السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخۡرَىٰ فَإِذَا هُمۡ قِيَامٞ يَنظُرُونَ} (68)

ولما ذكر تعالى كمال قدرته وعظمته بما سبق ذكره أردفه بذكر طريق آخر يدل أيضاً على كمال العظمة وهو شرح مقدمات يوم القيامة فقال : { ونفخ في الصور } أي : القرن النفخة الأولى لأن نفخ الصور يكون قبل ذلك اليوم { فصعق } أي : مات { من في السماوات ومن في الأرض } واختلف فيمن استثنى الله تعالى بقوله سبحانه : { إلا من شاء الله } فقال الحسن : هو الله وحده وقال ابن عباس : جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت عليهم السلام ، ثم يميت الله تعالى ميكائيل وإسرافيل وجبريل وملك الموت ، وقيل : حملة العرش ، وقيل : الحور والولدان ، وقيل : الشهداء لقوله تعالى : { بل أحياء عند ربهم يرزقون } ( آل عمران : 169 ) وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «هم الشهداء متقلدون أسيافهم حول العرش » . وقال جابر : هو موسى عليه السلام لأنه صعق فلا يصعق ثانياً وقال قتادة : الله أعلم بهم وليس في القرآن والأخبار ما يدل على أنهم من هم وهذا أسلم ، { ثم نفخ فيه } أي : في الصور نفخة { أخرى } أي : نفخة ثانية { فإذا هم } أي : جميع الخلائق الموتى { قيام } أي : قائمون { ينظرون } أي : يقلبون أبصارهم في الجهات نظر المبهوت إذا فاجأه خطب جسيم ، وقيل : ينتظرون أمر الله تعالى فيهم وهذا يدل على أن هذه النفخة متأخرة عن النفخة الأولى لأن لفظة ثم للتراخي ، وروى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «ما بين النفختين أربعون قالوا : أربعون يوماً ، قال أبو هريرة : أبيت ، قالوا : أربعون شهراً ، قال : أبيت ، قالوا : أربعون سنة ، قال : أبيت ، قال : ثم ينزل الله تعالى من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظم واحد وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة » وقوله تعالى : { فإذا هم } يدل على أن قيامهم يحصل عقب هذه النفخة الأخيرة في الحال من غير تراخ لأن الفاء تدل على التعقيب .