في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ لَهُۥ عَلَيۡهِم مِّن سُلۡطَٰنٍ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن يُؤۡمِنُ بِٱلۡأٓخِرَةِ مِمَّنۡ هُوَ مِنۡهَا فِي شَكّٖۗ وَرَبُّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَفِيظٞ} (21)

10

وما كان لإبليس من سلطان قاهر عليهم لا يملكون رفعه . فليس هنالك قهر لهم منه ولا سيطرة عليهم له . إنما هو تسليطه عليهم ليثبت على الحق من يثبت ، وليزيغ منهم من لا يبتغي الحق ويتحراه . وليظهر في عالم الواقع ( من يؤمن بالآخرة )فيعصمه إيمانه من الانحراف ، ( ممن هو منها في شك ) . . فهو يتأرجح أو يستجيب للغواية . بلا عاصم من رقابة لله ولا تطلع لليوم الآخر .

والله يعلم ما يقع قبل ظهوره للناس . ولكنه سبحانه يرتب الجزاء على ظهوره ووقوعه فعلاً في دنيا الناس .

وفي هذا المجال الواسع المفتوح . مجال تقدير الله وتدبيره للأمور والأحداث . ومجال غواية إبليس للناس ، بلا سلطان قاهر عليهم ، إلا تسليطه ليظهر المكنون في علم الله من المصائر والنتائج . . في هذا المجال الواسع تتصل قصة سبأ بقصة كل قوم ، في كل مكان وفي كل زمان . ويتسع مجال النص القرآني ومجال هذا التعقيب ، فلا يعود قاصراً على قصة سبأ ، إنما يصلح تقريراً لحال البشر أجمعين . فهي قصة الغواية والهداية وملابساتهما وأسبابهما وغاياتهما ونتائجهما في كل حال .

( وربك على كل شيء حفيظ ) . .

فلا يند شيء ولا يغيب ، ولا يهمل شيء ولا يضيع . .

وهكذا تنتهي الجولة الثانية في السورة بالحديث عن الآخرة كما انتهت الجولة الأولى . وبالتركيز على علم الله وحفظه . وهما الموضوعان اللذان يشتد عليهما التركيز في السورة والتوكيد .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ لَهُۥ عَلَيۡهِم مِّن سُلۡطَٰنٍ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن يُؤۡمِنُ بِٱلۡأٓخِرَةِ مِمَّنۡ هُوَ مِنۡهَا فِي شَكّٖۗ وَرَبُّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَفِيظٞ} (21)

قوله تعالى : " وما كان له عليهم من سلطان " أي لم يقهرهم إبليس على الكفر ، وإنما كان منه الدعاء والتزيين . والسلطان : القوة . وقيل الحجة ، أي لم تكن له حجة يستتبعهم بها ، وإنما اتبعوه بشهوة وتقليد وهوى نفس ؛ لا عن حجة ودليل . " إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك " يريد علم الشهادة الذي يقع به الثواب والعقاب ، فأما الغيب فقد علمه تبارك وتعالى . ومذهب الفراء أن يكون المعنى : إلا لنعلم ذلك عندكم ، كما قال : " أين شركائي " {[13037]} [ النحل : 27 ] ، على قولكم وعندكم ، وليس قوله : " إلا لنعلم " جواب " وما كان له عليهم من سلطان " في ظاهره إنما هو محمول على المعنى ، أي وما جعلنا له سلطانا إلا لنعلم ، فالاستثناء منقطع ، أي لا سلطان له عليهم ولكنا ابتليناهم بوسوسته لنعلم ، ف " إلا " بمعنى لكن . وقيل هو متصل ، أي ما كان له عليهم من سلطان ، غير أنا سلطناه عليهم ليتم الابتلاء . وقيل : " كان " زائدة ، أي وماله عليهم من سلطان ، كقوله : " كنتم خير أمة " {[13038]} [ آل عمران : 110 ] أي أنتم خير أمة . وقيل : لما اتصل طرف منه بقصة سبأ قال : وما كان لإبليس على أولئك الكفار من سلطان . وقيل : وما كان له في قضائنا السابق سلطان عليهم . وقيل : " إلا لنعلم " إلا لنظهر ، وهو كما تقول : النار تحرق الحطب ، فيقول آخر لا بل الحطب يحرق النار ، فيقول الأول تعال حتى نجرب النار والحطب لنعلم أيهما يحرق صاحبه ، أي لنظهر ذلك وإن كان معلوما لهم ذلك . وقيل : إلا لتعلموا أنتم . وقيل : أي ليعلم أولياؤنا والملائكة ، كقوله : " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسول " {[13039]} [ المائدة : 33 ] أي يحاربون أولياء الله ورسوله . وقيل : أي ليميز ، كقوله : " ليميز الله الخبيث من الطيب " [ الأنفال : 37 ] وقد مضى هذا المعنى في " البقرة " {[13040]} وغيرها . وقرأ الزهري " إلا ليعلم " على ما لم يسم فاعله . " وربك على كل شيء حفيظ " أي أنه عالم بكل شيء . وقيل : يحفظ كل شيء على العبد حتى يجازيه عليه .


[13037]:راجع ج 10 ص 98.
[13038]:راجع ج 4 ص 170.
[13039]:راجع ج 6 ص 147 فما بعد.
[13040]:راجع ج 2 ص 156 فما بعد.