الله}...

{ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام} على أرجلهم.

{ينظرون} إلى البعث الذي كذبوا به، فذلك قوله تعالى: {يوم يقوم الناس لرب العالمين} [المطففين:6].

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ونفخ إسرافيل في القرن...

وقوله "فَصَعِقَ مَنْ فِي السّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ "يقول: مات، وذلك في النفخة الأولى... وقوله: "إلاّ مَنْ شَاءَ اللّهُ"؛ اختلف أهل التأويل في الذي عنى الله بالاستثناء في هذه الآية؛

فقال بعضهم عني به جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت... حدثني هارون بن إدريس الأصمّ، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، قال: حدثنا الفضل بن عيسى، عن عمه يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَنُفِخَ فِي الصّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السّمَوَاتِ وَمَنْ في الأرْضِ إلاّ مَنْ شَاءَ اللّهُ" فقيل: من هؤلاء الذين استثنى الله يا رسول الله؟ قال: «جبرائيل وميكائيلَ، ومَلكَ المَوْتِ، فإذَا قَبَضَ أرْوَاحَ الخَلائِقِ قالَ: يا مَلَكَ المَوْتِ مَنْ بَقِي؟ وَهُوَ أعْلَمُ قال: يَقُولُ: سُبْحانَكَ تَبَارَكْتَ رَبّي ذَا الجَلالِ والإكْرَامِ، بَقِيَ جِبْريلُ وميكائيلُ وَمَلَكُ المَوْتِ قالَ: يَقُولُ يا مَلَك المَوْتِ خُذْ نَفْسَ مِيكائِيلَ قالَ: فَيَقَعُ كالطّوْدِ العَظِيم، قالَ: ثُمّ يَقُولُ: يا مَلَكَ المَوْتِ مَنْ بَقِي؟ فَيَقُول: سُبْحانَكَ رَبّي يا ذَا الجَلالِ والإكْرَامِ، بَقِيَ جِبْريلُ وَمَلَكُ المَوْتِ، قال: فَيَقُولُ: يا مَلَكَ المَوْتِ مُتْ، قالَ: فَيَمُوتُ قالَ: ثُمّ يَقُولُ: يا جِبرِيلُ مَنْ بَقِيَ؟ قالَ: فَيَقُولُ جِبْرِيلُ: سُبْحانَكَ رَبّي يا ذَا الجَلال والإكْرامِ، بَقِي جِبْرِيلُ، وَهُوَ مِنَ اللّهِ بالمَكانِ الّذِي هُوَ بِهِ قال: فَيَقُولُ يا جِبْريلُ لا بُدّ مِنْ مَوْتَةٍ قالَ: فَيَقَعُ ساجِدا يَخْفِقُ بِجَناحَيْهِ يَقُولُ: سُبْحانَكَ رَبّي تَبَارَكْتَ وَتَعالَيْتَ يا ذَا الجَلالِ والإكْرامِ، أنْتَ الباقي وجِبْريلُ المَيّت الفاني: قال: ويأْخُذُ رُوحَهُ في الحلْقَةِ التي خُلِقَ مِنْها، قالَ: فَيَقَعُ على مِيكائِيلَ أنّ فَضْلَ خَلْقِهِ على خَلْقِ مِيكائِيلَ كَفَضْلِ الطّوْدِ العَظِيمِ عَلى الظّرْبِ مِنَ الظّرابِ».

وقال آخرون: عنى بذلك الشهداء...

