في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ أَضَلَّ أَعۡمَٰلَهُمۡ} (1)

مقدمة السورة:

سورة محمد مدنية وآياتها ثمان وثلاثون

هذه السورة مدنية ، ولها اسم آخر . اسمها سورة القتال . وهو اسم حقيقي لها . فالقتال هو موضوعها . والقتال هو العنصر البارز فيها . والقتال في صورها وظلالها . والقتال في جرسها وإيقاعها .

القتال موضوعها . فهي تبدأ ببيان حقيقة الذين كفروا وحقيقة الذين آمنوا في صيغة هجوم أدبي على الذين كفروا ، وتمجيد كذلك للذين آمنوا ، مع إيحاء بأن الله عدو للأولين ولي للآخرين ، وأن هذه حقيقة ثابتة في تقدير الله سبحانه . فهو إذن إعلان حرب منه تعالى على أعدائه وأعداء دينه منذ اللفظ الأول في السورة : ( الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم ، والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد - وهو الحق من ربهم - كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم . ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم . كذلك يضرب الله للناس أمثالهم ) .

وعقب إعلان هذه الحرب من الله على الذين كفروا ، أمر صريح للذين آمنوا بخوض الحرب ضدهم . في صيغة رنانة قوية ، مع بيان لحكم الأسرى بعد الإثخان في المعركة والتقتيل العنيف : ( فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب ، حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق ، فإما منا بعد وإما فداء ، حتى تضع الحرب أوزارها ) . .

ومع هذا الأمر بيان لحكمة القتال ، وتشجيع عليه ، وتكريم للإستشهاد فيه ، ووعد من الله بإكرام الشهداء ، وبالنصر لمن يخوض المعركة انتصارا لله ، وبهلاك الكافرين وإحباط أعمالهم : ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ، ولكن ليبلو بعضكم ببعض ، والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم . سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم . يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم . والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم . ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم . .

ومعه كذلك تهديد عنيف للكافرين ، وإعلان لولاية الله ونصرته للمؤمنين ، وضياع الكافرين وخذلانهم وضعفهم وتركهم بلا ناصر ولا معين : فلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ? دمر الله عليهم ، وللكافرين أمثالها . ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم . . كذلك تهديد آخر للقرية التي أخرجت الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] : ( وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم ) . .

ثم تمضي السورة بعد هذا الهجوم العنيف السافر في ألوان من الحديث حول الكفر والإيمان ، وحال المؤمنين وحال الكافرين في الدنيا والآخرة . فتفرق بين متاع المؤمن بالطيبات ؛ وتمتع الكافرين بلذائذ الأرض كالحيوان : إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار . والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم . . كما تصف متاع المؤمنين في الجنة بشتى الأشربة الشهية من ماء غير آسن ، ولبن لم يتغير طعمه ، وخمر لذة للشاربين ، وعسل مصفى ، في وفر وفيض . . في صورة أنهار جارية . . ذلك مع شتى الثمرات ، ومع المغفرة والرضوان . ثم سؤال : أهؤلاء ( كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم ? ) . .

فإذا انقضت هذه الجولة الأولى في المعركة السافرة المباشرة بين المؤمنين والكافرين . أعقبها في السورة جولة مع المنافقين ، الذين كانوا هم واليهود بالمدينة يؤلفون خطرا على الجماعة الإسلامية الناشئة لا يقل عن خطر المشركين الذين يحاربونها من مكة وما حولها من القبائل في تلك الفترة ، التي يبدو من الوقائع التي تشير إليها السورة أنها كانت بعد غزوة بدر ، وقبل غزوة الأحزاب وما تلاها من خضد شوكة اليهود ، وضعف مركز المنافقين " كما ذكرنا في تفسير سورة الأحزاب " .

والحديث عن المنافقين في هذه السورة يحمل ظلالها . ظلال الهجوم والقتال ، منذ أول إشارة . فهو يصور تلهيهم عن حديث رسول الله ، وغيبة وعيهم واهتمامهم في مجلسه ؛ ويعقب عليه بما يدمغهم بالضلال والهوى : ( ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم : ماذا قال آنفا ? أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم ) . .

