في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لِرَبِّهِۦ لَكَنُودٞ} (6)

( إن الإنسان لربه لكنود . وإنه على ذلك لشهيد . وإنه لحب الخير لشديد ) . .

إن الإنسان ليجحد نعمة ربه ، وينكر جزيل فضله . ويتمثل كنوده وجحوده في مظاهر شتى تبدو منه أفعالا وأقوالا ،

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لِرَبِّهِۦ لَكَنُودٞ} (6)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

{ إنّ الإنْسانَ لِرَبّهِ لَكَنُودٌ } يقول : إن الإنسان لكفور لنِعم ربه . والأرض الكنود : التي لا تُنبت شيئا ... عن أبي أمامة أنه كان يقول : الكَنُود : الذي ينزل وحده ، ويضرب عبده ، ويمنع رفده .

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

ثم الذي وقع به القسم قوله تعالى : { إن الإنسان لربه لكنود } أي الإنسان لنعم ربه لكفور ، لا يشكرها ، وهو أن الإنسان يذكر مصائبه وما يصيبه من الشدة في عمره أبدا ، وينسى جميعا ما أنعم عليه ، ولا يفارقه طرفة عين ....وقيل : الكنود القتور البخيل الشحيح في الإنفاق ، ويجب أن يكون وصف كل إنسان ما ذكر . لكن المؤمن يتكلف شكر نعم الله تعالى ، ويجتهد في ذلك ، ويصبر على المصائب ...

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والربيع : لكفور جحود لنِعم اللّه تعالى . قال الكلبي : هو بلسان كندة وحضرموت ، وبلسان معد كلهم : العاصي ، وبلسان مضر وربيعة وقضاعة : الكفور ، وبلسان بني مالك : البخيل .

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

واعلم أن معنى الكنود لا يخرج عن أن يكون كفرا أو فسقا ، وكيفما كان فلا يمكن حمله على كل الناس ، فلابد من صرفه إلى كافر معين ، أو إن حملناه على الكل كان المعنى أن طبع الإنسان يحمله على ذلك إلا إذا عصمه الله بلطفه وتوفيقيه من ذلك ...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ إن الإنسان } أي هذا النوع بما له من الأنس بنفسه ، والنسيان لما ينفعه ، { لربه } أي المحسن إليه بإبداعه ، ثم إبقائه وتدبيره وتربيته { لكنود } أي كفور نكد لسوء المعاملة ، حيث يقدم بما أحسن به الله إليه من الصافنات الجياد ، وبما آتاه من قوة الجنان والأركان على ما نهاه عنه ، ومصدره الكنود بالضم وهو كفران النعمة ، فالمراد هنا - بالتعبير عنه بهذه الصيغة التي هي للمبالغة - من يزدري القليل ولا يشكر الكثير ، وينسى كثير النعمة بقليل المحنة ، ويلوم ربه في أيسر نقمة ...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وجملة : { إن الإنسان لربه لكنود } جواب القسم .

والكَنود : وصف من أمثلة المبالغة من كَند ولغات العرب مختلفة في معناه فهو في لغة مضر وربيعةَ : الكفور بالنعمة ، وبلغة كنانة : البخيل ، وفي لغة كِندة وحضرموت : العاصي . والمعنى : لشديد الكفران لله .

والتعريف في { الإنسان } تعريف الجنس وهو يفيد الاستغراق غالباً ، أي أن في طبع الإنسان الكُنود لربه ، أي كفرانَ نعمته ، وهذا عارض يعرض لكل إنسان على تفاوتٍ فيه ولا يسلم منه إلا الأنبياء وكُمَّل أهل الصلاح لأنه عارض ينشأ عن إيثار المرء نفسه وهو أمر في الجبلة لا تدفعه إلا المراقبة النفسية وتذكّرُ حق غيره .

وبذلك قد يذهل أو ينسَى حق الله ، والإِنسان يحس بذلك من نفسه في خطراته ، ويتوانى أو يغفل عن مقاومته لأنه يشتغل بإرضاء داعية نفسه والأنفس متفاوتة في تمكن هذا الخُلق منها ، والعزائم متفاوتة في استطاعة مغالبته .