وقال آخرون: عنى بالاستثناء في الفزع: الشهداء، وفي الصعق: جبريل، وملك الموت، وحملة العرش... حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا المحاربي عبد الرحمن بن محمد، عن إسماعيل بن رافع المدني، عن يزيد، عن رجل من الأنصار، عن محمد بن كعب القرظي، عن رجل من الأنصار، عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يُنْفَخُ في الصّور ثَلاث نَفَخاتٍ: الأُولى: نَفْخَة الفَزَعِ، والثّانِيَةُ: نَفْخَةُ الصّعْقِ، والثّالِثَةُ: نَفْخَةُ الْقِيامِ لِرَبّ العالَمِينَ تَبارَكَ وَتَعالى يأْمُرُ اللّهُ إسْرَافِيلَ بالنّفْخَةِ الأُولى، فَيَقُولُ: انْفُخْ نَفْخَةَ الفَزَعِ، فَتَفْزَعُ أهْلُ السّمَوَاتِ وأهْلُ الأرْضِ إلاّ مَنْ شَاءَ اللّهُ» قال أبو هريرة: يا رسولَ الله، فمن استثنىَ حين يقول: ففَزِعَ مَنْ فِي السّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إلاّ مَنْ شاءَ اللّهُ قال: «أُولَئِكَ الشّهَداءُ، وإنّما يَصلُ الفَزَعُ إلى الأحْياءِ، أُولَئِكَ أحْياءٌ عِنْدَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ، وَقاهُمُ اللّهُ فَزَعَ ذلكَ اليَوْمِ وأمّنَهُمُ، ثُمّ يَأْمُرُ اللّهُ إسْرافِيلَ بنَفْخَةِ الصّعْقِ، فَيَقُولُ: انْفُخْ نَفْخَةَ الصّعْقِ، فَيَصْعَقُ أهْلُ السّمَوَاتِ والأرْضِ إلاّ مَنْ شَاءَ اللّهُ فإذا هُمْ خامِدُونَ، ثُمّ يأتي مَلَكُ المَوْتِ إلى الجَبّارِ تَبارَكَ وَتَعالى فَيَقُولُ: يا رَبّ قَدْ ماتَ أهْلُ السّمَوَاتِ والأرْضِ إلاّ مَنْ شِئْتَ، فَيَقُولُ لَهُ وَهُوَ أعْلَمُ: فَمَنْ بَقِيَ؟ فَيَقُولُ: بَقِيتَ أنْتَ الحَيّ الّذِي لا يَمُوتُ، وَبَقِيَ حَمَلَةُ عَرْشِكَ، وَبَقِيَ جِبْرِيلَ وَمِيكائِيلُ فَيَقُولُ اللّهُ لَهُ: اسْكتْ إنّي كتَبْتُ المَوْتَ على مَنْ كانَ تَحْتَ عَرْشِي ثُمّ يأتي مَلَكُ المَوْتِ فَيَقُولُ: يا رَب قَدْ ماتَ جِبْرِيلُ وَمِيكائِيلُ فَيَقولُ اللّهُ وَهُوَ أعْلَمُ: فَمَنْ بَقِيَ؟ فَيَقولُ: بَقِيتَ أنتَ الحيّ الّذِي لا يَمُوتُ، وَبَقِيَ حَمَلَةُ عَرْشِكَ، وَبَقِيتُ أنا، فَيَقُولُ اللّهُ: فَلْيَمُتْ حَمَلَةُ العَرْشِ، فَيَمُوتُونَ وَيأْمُرُ اللّهُ تعالى العَرْشَ فَيَقْبِضُ الصّورَ. فَيَقُولُ: أيْ رَبّ قَدْ ماتَ حَمَلَةُ عَرْشِكَ فَيَقُولُ: مَنْ بَقِي؟ وَهُوَ أعْلَمُ، فَيَقُولُ: بَقِيت أنْتَ الحَيّ الّذِي لا يَمُوتُ وَبَقِيتُ أنا، قال: فَيَقُولُ اللّهُ: أنْتَ مِنْ خَلقِي خَلَقْتُكَ لِمَا رأيْتُ، فَمُتْ لا تَحْيَ، فَيَمُوتُ».

وهذا القول الذي رُوي في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بالصحة، لأن الصعقة في هذا الموضع: الموت. والشهداء وإن كانوا عند الله أحياء كما أخبر الله تعالى ذكره فإنهم قد ذاقوا الموت قبل ذلك.