ويهددهم بالساعة يوم لا يستطيعون الصحو ولا يملكون التذكر : ( فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة ? فقد جاء أشراطها . فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم ? ) . .

ثم يصور هلعهم وجبنهم وتهافتهم إذا ووجهوا بالقرآن يكلفهم القتال - وهم يتظاهرون بالإيمان - والفارق بينهم يومئذ وبين المؤمنين الصادقين : ( ويقول الذين آمنوا : لولا نزلت سورة ! فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت ! ) .

ويحثهم على الطاعة والصدق والثبات . ويرذل اتجاهاتهم ، ويعلن عليهم الحرب والطرد واللعن : ( فأولى لهم طاعة وقول معروف . فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم . فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ? أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ) . .

ويفضحهم في توليهم للشيطان ، وفي تآمرهم مع اليهود ، ويهددهم بالعذاب عند الموت بالفضيحة التي تكشف أشخاصهم فردا فردا في المجتمع الإسلامي ، الذي يدمجون أنفسهم فيه ، وهم ليسوا منه ، وهم يكيدون له : ( إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى ، الشيطان سول لهم وأملى لهم . ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله : سنطيعكم في بعض الأمر . والله يعلم إسرارهم . فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ? ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم . أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم . ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ، ولتعرفنهم في لحن القول . والله يعلم أعمالكم ، ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم ) . .

وفي الجولة الثالثة والأخيرة في السورة عودة إلى الذين كفروا من قريش ومن اليهود وهجوم عليهم : ( إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول - من بعد ما تبين لهم الهدى - لن يضروا الله شيئا وسيحبط أعمالهم ) . .

وتحذير للذين آمنوا أن يصيبهم مثل ما أصاب أعدائهم : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ، ولا تبطلوا أعمالكم . إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار ، فلن يغفر الله لهم . .

وتحضيض لهم على الثبات عند القتال : ( فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم ) . .

وتهوين من شأن الحياة الدنيا وأعراضها . وحض على البذل الذي يسره الله ، ولم يجعله استئصالا للمال كله ، رأفة بهم ، وهو يعرف شح نفوسهم البشرية ، وتبرمها وضيقها لو أحفاهم في السؤال :

( إنما الحياة الدنيا لعب ولهو ، وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم . إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم ) . .

وتختم السورة بما يشبه التهديد للمسلمين إن هم بخلوا بإنفاق المال ، وبالبذل في القتال : ( ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله ، فمنكم من يبخل ، ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه ، والله الغني وأنتم الفقراء ، وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ، ثم لا يكونوا أمثالكم ) . .

إنها معركة مستمرة من بدء السورة إلى ختامها ؛ يظللها جو القتال ، وتتسم بطابعه في كل فقراتها .

وجرس الفاصلة وإيقاعها منذ البدء كأنه القذائف الثقيلة : [ أعمالهم . بالهم . أمثالهم . أهواءهم . أمعائهم . . ] وحتى حين تخف فإنها تشبه تلويح السيوف في الهواء : [ أوزارها . أمثالها . أقفالها . . . ] .

وهناك شدة في الصور كالشدة في جرس الألفاظ المعبرة عنها . . فالقتال أو القتل يقول عنه : ( فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب ) . . والتقتيل والأسر يصوره بشدة : ( حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق ) . . والدعاء على الكافرين يجيء في لفظ قاس : ( فتعسا لهم وأضل أعمالهم ) . . وهلاك الغابرين يرسم في صورة مدوية ظلا ولفظا : ( دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها ) . . وصورة العذاب في النار تجيء في هذا المشهد : ( وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم ) . . وحالة الجبن والفزع عند المنافقين تجيء في مشهد كذلك عنيف : ( ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت ! ) . . حتى تحذير المؤمنين من التولي يجيء في تهديد نهائي حاسم : ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) . .

وهكذا يتناسق الموضوع والصور والظلال والإيقاع في سورة القتال . .

( الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم . والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد - وهو الحق من ربهم - كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم . ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل ؛ وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم . كذلك يضرب الله للناس أمثالهم ) . .