وهذا ما أشار إليه قوله تعالى : { وإنه على ذلك لشهيد وإنه لحب الخير لشديد } فلذلك كان الاستغراق عرفياً أو عامّاً مخصوصاً ، فالإِنسان لا يخلو من أحوال مآلها إلى كفران النعمة ، بالقول والقصد ، أو بالفعل والغفلة ، فالإِشراك كنود ، والعِصيان كنود ، وقِلة ملاحظة صَرف النعمة فيما أعطيت لأجله كنود ، وهو متفاوت ، فهذا خلق متأصل في الإِنسان فلذلك أيقظ الله له الناس ليَريضوا أنفسهم على أمانة هذا الخلق من نفوسهم كما في قوله تعالى : { إن الإنسان خلق هلوعاً } [ المعارج : 19 ] وقوله : { خلق الإنسان من عجل } [ الأنبياء : 37 ] وقوله : { إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى } [ العلق : 6 ، 7 ] وقد تقدمت قريباً .

وعن ابن عباس : تخصيص الإنسان هنا بالكافر فهو من العموم العرفي .

وروي عن أبي أمامة الباهلي بسند ضعيف قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « الكنود هو الذي يأكل وحْدَه ويمنع رفده ويضْرب عبده » وهو تفسير لأدنى معاني الكنود فإن أكله وحده ، أي عدم إطعامه أحداً معه ، أو عدم إطعامه المحاويج إغضاء عن بعض مراتب شكر النعمة ، وكذلك منعه الرفد ، ومثله : ضربه عبده فإن فيه نسياناً لشكر الله الذي جعل العبد ملكاً له ولم يجعله ملكاً للعبد فيدل على أن ما هو أشد من ذلك أولى بوصف الكَنود .

وقيل التعريف في { الإنسان } للعهد ، وأن المراد به الوليد بن المغيرة ، وقيل : قرطة بن عبد عمرِو بن نوفل القرشي .

واللام في { لربه } لام التقوية لأن ( كَنود ) وصف ليس أصيلاً في العمل ، وإنما يتعلق بالمعمولات لمشابهته الفعل في الاشتقاق فيكثر أن يقترن مفعوله بلام التقوية ، ومع تأخيره عن معموله .

وتقديم { لربه } لإِفادة الاهتمام بمتعلق هذا الكنود لتشنيع هذا الكنود بأنه كنود للرب الذي هو أحق الموجودات بالشكر وأعظم ذلك شرك المشركين ، ولذلك أكد الكلام بلام الابتداء الداخلة على خبر ( إنَّ ) للتعجيب من هذا الخبر .

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

وكأن كتاب الله يريد أن يقول : إن نعم الله على الإنسان لا يحصيها عد ، وفي مقدمتها تمكينه من وسائل القوة والظفر ، وتسخير الحق سبحانه وتعالى له طاقات الحيوان والبشر ، وبالرغم من ذلك فإن الإنسان يتنكر لنعم الله ، ويصرفها في غير محلها ...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{ إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ } هذا هو جواب القسم الذي أرادت السورة أن تؤكده لتشير إلى الإنسان في حركته السلبية في موقفه من ربه عندما يبتعد عن وعي مقامه الربوبيّ الذي خلقه ، وأفاض عليه الكثير من نعمه .....المراد بكلمة «الكنود » ، وهو الجحود بنعم الله في السلوك العملي الجاحِد . وربما كان في ذلك نوعٌ من التعريض بهؤلاء القوم الكافرين الذين هاجمهم المسلمون في هذه الغزوة ، باعتبار كفرهم بنعمة الإسلام التي هي من أعظم النعم وأغلاها ، لأنها تؤدي بالإنسان إلى السعادة في الدنيا والآخرة ....