وإنما عنى جلّ ثناؤه بالاستثناء في هذا الموضع، الاستثناء من الذين صعقوا عند نفخة الصعق، لا من الذين قد ماتوا قبل ذلك بزمان ودهر طويل وذلك أنه لو جاز أن يكون المراد بذلك من قد هلك، وذاق الموت قبل وقت نفخة الصعق، وجب أن يكون المراد بذلك من قد هلك، فذاق الموت من قبل ذلك، لأنه ممن لا يصعق في ذلك الوقت إذا كان الميت لا يجدّد له موت آخر في تلك الحال. وقال آخرون في ذلك ما: حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فَصَعِقَ مَنْ فِي السّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إلاّ مَنْ شاءَ اللّهُ قال الحسن: يستثني الله وما يدع أحدا من أهل السموات ولا أهل الأرض إلا أذاقه الموت؟ قال قتادة: قد استثنى الله، والله أعلم إلى ما صارت ثنيته. قال: ذُكر لنا أن نبيّ الله قال: «أتانِي مَلَكٌ فَقالَ: يا مُحَمّدُ اخْتَرْ نَبِيا مَلِكا، أوْ نَبيّا عَبْدا فأَوْمأَ إليّ أنْ تَوَاضَعْ، قال: نَبِيّا عَبْدا، قال: فأُعْطيتُ خَصْلَتَيْنِ: أنْ جُعِلْتُ أوّلَ مَنْ تَنْشَقّ عَنْهُ الأرْضَ، وأوّلَ شافِعٍ، فَأرْفَعُ رأسِي فأجِدُ مُوسَى آخِذا بالعَرْشِ، فاللّهُ أعْلَمُ أصَعِقَ بَعْدَ الصّعْقَةِ الأُولى أمْ لا؟»...

وقوله: "ثُمّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فإذَا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ" يقول تعالى ذكره: ثم نُفخ في الصور نفخة أخرى والهاء التي في «فيه» من ذكر الصور... عن السديّ "ثُمّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى" قال: في الصور، وهي نفخة البعث...

وقوله: "فإذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ" يقول: فإذا من صعق عند النفخة التي قبلها وغيرهم من جميع خلق الله الذين كانوا أمواتا قبل ذلك قيام من قبورهم وأماكنهم من الأرض أحياء كهيئتهم قبل مماتهم ينظرون أمر الله فيهم.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

في النفخة الأولى تموتون، ثم في النفخة الثانية تُحْشَرُون، والنفختان متجانستان ولكنه يخلق عند إحداهما إزهاق الأرواح؛ وفي الأخرى حياة النفوس، لِيُعْلَمَ أن النفخةَ لا تعمل شيئاً لعينها، وإنما الجبَّارُ بقدرته يخلق ما يشاء...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

اعلم أنه تعالى لما قدر كمال عظمته بما سبق ذكره، أردفه بذكر طريقة أخرى تدل أيضا على كمال قدرته وعظمته، وذلك شرح مقدمات يوم القيامة؛ لأن نفخ الصور يكون قبل ذلك اليوم.

{إلا من شاء الله} فيه وجوه:

...

القول الرابع: أنهم الحور العين وسكان العرش والكرسي.

{ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون} وفيه أبحاث:

الأول: لفظ القرآن دل على أن هذه النفخة متأخرة عن النفخة الأولى؛ لأن لفظ {ثم} يفيد التراخي، قال الحسن رحمه الله: القرآن دل على أن هذه النفخة الأولى.

الثاني: قوله {أخرى} تقدير الكلام: ونفخ في الصور نفخة واحدة ثم نفخ فيه نفخة أخرى، وإنما حسن الحذف لدلالة أخرى عليها ولكونها معلومة.

الثالث: قوله {فإذا هم قيام} يعني قيامهم من القبور يحصل عقيب هذه النفخة الأخيرة في الحال من غير تراخ؛ لأن الفاء في قوله {فإذا هم} تدل على التعقيب...

التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي 741 هـ :

{قيام ينظرون} قيل: إنه من النظر، وقيل: من الانتظار أي: ينتظرون ما يفعل بهم.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما دل على عظيم قدره بعض ما يكون يوم القيامة، أتبعه ما لا يحتمله القوي من أحوال ذلك اليوم دليلاً آخر، فقال دالاً على عظيم قدرته وعزه وعظمته بالبناء للمفعول: {ونفخ في الصور} أي القرن العاطف للأشياء المقبل بها نحو صوته المميل لها عن أحوالها، العالي عليها في ذلك اليوم بعد بعث الخلائق وهي النفخة الأولى بعد البعث، التي هي بعد نفختي الموت والبعث المذكورتين في سورة يس، والمراد بها -والله أعلم- إلقاء الرعب والمخافة والهول في القلوب إظهاراً للعظمة وتردياً بالكبرياء والعز في عزة يوم المحشر؛ ليكون أول ما يفجأهم يوم الدين ما لا يحتمله القوي، ولا تطيقه الأحلام والنهى، كما كان آخر ما فجأهم في يوم الدنيا وإن افترقا في التأثير، فإن تلك أثرت الموت، وهذه أثرت الغشي؛ لأنه لا موت بعد البعث، وهي الثالثة من النفخات.

{فصعق} أي مغشياً عليه {من في السماوات}.

ولما كان المقام التهويل، وكان التصريح أهول، أعاد الفاعل بلفظه فقال: {ومن في الأرض}.

ولما كان منهم من لا يصعق ليعرف دائماً أنه في كل فعل من أفعاله مختار قادر جبار استثناه فقال: {إلا من شاء الله} أي الذي له مجامع العظمة ومعاقد العز، فيجعل الشيء الواحد هلاكاً لقوم دون قوم، وصعقاً لقوم دون قوم.

{ثم نفخ فيه أخرى} أي نفخة ثانية من هذه، وهي رابعة من النفخة المميتة، ودل على سرعة تأثيرها بالفجاءة في قوله: {فإذا هم قيام} أي قائمون كلهم...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

انتقال من إجمال عظمة القدرة يوم القيامة إلى تفصيلها لما فيه من تهويل وتمثيل لمجموع الأحوال يومئذٍ مما ينذر الكافر ويبشر المؤمن ويذكر بإقامة العدل والحق، ثم تمثيل إزجاء المشركين إلى جهنم وسوق المؤمنين إلى الجنة، فالجملة من عطف القصة على القصة، ومناسبة العطف ظاهرة، وعبر بالماضي في قوله: {ونُفِخَ} وقوله: فَصَعِقَ مجازاً؛ لأنه محقق الوقوع مثل قوله: {أتى أمر اللَّه} [النحل: 1]، ويجوز أن تكون الواو للحال بتقدير (قد) أي والحال قد نفخ في الصور، فتكون صيغة الماضي في فعلي (نفخ وصَعق) مستعملة في حقيقتها.

وابتدئت الجملة بحديث النفخ في الصور إذ هو ميقات يوم القيامة وما يتقدمه من موت كل حي على وجه الأرض. وتكرر ذكره في القرآن والسنة...

والصور: بوق ينادى به البعيد المتفرق مثل الجيش، ومثل النداء للصلاة فقد كان اليهود ينادون به: للصلاة الجامعة، كما جاء في حديث بدء الأذان في الإسلام. والمراد به هنا نداء الخلق لحضور الحشر أحيائِهم وأَمواتِهم، وهو علامة لأمر التكوين، فالأحياء يصعقون فيموتون (كما يموت المفزوع) بالنفخة الأولى، والأموات يصعقون اضطراباً تدبّ بسببه فيهم الحياة، فيكونون مستعدين لقبول الحياة، فإذا نفخت النفخة الثانية حلّت الأرواح في الأجساد المخلوقة لهم على مثال ما بَلي من أجسادهم التي بليت، أو حلّتْ الأرواح في الأجساد التي لم تزل باقية غير بالية كأجساد الذين صعقوا عند النفخة الأولى، ويجوز أن يكون بين النفختين زمن تبلَى فيه جميع الأجساد...

{أُخْرى} صفة لمحذوف، وإنما ذكرت النفخة الثانية في هذه الآية ولم تذكر في قوله في سورة النمل (87) {ويوم ينفخ (1) في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء اللَّه وكل أتوه داخرين} لأن تلك في غرض الموعظة بفناء الدنيا وهذه الآية في غرض عظمة شأن الله في يوم القيامة، وكذلك وصف النفخة بالواحدة في سورة الحاقة (13، 15) {فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة} وذكرت هنا نفختان. وضمير {هُم} عائد على {من في السموات ومن في الأرض} فيما بقي من مفهومه بعد التخصيص ب {إلا مَن شاء الله} وهم الذين صعقوا صعق ممات وصَعْق اضطراب يهيأ لقبول الحياة عند النفخة...