افتتاح يمثل الهجوم بلا مقدمة ولا تمهيد ! وإضلال الأعمال الذي يواجه به الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله . سواء صدوا هم أم صدوا وصدوا غيرهم - يفيد ضياع هذه الأعمال وبطلانها . ولكن هذا المعنى يتمثل في حركة . فإذا بنا نرى هذه الأعمال شاردة ضالة ، ونلمح عاقبة هذا الشرود والضلال ، فإذا هي الهلاك والضياع . وهي حركة تخلع ظل الحياة على الأعمال ، فكأنما هي شخوص حية أضلت وأهلكت . وتعمق المعنى وتلقي ظلاله . ظلال معركة تشرد فيها الأعمال عن القوم ، والقوم عن الأعمال . حتى تنتهي إلى الضلال والهلاك !

وهذه الأعمال التي أضلت ربما كان المقصود منها بصفة خاصة الأعمال التي يأملون من ورائها الخير . والتي يبدو على ظاهرها الصلاح . فلا قيمة لعمل صالح من غير إيمان . فهذا الصلاح شكلي لا يعبر عن حقيقة وراءه . والعبرة بالباعث الذي يصدر عنه العمل لا بشكل العمل . وقد يكون الباعث طيبا . ولكنه حين لا يقوم على الإيمان يكون فلتة عارضة أو نزوة طارئة . لا يتصل بمنهج ثابت واضح في الضمير ، متصل بخط سير الحياة العريض ، ولا بناموس الوجود الأصيل . فلا بد من الإيمان ليشد النفس إلى أصل تصدر عنه في كل اتجاهاتها ، وتتأثر به في كل انفعالاتها . وحينئذ يكون للعمل الصالح معناه . ويكون له هدفه ويكون له أطراده وتكون له آثاره وفق المنهج الإلهي الذي يربط أجزاء هذا الكون كله في الناموس ؛ ويجعل لكل عمل ولكل حركة وظيفة وأثرا في كيان هذا الوجود ، وفي قيامه بدوره ، وانتهائه إلى غايته .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ أَضَلَّ أَعۡمَٰلَهُمۡ} (1)

مقدمة السورة:

مدنية ، وآياتها ثمان وثلاثون

بسم الله الرحمان الرحيم

وتسمى سورة القتال

{ الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله } أي منعوا غيرهم عن الإسلام . ويدخل فيهم المطمعون يوم بدر دخولا أوليا ؛ من الصد . يقال : صده عن الأمر صدا ، منعه وصرفه عنه ؛ كأصد . أو أعرضوا عن الإسلام ؛ من الصدود . يقال : صد عنه صدودا ، أعرض . { أضل أعمالهم } أبطل ما عملوه من الكيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ كالإنفاق الذي فعلوه في تلك الغزوة لمحاربته – بنصرته لرسوله الله صلى الله عليه وسلم ، وإظهار دينه على الدين كله . أو جعل ما كانوا يعملونه من أعمال البر والمكارم ضلالا ، أي غير هدى وغير رشاد ؛ لأنهم عملوه على غير استقامة . من الضلال ، وأصله العدول عن الطريق المستقيم ، وضده الهداية .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ أَضَلَّ أَعۡمَٰلَهُمۡ} (1)

مقدمة السورة:

سورة محمد مدنية وآياتها ثمان وثلاثون ، نزلت بعد سورة الحديد . وهي مرتبطة بآخر السورة السابقة ، حتى لو أسقطت البسملة من بينهما لكان الكلام متصلا بسابقه لا تنافر فيه . ولها اسم آخر وهو : { سورة القتال } وهو اسم حقيقي لها ، لأن موضوعها القتال . وهو العنصر الأساسي فيها ، والمحور الذي تدور عليه السورة الكريمة .

تبدأ السورة ببيان حقيقة الذين كفروا ، وحقيقة الذين آمنوا ، وأن الله تعالى أبطل أعمال الذين كفروا لأنهم اتبعوا الباطل ، وكفّر عن المؤمنين لأنهم اتبعوا الحق . ثم بينت السورة بإسهاب وجوب الدفاع عن الحق ، وأن جزاء ذلك في الآخرة دخول الجنة ، وحرّضت المؤمنين على نصر دين الله والقتال في سبيله .

