الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخۡرَىٰ فَإِذَا هُمۡ قِيَامٞ يَنظُرُونَ} (68)

قوله : { فِي الصُّورِ } : العامَّةُ على سكونِ الواوِ ، وزيد بن علي وقتادة بفتحها جمعَ " صُوْرة " . وهذه تَرُدُّ/ قولَ ابنِ عطية أنَّ الصُّوْرَ هنا يتعيَّنُ أَنْ يكونَ القَرْنَ . ولا يجوزُ أَنْ يكونَ جمعَ صُورَة . وقرِئَ " فَصُعِقَ " مبنياً للمفعولِ ، وهو مأخوذٌ مِنْ قولهم : صَعَقَتْهم الصاعقةُ . يُقال : صَعَقَه اللَّهُ فصَعِقَ .

{ إِلاَّ مَن شَآءَ اللَّهُ } متصلٌ والمستثنى : إمَّا جبريلُ وميكائيل وإسْرافيلُ ، وإمَّا رِضوانُ والحُوْرُ والزَّبانية ، وإمَّا الباري تعالى قاله الحسن . وفيه نظرٌ من حيث قولُه : { مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ } فإنه تعالى لا يَتَحَيَّزُ . فعلى هذا يتعيَّنُ أَنْ يكونَ منقطعاً .

قوله : { ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى } يجوزُ أَنْ تكونَ " أخْرى " هي القائمةَ مقامَ الفاعلِ ، وهي في الأصلِ صفةٌ لمصدرٍ محذوفٍ أي : نُفِخَ فيه نَفْخَةٌ أخرى ، ويؤيِّدُه التصريحُ بذلك في قولِه { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ } [ الحاقة : 13 ] فصرَّحَ بإقامة المصدرِ . ويجوزُ أَنْ يكونَ القائمُ مقامَه الجارَّ ، و " أخرى " منصوبةٌ على ما تقدَّم .

قوله : { فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ } العامَّة على رفع " قيام " خبراً . وزيد بن علي نصبَه حالاً وفيه حينئذٍ أوجهٌ ، أحدهما : أنَّ الخبرَ " يَنْظرون " وهو العاملُ في هذه الحالِ أي : فإذا هم يَنْظُرون قياماً . والثاني : أنَّ العاملَ في الحالِ ما عَمِلَ في " إذا " الفجائيةِ إذا كانت ظرفاً . فإن كانت مكانيةً - كما قال سيبويه - فالتقدير : فبالحَضْرة هم قياماً . وإنْ كانت زمانيةً كقول الرُّمَّانيِّ ففي ذلك الزمانِ هم قياماً ، أي : وجودهم . وإنما احتيج إلى تقديرِ مضافٍ في هذا الوجهِ لأنَّه لا يُخْبَرُ بالزمانِ عن الجُثَثِ . الثالث : أن الخبرَ محذوفٌ هو العاملُ في الحال أي : فإذا هم مبعوثون ، أو مجموعون قياماً . وإذا جَعَلْنا الفجائيةَ حَرْفاً - كقولِ بعضِهم - فالعاملُ في الحالِ : إمَّا " يَنْظُرون " ، وإمَّا الخبرُ المقدرُ كما تقدَّم تحقيقُهما .