في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَلَا تَهِنُواْ وَتَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱلسَّلۡمِ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمۡ وَلَن يَتِرَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ} (35)

32

ندرك هذا من ترتيب النهي عن الوهن والدعوة إلى السلم في الآية التالية على ما ورد في الآية السابقة من بيان لمصير الكافرين المشاقين : ( فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم ، وأنتم الأعلون والله معكم ، ولن يتركم أعمالكم ) . .

فهذا هو الذي يحذر المؤمنين إياه ، ويضع أمامهم مصير الكفار المشاقين للرسول ، ليحذروا شبحه من بعيد !

وهذا التحذير يشي بوجود أفراد من المسلمين كانوا يستثقلون تكاليف الجهاد الطويل ومشقته الدائمة ؛ وتهن عزائمهم دونه ؛ ويرغبون في السلم والمهادنة ليستريحوا من مشقة الحروب . وربما كان بعضهم ذوي قرابة في المشركين ورحم ، أو ذوي مصالح وأموال ؛ وكان هذا يجنح بهم إلى السلم والمهادنة . فالنفس البشرية هي هي ؛ والتربية الإسلامية تعالج هذا الوهن وهذه الخواطر الفطرية بوسائلها . وقد نجحت نجاحا خارقا . ولكن هذا لا ينفي أن تكون هناك رواسب في بعض النفوس ، وبخاصة في ذلك الوقت المبكر من العهد المدني . وهذه الآية بعض العلاج لهذه الرواسب . فلننظر كيف كان القرآن يأخذ النفوس . فنحن في حاجة إلى تحري خطوات القرآن في التربية . والنفوس هي النفوس :

( فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم . وأنتم الأعلون . والله معكم . ولن يتركم أعمالكم ) . .

أنتم الأعلون . فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم . أنتم الأعلون اعتقادا وتصورا للحياة . وأنتم الأعلون ارتباطا وصلة بالعلي الأعلى . وأنتم الأعلون منهجا وهدفا وغاية . وأنتم الأعلون شعورا وخلقا وسلوكا . . ثم . . أنتم الأعلون قوة ومكانا ونصرة . فمعكم القوة الكبرى : ( والله معكم ) . . فلستم وحدكم . إنكم في صحبة العلي الجبار القادر القهار . وهو لكم نصير حاضر معكم . يدافع عنكم . فما يكون أعداؤكم هؤلاء والله معكم ? وكل ما تبذلون ، وكل ما تفعلون ، وكل ما يصيبكم من تضحيات محسوب لكم ، لا يضيع منه شيء عليكم : ( ولن يتركم أعمالكم ) . . ولن يقطع منها شيئا لا يصل إليكم أثره ونتيجته وجزاؤه .

فعلام يهن ويضعف ويدعو إلى السلم ، من يقرر الله - سبحانه - له أنه الأعلى . وأنه معه . وأنه لن يفقد شيئا من عمله . فهو مكرم منصور مأجور ?

هذه هي اللمسة الأولى . واللمسة الثانية تهوين من شأن هذه الحياة الدنيا ، التي قد يصيبهم بعض التضحيات فيها . وتوفية كاملة في الآخرة للأجور مع عدم إبهاظهم ببذل المال مقابل هذه الأجور !

 
التفسير الميسر لمجموعة من العلماء - التفسير الميسر [إخفاء]  
{فَلَا تَهِنُواْ وَتَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱلسَّلۡمِ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمۡ وَلَن يَتِرَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ} (35)

{ فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ( 35 ) }

فلا تضعفوا -أيها المؤمنون بالله ورسوله- عن جهاد المشركين ، وتجْبُنوا عن قتالهم ، وتدعوهم إلى الصلح والمسالمة ، وأنتم القاهرون لهم والعالون عليهم ، والله تعالى معكم بنصره وتأييده . وفي ذلك بشارة عظيمة بالنصر والظَّفَر على الأعداء . ولن يُنْقصكم الله ثواب أعمالكم .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{فَلَا تَهِنُواْ وَتَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱلسَّلۡمِ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمۡ وَلَن يَتِرَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ} (35)

قوله : { فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم } { تهنوا } من الوهن ، ومعناه الضعف{[4247]} أي لا تضعفوا وتلينوا وتدعوا أعداءكم إلى الصلح والموادعة { وأنتم الأعلون } أي العالون عليهم ، الغالبون بالكثرة والحجة واليقين . فما بال المسلمين ، وهم الأكثرون والأعلون بقوة عقيدتهم وكمال دينهم ، الإسلام ، وعظيم كتابهم ، القرآن ، يضعفون ويلينون ويسالمون الأعداء الكافرين على اختلاف مذاهبهم ومللهم . وما ينبغي للمسلمين البتة- وهم الأكثرون والأصدقون والأعظمون خيرا ونفعا للبشرية ورحمة بها أن يواعدوا الأعداء المجرمين ويسالموهم . بل عليهم أن يستعدوا للقائهم من أجل قهرهم وإضعاف شوكتهم وإذهاب شرهم وفسادهم ، ما داموا لا ينثنون ولا يرتدعون عن عدوانهم وباطلهم وتخريبهم وعبثهم إلا بالحزم والقوة .

قوله : { والله معكم } الله مع عباده المؤمنين المجاهدين الصابرين ، فهو ناصرهم مؤيدهم وخاذل أعدائهم .

قوله : { ولن يتركم أعمالكم } { يتركم } ينقصكم . يقال : وتره حقه يتره وترا بكسر التاء ، أي نقصه{[4248]} والمعنى : لن ينقصكم الله أجور أعمالكم{[4249]} .


[4247]:القاموس المحيط جـ 4 ص 278.
[4248]:مختار الصحاح ص 707.
[4249]:تفسير ابن كثير جـ 4 ص 181 وتفسير الطبري جـ 26 ص 40 وتفسير الرازي جـ 28 ص 73.