وجملة {يَنظُرُونَ} حال. والنظرُ: الإِبصار، وفائدة هذه الحال الدلالة على أنهم حَيُوا حياة كاملة لا غشاوة معها على أبصارهم، أي لا دهش فيها كما في قوله تعالى {فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون} في سورة الصافات (19)، أو أريد أنهم ينظرون نظر المقلّب بصره الباحث.

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخۡرَىٰ فَإِذَا هُمۡ قِيَامٞ يَنظُرُونَ} (68)

{ ونفخ في الصور فصعق } أي مات { من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله } قيل هم الشهداء وهم أحياء عند ربهم وقيل جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت وحملة العرش عليهم السلام { ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون } ينتظرون أمر الله فيهم

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخۡرَىٰ فَإِذَا هُمۡ قِيَامٞ يَنظُرُونَ} (68)

ولما دل على عظيم قدره بعض ما يكون يوم القيامة ، أتبعه ما لا يحتمله القوي من أحوال ذلك اليوم دليلاً آخر ، فقال دالاً على عظيم قدرته وعزه وعظمته بالبناء للمفعول : { ونفخ في الصور } أي القرن العاطف للأشياء المقبل بها نحو صوته المميل لها عن أحوالها العالي عليها في ذلك اليوم بعد بعث الخلائق وهي النفخة الأولى بعد البعث التي هي بعد نفختي الموت والبعث المذكورتين في سورة يس ، والمراد بها - والله أعلم - إلقاء الرعب والمخافة والهول في القلوب إظهاراً للعظمة وتردياً بالكبرياء والعز في عزة يوم المحشر ليكون أول ما يفجأهم يوم الدين ما لا يحتمله القوي ، ولا تطيقه الأحلام والنهى ، كما كان آخر ما فجأهم في يوم الدنيا وإن افترقا في التأثير ، فإن تلك أثرت الموت ، وهذه أثرت الغشي لأنه لا موت بعد البعث ، وهي الثالثة من النفخات { فصعق } أي مغشياً عليه { من في السماوات } ولما كان المقام التهويل ، وكان التصريح أهول ، أعاد الفاعل بلفظه فقال : { ومن في الأرض } .

ولما كان منهم من لا يصعق ليعرف دائماً أنه في كل فعل من أفعاله مختار قادر جبار ، استثناه فقال : { إلا من شاء الله } أي الذي له مجامع العظمة ومعاقد العز ، فيجعل الشيء الواحد هلاكاً لقوم دون قوم ، وصعقاً لقوم دون قوم ، يجعل ذلك الذي كان به الهلاك به الحياة وذلك الذي كان به الغشي به الإفاقة وإن كان بالنسبة إليهم على حد سواء ، إعلاماً بأن الفاعل المؤثر الفعال لما يريد لا الأثر ، قيل : المستثنون الشهداء وقيل : غيرهم { ثم نفخ فيه أخرى } أي نفخة ثانية من هذه ، وهي رابعة من النفخة المميتة ، ودل على سرعة تأثيرها بالفجاءة في قوله : { فإذا هم قيام } أي قائمون كلهم { ينظرون * } أي يقلبون أبصارهم أو ينتظرون ما يأتي بعد ذلك من أمثاله من دلائل العظمة ، وهاتان النفختان هما المرادتان في حديث تخاصم اليهود مع المسلم الذي لطم وجهه ، وفي آخره : " يصعق الناس يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا موسى باطش بجانب العرش فلا أدري أفاق قبلي أو جوزي بصعقة الطور " - وقد رواه البخاري في الخصومات في موضعين ، وفي أحاديث الأنبياء في موضعين ، وفي الرقاق وفي التوحيد ومسلم في الفضائل ، وأبو داود في السنة ، والنسائي في التفسير والنعوت ، وبتفصيل رواياته وجمع ألفاظها يعلم أن ما ذكرته هو المراد ، روى البخاري ومسلم في أحاديث الأنبياء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " بينما يهودي يعرض سلعة له - وقال البخاري : سلعته - أعطى بها شيئاً كرهه أو لم يرضه ، قال : لا والذي اصطفى موسى على البشر ! فسمعه رجل من الأنصار فلطم - وقال البخاري : فقام فلطم وجهه ، قال : تقول : والذي اصطفى موسى على البشر ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ، فذهب اليهودي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا أبا القاسم إن لي ذمة وعهداً ، وقال : فلان لطم وجهي ، - وقال البخاري : فما بال فلان لطم وجهي ؟ - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لم لطمت وجهه ؟ قال : قال يا رسول الله " والذي اصطفى موسى على البشر " وأنت بين أظهرنا ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرف الغضب في وجهه ، ثم قال : لا تفضلوا بين أنبياء الله فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ، ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث "