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لِرَبِّهِۦ لَكَنُودٞ} (6)

قوله تعالى : { إن الإنسان لربه لكنود }

هذا جواب لنعم القسم ، أي طبع الإنسان على كفران النعمة . قال ابن عباس : " لكنود " لكفور جحود لنعم الله . وكذلك قال الحسن . وقال : يذكر المصائب ، وينسى النعم . أخذه الشاعر فنظمه :

يا أيُّهَا الظالمُ في فعله *** والظُّلْمُ مردود على من ظلم

إلى متى أنت وحَتَّى مَتَى *** تشكو المصيباتِ وتنسى النعم

وروى أبو أمامة الباهلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الكنود ، هو الذي يأكل وحده ، ويمنع رفده{[16303]} ، ويضرب عبده ) . وروى ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ألا أنبئكم بشراركم ) ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : ( من نزل وحده ، ومنع رفده ، وجلد عبده ) . خرجهما الترمذي الحكيم في نوادر الأصول . وقد روي عن عباس أيضا أنه قال : الكنود بلسان كندة وحضر موت : العاصي ، وبلسان ربيعة ومضر : الكفور . وبلسان كنانة : البخيل السيء الملكة ، وقاله مقاتل ، وقال الشاعر :

كنودٌ لنعماءِ الرجال ومن يكن *** كَنُودًا لنعماءِ الرجال يُبَعَّدِ

أي كفور . ثم قيل : هو الذي يكفر باليسير ، ولا يشكر الكثير . وقيل : الجاحد للحق . وقيل : إنما سميت كندة كندة ؛ لأنها جحدت أباها . وقال إبراهيم بن هرمة الشاعر :

دعِ البُخَلاَءَ إن شمخُوا وصَدُّوا*** وذكرَى بُخْلٍ غانيةٍ كَنودِ

وقيل : الكنود من كند إذا قطع ، كأنه يقطع ما ينبغي أن يواصله من الشكر . ويقال : كند الحبل : إذا قطعه . قال الأعشى :

أمِيطِي{[16304]} تُمِيطِي بصُلْبِ الفؤاد *** وَصُولِ حبالٍ وكَنَّادَهَا

فهذا يدل على القطع . ويقال : كند يكند كنودا : أي كفر النعمة وجحدها ، فهو كنود . وامرأة كنود أيضا ، وكند مثله . قال الأعشى :

أَحْدِثْ لها تُحْدِثْ لوصلكَ إنَّهَا *** كُنُدٌ لوصل الزائر المعتاد{[16305]}

أي كفور للمواصلة . وقال ابن عباس : الإنسان هنا الكافر ، يقول : إنه لكفور ، ومنه الأرض الكنود التي لا تنبت شيئا . وقال الضحاك : نزلت في الوليد بن المغيرة . قال المبرد : الكنود : المانع لما عليه . وأنشد لكثير{[16306]} :

أَحْدِثْ لها تُحْدِثْ لوصلكَ إنَّهَا *** كُنُدٌ لوصل الزائر المعتاد

وقال أبو بكر الواسطي : الكنود : الذي ينفق نعم الله في معاصي الله . وقال أبو بكر الوراق : الكنود : الذي يرى النعمة من نفسه وأعوانه . وقال الترمذي : الذي يرى النعمة ، ولا يرى المنعم . وقال ذو النون المصري : الهلوع والكنود : هو الذي يرى النعمة ، ولا يرى المنعم . وقيل : هو الحقود الحسود . وقيل : هو الجهول لقدره . وفي الحكمة : من جهل قدره هتك ستره .

قلت : هذه الأقوال كلها ترجع إلى معنى الكفران والجحود . وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم معنى الكنود بخصال مذمومة ، وأحوال غير محمودة ، فإن صح فهو أعلى ما يقال ، ولا يبقى لأحد معه مقال .


[16303]:الرفد (بكسر الراء) : العطاء والصلة.
[16304]:ماط الأذى ميطا وأماطه: نحاه ودفنه. يقول إن تنحيت عني، بأني صلب الفؤاد، وصول لمن وصل، كفور لمن كفر. ورواية صدر البيت في اللسان. فميطى أي تنحى واذهبي.
[16305]:المعتاد: الذي يعود مرة بعد أخرى.
[16306]:تقدم أن هذا البيت للأعشى، وهو في ديوان، ولم نجده في ديوان كثير الذي بين أيدينا.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لِرَبِّهِۦ لَكَنُودٞ} (6)

قوله : { إن الإنسان لربه لكنود } وهذا هو المقسم عليه ، أو هو جواب القسم . والكنود ، معناه الكفور . فلان كند النعمة أي كفرها . وأصل الكنود ، منع الحق والخير . والأرض الكنود التي لا تنبت شيئا{[4852]} . والمعنى : إن الإنسان لنعمة ربه لشديد الكفران .


[4852]:مختار الصحاح 579.