في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجۡوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنۡهُ وَيَتَنَٰجَوۡنَ بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَمَعۡصِيَتِ ٱلرَّسُولِۖ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوۡكَ بِمَا لَمۡ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ وَيَقُولُونَ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ لَوۡلَا يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُۚ حَسۡبُهُمۡ جَهَنَّمُ يَصۡلَوۡنَهَاۖ فَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (8)

ذلك التقرير العميق لحقيقة حضور الله وشهوده في تلك الصورة المؤثرة المرهوبة تمهد لتهديد المنافقين ، الذين كانوا يتناجون فيما بينهم بالمؤامرات ضد الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] وضد الجماعة المسلمة بالمدينة . مع التعجيب من موقفهم المريب :

ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ، ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ، وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ، ويقولون في أنفسهم : لولا يعذبنا الله بما نقول ! حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير .

والآية توحي بأن خطة رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] مع المنافقين في أول الأمر كانت هي النصح لهم بالاستقامة والإخلاص ، ونهيهم عن الدسائس والمؤامرات التي يدبرونها بالاتفاق مع اليهود في المدنية وبوحيهم . وأنهم بعد هذا كانوا يلجون في خطتهم اللئيمة ، وفي دسائسهم الخفية ، وفي التدبير السيء للجماعة المسلمة ، وفي اختيار الطرق والوسائل التي يعصون بها أوامر الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] ويفسدون عليه أمره وأمر المسلمين المخلصين .

كما أنها توحي بأن بعضهم كان يلتوي في صيغة التحية فيحورها إلى معنى سيء خفي : وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله . كأن يقولوا - كما كان اليهود يقولون - السام عليكم . وهم يوهمون أنهم يقولون : السلام عليكم . بمعنى الموت لكم أو بمعنى تسامون في دينكم ! أو أية صيغة أخرى ظاهرها بريء وباطنها لئيم ! وهم يقولون في أنفسهم : لو كان نبيا حقا لعاقبنا الله على قولنا هذا . أي في تحيتهم ، أو في مجالسهم التي يتناجون فيها ويدبرون الدسائس والمؤامرات .

وظاهر من سياق السورة من مطلعها أن الله قد أخبر الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] بما كانوا يقولونه في أنفسهم ، وبمجالسهم ومؤامراتهم . فقد سبق في السورة إعلان أن الله قد سمع للمرأة المجادلة ؛ وأنه ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم . . الخ . مما يوحي بأنه أطلع رسوله على مؤامرات أولئك المنافقين وهو حاضر مجالسهم ! وبما يقولونه كذلك في أنفسهم .

ثم رد عليهم بقوله تعالى :

( حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير ) .

وكشف هذه المؤامرات الخفية ، وإفشاء نجواهم التي عادوا إليها بعدما نهوا عنها ، وكذلك فضح ما كانوا بقولونه في أنفسهم : ( لولا يعذبنا الله بما نقول ) . . هذا كله هو تصديق وتطبيق لحقيقة علم الله بما في السماوات وما في الأرض ، وحضوره لكل نجوى ، وشهوده لكل اجتماع . وهو يوقع في نفوس المنافقين أن أمرهم مفضوح ، كما يوحي للمؤمنين بالاطمئنان والوثوق .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجۡوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنۡهُ وَيَتَنَٰجَوۡنَ بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَمَعۡصِيَتِ ٱلرَّسُولِۖ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوۡكَ بِمَا لَمۡ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ وَيَقُولُونَ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ لَوۡلَا يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُۚ حَسۡبُهُمۡ جَهَنَّمُ يَصۡلَوۡنَهَاۖ فَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (8)

النجوى

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ ( 8 ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ( 9 ) إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ( 10 ) }

8

المفردات :

الذين نهوا عن النجوى : هم اليهود والمنافقون .

الإثم : المعصية والذنب .

العدوان : الاعتداء على غيرهم ، كمعصية الرسول ومخالفته .

لولا يعذبنا الله : هلا يعذبنا بسبب ذلك .

حسبهم جهنم : عذاب جهنم كاف لهم في الآخرة .

يصلونها : يقاسون حرها .

التفسير :

8-{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ } .

تفيد هذه الآيات أن فريقا من اليهود والمنافقين كانوا يكيدون للإسلام والمسلمين ، ويتناجون بما يسوء بعض المسلمين ، وقد اشتكى المسلمون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنهى اليهود عن ذلك ، ونصح المنافقين بالبعد عنه ، لكنهم عاودوا هذه المناجاة فيما بينهم .

قال القرطبي :

نزلت في اليهود والمنافقين ، كانوا يتناجون فيما بينهم ، وينظرون للمؤمنين ويتغامزون بأعينهم ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنهاهم عن النجوى فلم ينتهوا ؛ فنزلت .

