في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَن كَانَ يُرِيدُ حَرۡثَ ٱلۡأٓخِرَةِ نَزِدۡ لَهُۥ فِي حَرۡثِهِۦۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرۡثَ ٱلدُّنۡيَا نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَا وَمَا لَهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} (20)

من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ، ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب . .

فالله لطيف بعباده يرزق من يشاء . يرزق الصالح والطالح ، والمؤمن والكافر . فهؤلاء البشر أعجز من أن يرزقوا أنفسهم شيئاً ؛ وقد وهبهم الله الحياة ، وكفل لهم أسبابها الأولية ؛ ولو منع رزقه عن الكافر والفاسق والطالح ما استطاعوا أن يرزقوا أنفسهم ولماتوا جوعاً وعرياً وعطشاً ، وعجزاً عن أسباب الحياة الأولى ، ولما تحققت حكمة الله من إحيائهم وإعطائهم الفرصة ليعملوا في الحياة الدنيا ما يحسب لهم في الآخرة أو عليهم . ومن ثم أخرج الرزق من دائرة الصلاح والطلاح ، والإيمان والكفر ، وعلقه بأسبابه الموصولة بأوضاع الحياة العامة واستعدادات الأفراد الخاصة . وجعله فتنة وابتلاء . يجزي عليهما الناس يوم الجزاء .

ثم جعل الآخرة حرثا والدنيا حرثا يختار المرء منهما ما يشاء . فمن كان يريد حرث الآخرة عمل فيه ، وزاد له الله في حرثه ، وأعانه عليه بنيته ، وبارك له فيه بعمله . وكان له مع حرث الآخرة رزقه المكتوب له في هذه الأرض لا يحرم منه شيئاً . بل إن هذا الرزق الذي يعطاه في الأرض قد يكون هو بذاته حرث الآخرة بالقياس إليه ، حين يرجو وجه الله في تثميره وتصريفه والاستمتاع به والإنفاق منه . . ومن كان يريد حرث الدنيا أعطاه الله من عرض الدنيا رزقه المكتوب له لا يحرم منه شيئاً . ولكن لم يكن له في الآخرة نصيب . فهو لم يعمل في حرث الآخرة شيئاً ينتظر عليه ذلك النصيب !

ونظرة إلى طلاب حرث الدنيا وطلاب حرث الآخرة ، تكشف عن الحماقة في إرادة حرث الدنيا ! فرزق الدنيا يتلطف الله فيمنحه هؤلاء وهؤلاء . فلكل منهما نصيبه من حرث الدنيا وفق المقدور له في علم الله . ثم يبقى حرث الآخرة خالصا لمن أراده وعمل فيه .

ومن طلاب حرث الدنيا نجد الأغنياء والفقراء ؛ بحسب أسباب الرزق المتعلقة بالأوضاع العامة والاستعدادات الخاصة . وكذلك نجد الحال عند طلاب حرث الآخرة سواء بسواء . ففي هذه الأرض لا اختلاف بين الفريقين في قضية الرزق . إنما يظهر الاختلاف والامتياز هناك ! فمن هو الأحمق الذي يترك حرث الآخرة . وتركه لا يغير من أمره شيئاً في هذه الحياة ? !

والأمر في النهاية مرتبط بالحق والميزان الذي نزل به الكتاب من عند الله . فالحق والعدل ظاهران في تقدير الرزق لجميع الأحياء . وفي زيادة حرث الآخرة لمن يشاء . وفي حرمان الذين يريدون حرث الدنيا من حرث الآخرة يوم الجزاء . . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{مَن كَانَ يُرِيدُ حَرۡثَ ٱلۡأٓخِرَةِ نَزِدۡ لَهُۥ فِي حَرۡثِهِۦۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرۡثَ ٱلدُّنۡيَا نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَا وَمَا لَهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} (20)

المفردات :

حرث : الحرث : كسب المال ، والحرث : البذر يوضع في الأرض لينبت ، ويطلق على الزرع الحاصل منه ، وعلى ثمرة الأعمال .

التفسير :

20- { من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب } .

الهدف متعدد في أعمال البشر ، فمنهم من يريد بعمله وجه الله ورجاء الثواب في الدار الآخرة ، وهذا يضاعف الله له ثواب عمله ويكثر نماءه ، ويجزيه بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما يشاء الله .

وفي هذا المعنى يقول البني صلى الله عليه وسلم : ( إن الصدقة توضع في يد الله تعالى قبل أن توضع في يد السائل ، فينميها كما ينمي أحدكم فصيله )7 .

أي : إن الله يبارك في ثواب الصدقة ويزيد ثوابها وهذا أشبه بمستثمر يستثمر ماله في رعاية الغنم والبقر والإبل ، وحين يفطم الرضيع يسمى فصيلا لأنه فصل عن أمه ، وصار معتمدا على رعاية صاحب المال .

فالله يبارك في ثواب الصدقة ويزيدها أضعافا مضاعفة ، كما يزيد ابن الماشية الذي يطعمه صاحب المال ويسقيه ، فيتحول في المستقبل من فصيل صغير إلى حيوان قوي مكتمل القوة يسر الناظرين .

{ ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب } .

ومن كان يعمل للدنيا وحدها وليس له هم في الآخرة : أعطاه الله من الدنيا الرزق الذي كتبه له في الأجل ، وليس له حظ من ثواب الآخرة ، ولك أن تتصور فضل الله ولطفه في عطائه ورزقه ، فالهمة العليا تكون في طلب ثواب الآخرة وجزائها الدائم الموصول ، أما الدنيا فعرض حائل يأكل منها البار والفاجر ولا يصل إلى صاحبها إلا ما قدر له .

قال تعالى : { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا ( 18 ) وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ( 19 ) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ( 20 ) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ( 21 ) } . ( الإسراء : 18-21 ) .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{مَن كَانَ يُرِيدُ حَرۡثَ ٱلۡأٓخِرَةِ نَزِدۡ لَهُۥ فِي حَرۡثِهِۦۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرۡثَ ٱلدُّنۡيَا نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَا وَمَا لَهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} (20)

{ حرث الآخرة } عبارة عن العمل لها وكذلك حرث الدنيا وهو مستعار من حرث الأرض لأن الحراث يعمل وينتظر المنفعة بما عمل .

{ نزد له في حرثه } عبارة عن تضعيف الثواب .

{ نؤته منها } أي : نؤته منها ما قدر له لأن كل أحد لا بد أن يصل إلى ما قسم له .

{ وما له في الآخرة من نصيب } هذا للكفار ، أو لمن كان يريد الدنيا خاصة ، ولا رغبة له في الآخرة .