- وفي رواية لمسلم : " أو في أول من بعث - فإذا موسى آخذ بالعرش فلا أدري أحوسب بصعقة يوم الطور أو بعث قبلي ولا أقول : إن أحداً أفضل من يونس بن متى ، " وفي رواية للبخاري في تفسير الزمر : " إني من أول من يرفع رأسه بعد النفخة الآخرة فإذا أنا بموسى متعلق بالعرش فلا أدري أكذلك كان أم بعد النفخة ، " وفي رواية للبخاري في الخصومات والرقاق وأحاديث الأنبياء وهي لمسلم أيضاً قالا : استب رجلان : رجل من المسلمين ورجل من اليهود - وفي رواية لمسلم : رجل من اليهود ورجل من المسلمين - فقال المسلم : والذي اصفطى محمداً صلى الله عليه وسلم على العالمين ، قال البخاري في كتاب التوحيد وأحاديث الأنبياء : في قسم يقسم به ، فقال اليهودي : والذي اصطفى موسى على العالمين ، قال البخاري : فغضب المسلم عند ذلك فلطم وجه اليهودي ، وقال مسلم وكذلك البخاري في التوحيد والخصومات وأحاديث الأنبياء : فرفع المسلم يده عند ذلك فلطم وجه اليهودي ، فذهب اليهودي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم ، قال البخاري في الخصومات : فدعا النبي صلى الله عليه وسلم المسلم فسأله عن ذلك فأخبره - ثم اتفقا : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تخيروني على موسى فإن الناس يصعقون " قال البخاري في الرقاق والخصومات وأحاديث الأنبياء ونسخة في التوحيد : " يوم القيامة فأكون في أول من يفيق " ، وفي رواية له في الخصومات ؛ " فأصعق معهم " ، وفي رواية له في الرقاق وفي رواية في التوحيد وهي رواية لمسلم وأبي داود : " فأكون أول من يفيق ، فإذا موسى باطش بجانب العرش " ، وقال أبو داود : " في جانب العرش ، فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله " ، وفي رواية : " فلا أدري أكان ممن صعق فأفاق قبلي أو اكتفى بصعقة الطور "

