في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞وَإِذَا رَأَيۡتَهُمۡ تُعۡجِبُكَ أَجۡسَامُهُمۡۖ وَإِن يَقُولُواْ تَسۡمَعۡ لِقَوۡلِهِمۡۖ كَأَنَّهُمۡ خُشُبٞ مُّسَنَّدَةٞۖ يَحۡسَبُونَ كُلَّ صَيۡحَةٍ عَلَيۡهِمۡۚ هُمُ ٱلۡعَدُوُّ فَٱحۡذَرۡهُمۡۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُۖ أَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ} (4)

ثم يرسم لهم السياق صورة فريدة مبدعة ؛ تثير السخرية والهزء والزراية بهذا الصنف الممسوخ المطموس من الناس ، وتسمهم بالفراغ والخواء والانطماس والجبن والفزع والحقد والكنود . بل تنصبهم تمثالا وهدفا للسخرية في معرض الوجود :

( وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم . وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة . يحسبون كل صيحة عليهم . هم العدو فاحذرهم . قاتلهم الله ! أنى يؤفكون ? ) . .

فهم أجسام تعجب . لا أناسي تتجاوب ! وما داموا صامتين فهم أجسام معجبة للعيون . . فأما حين ينطقون فهم خواء من كل معنى ومن كل حس ومن كل خالجة . . ( تسمع لقولهم كأنهم خشب ) . . ولكنها ليست خشبا فحسب . إنما هي ( خشب مسندة ) . . لا حركة لها ، ملطوعة بجانب الجدار !

هذا الجمود الراكد البارد يصورهم من ناحية فقه أرواحهم إن كانت لهم أرواح ! ويقابله من ناحية أخرى حالة من التوجس الدائم والفزع الدائم والاهتزاز الدائم :

( يحسبون كل صيحة عليهم ) . .

فهم يعرفون أنهم منافقون مستورون بستار رقيق من التظاهر والحلف والملق والالتواء . وهم يخشون في كل لحظة أن يكون أمرهم قد افتضح وسترهم قد انكشف . والتعبير يرسمهم أبدا متلفتين حواليهم ؛ يتوجسون من كل حركة ومن كل صوت ومن كل هاتف ، يحسبونه يطلبهم ، وقد عرف حقيقة أمرهم ! !

وبينما هم خشب مسندة ملطوعة إذا كان الأمر أمر فقه وروح وشعور بإيقاعات الإيمان . . إذا هم كالقصبة المرتجفة في مهب الريح إذا كان الأمر أمر خوف على الأنفس والأموال !

وهم بهذا وذاك يمثلون العدو الأول للرسول [ صلى الله عليه وسلم ] وللمسلمين :

( هم العدو فاحذرهم ) . .

هم العدو الحقيقي . العدو الكامن داخل المعسكر ، المختبئ في الصف . وهو أخطر من العدو الخارجي الصريح . ( فاحذرهم ) . . ولكن الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] لم يؤمر هنا بقتلهم ، فأخذهم بخطة أخرى فيها حكمة وسعة وثقة بالنجاة من كيدهم - كما سيجيء نموذج من هذه المعاملة بعد قليل - . .

( قاتلهم الله أنى يؤفكون ) . .

فالله مقاتلهم حيثما صرفوا وأنى توجهوا . والدعاء من الله حكم بمدلول هذا الدعاء ، وقضاء نافذ لا راد له ولا معقب عليه . . وهذا هو الذي كان في نهاية المطاف .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{۞وَإِذَا رَأَيۡتَهُمۡ تُعۡجِبُكَ أَجۡسَامُهُمۡۖ وَإِن يَقُولُواْ تَسۡمَعۡ لِقَوۡلِهِمۡۖ كَأَنَّهُمۡ خُشُبٞ مُّسَنَّدَةٞۖ يَحۡسَبُونَ كُلَّ صَيۡحَةٍ عَلَيۡهِمۡۚ هُمُ ٱلۡعَدُوُّ فَٱحۡذَرۡهُمۡۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُۖ أَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ} (4)

1

المفردات :

تعجبك أجسامهم : لسلامتها وصباحتها وتناسق أعضائها .

تسمع لقولهم : لفصاحتهم وحسن حديثهم .

خشب : جمع خشباء ، وهي الخشبة المنخور جوفها .

يحسبون كل صيحة عليهم : يظنون أن كلّ صوت واقع بهم ، لجبنهم وهلعهم .

قاتلهم الله : لعنهم وطردهم من رحمته وأهلكهم .

أنّى يؤفكون : كيف يُصرفون عن الحق والإيمان بعد قيام البرهان .

التفسير :

4- { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } .

كان عبد الله بن أُبي زعيم المنافقين جسيما وسيما ضخما ، زلق اللسان ، حسن الصوت ، وكانت معه مجموعة على شكله ، يجلسون فيحسبهم الناظر إليهم أنهم شيء جميل ، والواقع أن داخلهم معطوب بالنفاق .