وفي الآية تعجيب من حالهم ، أي : ألم تشاهد يا كل من يتأتى منه المشاهدة ، اللذين نهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن النجوى بالإثم والكيد ، ثم هم يعودون لما نهوا عنه ، ويكررون العودة إليه ، لأن الفعل المضارع يفيد الحال والاستقبال والتجدد ، فقد كان اليهود والمنافقون شوكة في جنب المسلمين ، وكانوا يتناجون في صوت خافت بالكيد والدس والفتنة والأذى للمسلمين ، ومخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومن سوء أدبهم أنهم كانوا إذا دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم قالوا له : ( السام عليكم ) ، وهي كلمة عبرية معناها : الموت عليكم ، مع أن الله حيا رسوله في التشهد بقوله : " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " .

وقال سبحانه وتعالى : { إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } . ( الأحزاب : 56 ) .

وقال تعالى : { وسلام على المرسلين } . ( الصافات : 181 ) .

وقال سبحانه وتعالى : { وسلام على عباده الذين اصطفى . . . }( النمل : 59 ) .

وقد روى البخاري ومسلم وغيرهما ، عن عائشة رضي الله عنها ، أن أناسا من اليهود دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : السام عليك يا أبا القاسم ، فقال صلى الله عليه وسلم : " وعليكم " . قالت عائشة : قلت : عليكم السام ، ولعنكم الله وغضب عليكم . وفي رواية : عليكم السام والذام واللعنة .

فقال صلى الله عليه وسلم : " يا عائشة ، إن الله لا يحب الفاحش ولا المتفحش " ، فقلت : ألا تسمعهم يقولون : السام ، فقال : " يا عائشة ، أو ما سمعت أقول وعليكم " ؟ فأنزل الله تعالى : { وإذا جاءوك . . . }الآيةix .

وهذا يدل على الدور السيئ لليهود ، وإيذائهم للإسلام ولرسول الله صلى الله عليه وسلم .

{ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُول . . . }

ويقولون فيما بينهم : هلا يعذبنا الله بهذا القول لو كان محمد نبيا ، فلو كان نبيا حقا لعذبه الله على هذا الكلام .

قال في ظلال القرآن :

وظاهر من سياق السورة ، من مطلعها ، أن الله قد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بما كانوا يقولونه في أنفسهم ، وبمجالسهم ومؤامراتهم 1ه .

{ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ } .

إن الله مطلع وشاهد على مؤامراتهم ونجواهم ، واجتماعاتهم المشتملة على الكيد والدسّ وتبييت السوء للمسلمين ، وقد كشف أمرهم في الدنيا ، وأجل العقوبة إلى الآخرة ، حيث يصطلون بنار جهنم ، ويقاسون حرها ولهيبها ، والهوان والخزي والذل في عذابها .

قال ابن العربي :

كانوا يقولون : لو كان محمدا نبيا لما أمهلنا الله بسبه والاستخفاف به ، وجهلوا أن الباري حليم لا يعاجل بالعقوبة .

وقد ثبت في الصحيح : " لا أحد أصبر على الأذى من الله ، يدعون له الصاحبة والولد ، وهو يعافيهم ويرزقهم " ، فأنزل الله تعالى هذا كشفا لسرائرهم ، وفضحا لبواطنهم ، وتكريما لرسول لله صلى الله عليه وسلم . x

 
التفسير الميسر لمجموعة من العلماء - التفسير الميسر [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجۡوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنۡهُ وَيَتَنَٰجَوۡنَ بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِ وَمَعۡصِيَتِ ٱلرَّسُولِۖ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوۡكَ بِمَا لَمۡ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ وَيَقُولُونَ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ لَوۡلَا يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُۚ حَسۡبُهُمۡ جَهَنَّمُ يَصۡلَوۡنَهَاۖ فَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (8)

{ أَلَمْ تَرَى إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنْ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ ( 8 ) } .

ألم تر -يا محمد- إلى اليهود الذين نُهوا عن الحديث سرًّا بما يثير الشك في نفوس المؤمنين ، ثم يرجعون إلى ما نُهوا عنه ، ويتحدثون سرًّا بما هو إثم وعدوان ومخالفة لأمر الرسول ؟ وإذا جاءك -يا محمد- هؤلاء اليهود لأمر من الأمور حيَّوك بغير التحية التي جعلها الله لك تحية ، فقالوا : ( السام عليك ) أي : الموت لك ، ويقولون فيما بينهم : هلا يعاقبنا الله بما نقول لمحمد إن كان رسولا حقًا ، تكفيهم جهنم يدخلونها ، ويقاسون حرها ، فبئس المرجع هي .