قوله تعالى ذكره : { ونفخ في الصور فصعق } – إلى قوله – { وهو أعلم بما يفعلون }[ 65-67 ] أي : ونفخ إسرافيل{[59237]} في القرن فمات من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله . وهذه هي النفخة الثانية .
وقيل : الصور جمع صورة{[59238]} .
فالمعنى : ونفخ إٍسرافيل في صورة{[59239]} بني آدم فماتوا . والأول أكثر .
وقوله : { إلا من شاء الله } قال السدي وغيره : هو جبريل وميكائيل وملك الموت{[59240]} .
وكذلك روى أنس{[59241]} عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يموتون في هذه النفخة ( صلوات الله عليهم ){[59242]} ثم يموتون بعد ذلك ، فلا يبقى إلا الله{[59243]} الحي القيوم ، ثم يحيى الله تعالى إسرافيل عليه السلام ويأمره أن ينفخ في القرن لإحياء الخلق بإذن الله عز وجل . والله المميت للخلق بالنفخة التي هي نفخة الصعق وهو المحيي{[59244]} للخلق بالنفخة التي هي نفخة الأحياء " {[59245]} .
قال ابن جبير : عنى{[59246]} بذلك ( شهداءهم ){[59247]} حول العرش ( متقلدو السيوف ){[59248]} .
وقيل : استثناء الشهداء ، إنما هو في [ نفخة الفزع . وهي الأولى{[59249]} .
وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ينفخ في الصور ثلاث نفخات{[59250]} ] : النفخة{[59251]} الأولى ، نفخة الفزع ، والثانية : نفخة الصعق ، والثالثة : نفخة القيام لرب العالمين ، يأمر الله جل ذكره إٍسرافيل{[59252]} بالنفخة الأولى فيقول : انفخ نفخة الفزع ، فيفزع أهل السموات وأهل الأرض إلا من شاء الله " ، فقال أبو هريرة : يا رسول الله{[59253]} ، فمن استثنى حين يقول{[59254]} : { ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله } ؟
قال : " أولئك الشهداء . ( وإن ما يصير ){[59255]} الفزع إلى الأحياء . أولئك أحياء عند ربهم يرزقون ( ووقاهم الله ){[59256]} فزع ذلك اليوم وأمنهم .
ثم يأمر الله عز وجل إسرافيل بنفخة الصعق فيقول : نفخة الصعق ، فيصعق أهل السماوات وأهل الأرض إلا من شاء الله فإذا هم خامدون .
ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار فيقول : يا رب ، قد مات أهل السماوات وأهل الأرض إلا من شئت ، فيقول له وهو أعلم : من بقي ؟ فيقول بقيت أنت الحي الذي لا تموت ، وبقي حملة عرشك ، وبقي جبريل وميكائيل وإسرافيل .
( وينظر الله العرش ، فيقول : يا رب ، تميت جبريل وميكائيل وإسرافيل ! ){[59257]} .
فيقول له جل وعز : اسكت ، إني كتبت الموت على من كان تحت عرشي{[59258]} .
ثم يأتي ملك الموت فيقول : يا رب{[59259]} ، مات جبريل وميكائيل فيقول الله عز وجل وهو أعلم : فمن بقي ؟ فيقول : بقيت أنت الحي الذي ( لا تموت وبقي ){[59260]} حملة عرشك وبقيت أنا ، فيقول له : فليمت حملة عرشي ، فيموتون ، ويأمر الله عز وجل العرش فيقبض الصور .
ثم يأتي ملك الموت ، فيقول : يا رب ، قد مات حملة عرشك ، فيقول : ومن بقي ؟ - وهو أعلم – فيقول{[59261]} : بقيت أنت الحي الذي لا يموت وبقيت أنا ، فيقول{[59262]} : أنت خلق من خلقي خُلِقْتَ{[59263]} لما رأيت فَمتْ ، فيموت " {[59264]} .
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أتاني ملك الموت فقال : يا محمد ، اختر : نبيا ملكا ، أو نبيا عبدا . فأومأ إلي جبريل أن تواضع .
قال : فقلت : نبيا عبدا . فأومأ إلي جبريل أن تواضع .
قال : فقلت : نبيا عبدا . فأعطيت خصلتين : جعلت أول من تنشق عنه الأرض ، وأول شافع ، فأرفع رأسي فأجد ( موسى آخذا ){[59265]} بالعرش فالله أعلم ، بعد الصعقة الأولى أم لا " {[59266]} .
وفي حديث آخر : " ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ، فأكون أول من يرفع رأسه . فإذا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أرفع / رأسه قبلي أو كان ممن استثنى الله عز وجل " {[59267]} .
وفي حديث آخر : " فلا أرى أحدا إلا موسى متعلقا بالعرش ، فلا [ أدري ، أممن استثنى ]{[59268]} الله جل ثناؤه ألا تصيبه النفخة أو بعث قبلي " {[59269]} .
وقوله : { ثم نفخ فيه أخرى } ، يعني : نفخة البعث .
{ فإذا هم قيام ينظرون } روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أنا أول من يرفع رأسه بعد النفخة الأخيرة فإذا أنا بموسى متعلق بالعرش ، فلا أدري أكذلك كان أم بعد النفخة " {[59270]} .
عن أبي هريرة أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما بين النفختين [ أربعون ]{[59271]} ، ثم ينزل الله جل ذكره من السماء ماء فينبتون كما يَنْبُتُ البقل . قال : وليس من الإنسان شيء إلا يبلى ، إلا عَظم واحد وهو عَجْبُ الذّّنَب ومنه يُرَكَّبُ الخلق يوم القيامة " {[59272]} .
وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتأولون الأربعين أربعين سنة{[59273]} .
وقال الحسن : لا أدري ، أهي أربعون سنة ، أم أربعون شهرا ، أم أربعون ليلة ، أم أربعون ساعة{[59274]} .
قال قتادة : ذكر لنا أنه يبعث في تلك الأربعين{[59275]} مَطَر يُقَالُ له مطر الحياة ، حتى تطيب الأرض وتهتز وتنبت أجساد الناس نبات البقل ، ثم ينفخ فيه الثالثة{[59276]} فإذا هم قيام ينظرون{[59277]} .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : " يبعث الله المؤمنين يوم القيامة جُرْداً مُرْداً بنو ثلاثين سنة " {[59278]} .
وقال أبو الزعراء{[59279]} عن عبد الله أنه قال : يقوم ملك بالصور بين السماء والأرض فينفخ فيه ، فلا يبقى خلق الله بين السماوات والأرض – إلا من شاء الله – إلا مات . ثم يرسل الله من تحت العرش مَنَيَّا كمني الرجال فتنبت جسمانهم ولحمانهم من ذلك كما تنبت الأرض ، ثم قرأ عبد الله { والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا } – إلى قوله – { كذلك النشور }{[59280]} قال : ويكون بين النفختين ما شاء الله ثم يقوم ملك فينفخ فيه فتنطلق كل نفس إلى جسدها .