وفيها إعلان الحرب من الله تعالى على الذين كفروا ، وقتلهم وأسرهم ، وعلى المؤمنين أن يحاربوهم : { فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب . . الآية } .

ومع هذا الأمر يبين الله حكمة القتال ويشجع عليه ، وتكريم الاستشهاد في سبيل الله ، وإكرام الشهداء ، والنصر لمن يخوض المعركة انتصارا لله ، وإهلاك الكافرين وإحباط أعمالهم .

ثم بعد ذلك يأتي الحديث عن المنافقين الذين كانوا يؤلفون مع اليهود خطرا كبيرا على المسلمين في المدينة أول الأمر . وتبين السورة هلعهم وجُبنهم وتهافتهم إذا ووجهوا بالقرآن يكلفهم القتال ، وهم يتظاهرون بالإيمان . تفضحهم السورة في تولّيهم للشيطان وتآمرهم مع اليهود ، ويهددهم الله بالعذاب عند الموت ، ومن ثم يحذّر المؤمنين أن يصيبهم مثل ما أصاب أعداءهم { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ، ولا تُبطلوا أعمالكم } . وتُختم السورة بما يشبه التهديد للمسلمين إذا بخلوا بإنفاق المال ، والبذل في القتال ، فالله غير عاجز عن أن يُذهبهم ويأتي بخير منهم : { ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه ، والله الغني وأنتم الفقراء ، وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ، ثم لا يكونوا أمثالكم } .

صدوا عن سبيل الله : صرفوا الناس عن الإسلام .

أضلّ أعمالهم : أبطلها .

قسم الله الناس فريقين : أهلَ الكفر الذين صدّوا الناسَ عن دين الله ، وبيّن أن هؤلاء قد أبطلَ أعمالهم .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ أَضَلَّ أَعۡمَٰلَهُمۡ} (1)

مقدمة السورة:

سورة القتال ، وهي سورة محمد صلى الله عليه وسلم ، مدنية في قول ابن عباس ، ذكره النحاس . وقال الماوردي : في قول الجميع إلا ابن عباس وقتادة فإنهما قالا : إلا آية منها نزلت عليه بعد حجة الوداع حين خرج من مكة ، وجعل ينظر إلى البيت وهو يبكي حزنا عليه ، فنزل عليه " وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك " {[1]} [ محمد : 13 ] . وقال الثعلبي : إنها مكية ، وحكاه ابن هبة الله عن الضحاك وسعيد بن جبير . وهي تسع وثلاثون آية . وقيل ثمان .

قال ابن عباس ومجاهد : هم أهل مكة كفروا بتوحيد الله ، وصدوا أنفسهم والمؤمنين عن دين الله وهو الإسلام بنهيهم عن الدخول فيه ، وقاله السدي . وقال الضحاك : " عن سبيل الله " عن بيت الله بمنع قاصديه . ومعنى " أضل أعمالهم " : أبطل كيدهم ومكرهم بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وجعل الدائرة عليهم ، قال الضحاك . وقيل : أبطل ما عملوه في كفرهم بما كانوا يسمونه مكارم ، من صلة الأرحام وفك الأسارى وقرى الأضياف وحفظ الجوار . وقال ابن عباس : نزلت في المطعمين ببدر ، وهم اثنا عشر رجلا : أبو جهل ، والحارث بن هشام ، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وأبي وأمية ابنا خلف ، ومنبه ونبيه ابنا الحجاج ، وأبو البختري بن هشام ، وزمعة بن الأسود ، وحكيم بن حزام ، والحارث بن عامر بن نوفل .


[1]:لعله عمرو بن مرة المذكور في سند الحديث (انظر ابن ماجه ج 1 ص 139 وسنن أبي داود ج 1 ص 77 طبع مصر).
 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ أَضَلَّ أَعۡمَٰلَهُمۡ} (1)

{ الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم }

{ الذين كفروا } من أهل مكة { وصدُّوا } غيرهم { عن سبيل الله } أي الإيمان { أضل } أحبط { أعمالهم } كإطعام الطعام وصلة الأرحام ، فلا يرون لها في الآخرة ثوابا ويجزون بها في الدنيا من فضله تعالى .