وفي رواية للبخاري في أحاديث الأنبياء : " فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق أو كان ممن استثنى الله " - ولم يذكر قبلي وروى الحديث الترمذي في تفسير سورة الزمر وابن ماجه في الزهد : قال : قال اليهودي ، وقال ابن ماجه : رجل من اليهود بسوق المدينة : والذي اصطفى وموسى على البشر فرفع رجل من الأنصار يداً فصك بها وجهه - وقال ابن ماجه : فلطمه - قال : تقول هذا وفينا نبي الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ونفخ في الصور " - وقال ابن ماجه : تقول هذا وفينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " قال الله تعالى : ونفخ في الصور - فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ، فأكون أول من رفع رأسه فإذا موسى آخذ " - وقال ابن ماجه : " فإذا أنا بموسى آخذ - بقائمة من قوائم العرش ، فلا أدري أرفع رأسه قبلي أم كان ممن استثنى الله ، ومن قال : أنا خير من يونس بن متى فقد كذب " ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . وفي رواية للبخاري في الرقاق : " يصعق الناس حين يصعقون ، فأكون أول من قام ، فإذا موسى آخذ بالعرش ، فما أدري أكان فيمن صعق " ، قال : ورواه أبو سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه ، وللبخاري في الخصومات عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس جاء يهودي فقال : يا أبا القاسم ! ضرب وجهي رجل من أصحابك ، قال : من ؟ قال : رجل من الأنصار ، قال : ادعوه ، قال : ضربته ؟ قال : سمعته بالسوق يحلف " والذي اصطفى موسى على البشر " قلت : أي خبيث على محمد ، فأخذتني غضبة ضربت وجهه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تخيروا بين الأنبياء ، فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من تنشق عنه الأرض " - وفي رواية في أحاديث الأنبياء : " فأكون أول من يفيق - فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش ، فلا أدري أكان فيمن صعق أم حوسب بصعقته الأولى " ، وفي رواية في أحاديث الأنبياء : " فلا أدري أفاق قبلي أو حوسب بصعقة الطور " والله أعلم - هذا ما رأيته من ألفاظ الحديث في الكتب الستة ، وأما معنى صعق فإنه صاح ومات فجأة أو غشي عليه ، قال في القاموس : الصاعقة الموت وكل عذاب مهلك وصيحة العذاب ، وصعق كسمع صعقاً ويحرك وصعقة وتصعاقاً : غشي عليه . والصعق محركة : شدة الصوت ، وككتف : الشديد الصوت ، وقال عبد الحق في الواعي : الأزهري : الصاعقة –صوت الرعد الشديد الذي يصعق منه الإنسان أي يغشى عليه يقال : صعقتهم الصاعقة _ يعني بالفتح - وأصعقتهم - إذا أصابتهم فصعقوا وصعقوا ، ومنه حديث الحسن : ينتظر بالمصعوق ثلاثاً ما لم يخافوا عليه نتناً - يعني الذي مات فجأة ، قال : والصاعقة مصدر جاء على فاعلة ، تقول : سمعت صاعقة الرعد وثاغية الشاء ، وقوله :وخر موسى صعقاً }[ الأعراف : 143 ] أي مغشياً عليه ، دل على ذلك قوله سبحانه { فلما أفاق } إنما يقال : أفاق من العلة والغشية وبعث من الموت ، قال : وجملة الصاعقة الصوت مع النار ، وقال أبو عبد الله يعني القزاز : الصعق هو أن يسمع الإنسان صوت الهدة الشديدة فيصعق لذلك عقله ، واشتقاق الصاعقة من هذا ، سميت صاعقة لشدة صوتها وتقول : إنه لصعق ، أي شديد الصوت ، وكذا هو صعاق - انتهى .

فتحرر من هذا أن الصعق يطلق على الموت فجأة ، وعلى الغشي كذلك ، وأن الإفاقة لا تكون إلا عن غشي لا عن موت ، فعلم أن الصعقة في هذه الآية إنما هي غشي لأن الثانية عنها إفاقة ، وأيضاً فمن الأمر المحقق أنه لا يموت أحد من أهل البرزخ فكيف بالأنبياء عليهم السلام ، فالصواب حمل الصعقة المذكورة في الحديث على الغشي أو ما يشبهه ، ويؤيده التجويز لأن تكون صعقة الطور جزاء عنها ، وعلى تقدير أن تكون غشياً إن قلنا إنه يكون بنفخة الإماتة يلزم عليه أن لا يكون للغشي ولا لعدمه مدخل في الشك في أن موسى عليه السلام أفاق قبل أو لم يحصل له غشي أصلاً ، لأن الذي يكون به بطشه بالعرش - وهو بروحه وجسده - إنما هو البعث من الموت لا الإفاقة من الغشي ولا عدم الغشي قبل البعث ، فالذي يوضح الأمر ولا يدع فيه لبساً أن يكون ذلك بعد البعث ، وتكون حينئذ النفخات أربعاً : الأولى لإماتة الأحياء ، الثانية لإحياء جميع الموتى ، وهاتان هما المذكورتان في سورة يس ، ولذلك لما ذكرهما صرح في أمرهما بما لا يحتمل غيره { ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون } الثالثة لابتدائهم بعد البعث بالهول الشديد ، والحال يقتضيه لأن ذلك اليوم يوم الأهوال والارعاب والارهاب ، وإظهار العظمة والجلال لتقطيع الأسباب ، والذي يدل عليه في هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم في كثير من رواياته : " فإن الناس يصعقون يوم القيامة " فإن يوم القيامة اسم للوقت الذي أوله البعث وآخره تكامل دخول كل فريق إلى داره ومحل استقراره ، وأما صعقة الموت فإنها في دار الدنيا وهي للإنامة لا للإقامة ، ويضعف حمله على ما قبل البعث الروايات الصحيحة الجازمة بأن النبي صلى الله عليه وسلم أول من تنشق عنه الأرض ، وما حكاه الكرماني من الإجماع على ذلك ولا فخر فيه إلا بحصول البعث لا بإظهار الجسد من غير بعث ، فهذا الجزم ينافي ذلك الشك ، فإذا كان المراد بما في الحديث الغشي كانت نفخة أخرى للإيقاظ منه ، وهاتان المرادتان بما في هذه السورة كما في رواية الترمذي وما في النمل ، ولذلك عبر عنها بالفزع ، ويؤيد ذلك التعبير في رواية البخاري في التفسير بالنفخة الآخرة ، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم ، واختصر له الكلام اختصاراً ، ولو أنهما نفختان فقط كان التعبير بالآخرة قاصراً عما تفيده الثانية مع المساواة في عدة الحروف ، وهو مما لا يظن ببليغ ، فكيف بأبلغ الخلق المؤيد بروح القدس صلى الله عليه وسلم فكان العدول عن الثانية إلى الآخرة مفيداً أنها أربع ، ولعل ذلك معنى أمتنا اثنتين وأحيينا اثنتين }[ غافر : 11 ] وسميت إماتة لشدة الغشي بها لعظم أمرها ومعنى زلزلة الساعة التي تسكر ، ويؤيده التعبير عن القيام منها بالإفاقة لا بالبعث ، ولا يعكر على هذا شيء إلا رواية البخاري في الخصومات : " فأكون أول من تنشق عنه الأرض فإذا أنا بموسى " - إلى آخره ، فالظاهر أن راويها وهم ، أو روي بالمعنى فما وفى بالغرض ، والراجح روايات من قالوا : " فأكون أول من يفيق " - بالكثرة وبزوال الإشكال ، هذا ما كان ظهر لي في النظر في المعنى وتطبيق الآيات والأحاديث عليه ، ثم رأيت شيخنا حافظ عصره أحمد بن علي بن حجر الكناني العسقلاني المصري رحمه الله نقل ما جمعت به بين الروايات في كتاب الأنبياء من شرحه للبخاري عن القاضي عياض فقال : وقال عياض : يحتمل أن يكون المراد صعقة فزع بعد البعث حين تنشق السماء والأرض . وأقره على ذلك ثم نقل عن ابن حزم عين ما قلته في النفخات فقال ما نصه : تكميل : زعم ابن حزم أن النفخات يوم القيامة أربع : الأولى نفخة إماتة يموت فيها من بقي في الأرض ، حياً ، ثانيها نفخة إحياء فيقوم كل ميت ، والثالثة نفخة فزع وصعق يفيقون منها كالمغشي عليهم ، لا يموت منها أحد ، والرابعة إفاقة من ذلك الغشي ، ثم رده شيخنا بأن الصعقات أربع ، ولا يستلزم كون النفخات أكثر من اثنتين ، وذلك أنه ينفخ في الصور النفخة الأولى فيموت من كان حياً ويغشى على من كان ميتاً ، فهاتان صعقتان في النفخة الأولى ، وينفخ النفخة الثانية فيفيق من كان مغشياً عليه ويحيى من كان ميتاً ، فهاتان اثنتان في النفخة الثانية ، وهذا الرد مردود لمن حقق ما قلته بأدنى تأمل ، ويلزم عليه أن يكون أصفياء الله أشد حالاً وفزعاً ممن تقوم عليهم الساعة وهم شر عباد الله ، والعجب أن الذي رده على ابن حزم سلّمه لعياض - والله الموفق .