والمعنى :

إذا رأيت شكلهم أعجبك ظاهرهم ، وإذا تكلموا أعجبك حديثهم ، وتصرّفهم في القول وحسن صوتهم ، لكن داخلهم سيء ، وباطنهم نفاق وحسد وضغينة ، كأنهم خُشب مأخوذ قلبها ، فهي حسنة في الظاهر رديئة في الباطن ، ومع ضخامة أجسادهم فإنهم في غاية الهلع والخوف ، إذا سمعوا صوتا عاليا ، أو أُنشدت دابة ، أو صاح صائح بصوت مرتفع ، تملكهم الهلع والخوف ، خشية أن يفتضح أمرهم ، وأن يكشف سترهم ، وأن يظهر للناس نفاقهم .

ولقد قالوا : ( يكاد المريب يقول خذوني ) ، ويكاد السارق يقول – إذا رأى القيد – ضعوه في يدي ، من الرهبة والخوف من سوء أعمالهم .

ونحو الآية قوله تعالى : { أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا } . ( الأحزاب : 19 ) .

وقد نظر المتنبي إلى الآية في قوله :

وضاقت الأرض حتى ظن هاربهم إذا رأى غير شيء ظنه رجلا

{ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ . . . }

هم العدوّ الحقيقي لك . فاحذرهم . ولا تكشف لهم أسرارك ، لأنهم عيون لأعدائك من الكفار ، واحذر مؤامراتهم ودسائسهم .

{ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } .

لعنهم الله وطردهم من رحمته وأهلكهم ، كيف يصرفون عن الحق والنور والهدى والرسالة ، ويميلون إلى الباطل والكفر ، والدسّ والخداع ، وصدّ الناس عن سبيل الله ، مع وجود النبي الخاتم والوحي الصادق ، ونور الإسلام وبرهانه ، ومع هذا اختاروا الضلالة وتركوا الهدى .

ولله در أبي نواس :

لا تخدعنك اللحى ولا الصور تسعةُ أعشار من ترى بقر

تراهم كالسراب منتشرا *** وليس فيه لطالب قطر

في شجر السَّروِ منهم مثل *** له رُواء وما له ثَمَرُ

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{۞وَإِذَا رَأَيۡتَهُمۡ تُعۡجِبُكَ أَجۡسَامُهُمۡۖ وَإِن يَقُولُواْ تَسۡمَعۡ لِقَوۡلِهِمۡۖ كَأَنَّهُمۡ خُشُبٞ مُّسَنَّدَةٞۖ يَحۡسَبُونَ كُلَّ صَيۡحَةٍ عَلَيۡهِمۡۚ هُمُ ٱلۡعَدُوُّ فَٱحۡذَرۡهُمۡۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُۖ أَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ} (4)

تعجبك أجسامهم : لصباحتها وتناسُب أعضائها .

تسمع لقولهم : لفصاحتهم وحسن حديثهم .

خشُب مسندة : جمع خشبة ، يعني أنهم أجسام فارغة لا حياة فيها .

يحسبون كل صيحة عليهم : فهم لشعورهم بالذنب وبحقيقة حالهم ، يظنون أن كل صوت أو حركة عليهم .

قاتلَهم الله : لعنهم الله وطردهم من رحمته .

يؤفكون : يصرفون عن الحق .

ثم وصف هيئاتهم الظاهرة والباطنة ، فأجسامُهم في الظاهر حسنة تُعجِب الناس ، ومنطقهم حسن ، ولكلامهم حلاوة ، أما في الباطن فهم خُشُبٌ لا فائدة فيها ، أشباح بلا أرواح ، فسدت بواطنهم ، وحسنت ظواهرهم .

ثم وصفهم بالجبن والذلة إذا سمعوا أي صوت أو حركة ظنّوا أنهم المقصودون ، وأن أمرهم قد افتُضِح : { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ } وأنهم هالكون لا محالة . { هُمُ العدو فاحذرهم } أيها الرسول ، ولا تأمنهم أبدا .

ثم زاد في ذمهم وتوبيخهم فقال :

{ قَاتَلَهُمُ الله أَنَّى يُؤْفَكُونَ } لعنهم الله وطردَهم من رحمته كيف يُصرَفون عن الحق إلى ما هم عليه من النفاق .

قراءات :

قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي : خشب بإسكان الشين . والباقون : خشب بضم الخاء والشين .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞وَإِذَا رَأَيۡتَهُمۡ تُعۡجِبُكَ أَجۡسَامُهُمۡۖ وَإِن يَقُولُواْ تَسۡمَعۡ لِقَوۡلِهِمۡۖ كَأَنَّهُمۡ خُشُبٞ مُّسَنَّدَةٞۖ يَحۡسَبُونَ كُلَّ صَيۡحَةٍ عَلَيۡهِمۡۚ هُمُ ٱلۡعَدُوُّ فَٱحۡذَرۡهُمۡۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُۖ أَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ} (4)

{ وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم } يعني أن لهم أجساماً ومناظر ، { وإن يقولوا تسمع لقولهم } فتحسب أنه صدق ، قال عبد الله بن عباس : كان عبد الله بن أبي جسيماً فصيحاً طلق اللسان ، فإذا قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم قوله . { كأنهم خشب مسندة } أشباح بلا أرواح وأجسام بلا أحلام . قرأ أبو عمرو والكسائي : خشب بسكون الشين ، وقرأ الباقون بضمها . { مسندة } ممالة إلى جدار ، من قولهم : أسندت الشيء ، إذا أملته ، والثقيل للتكثير ، وأراد أنها ليست بأشجار تثمر ، ولكنها خشب مسندة إلى حائط ، { يحسبون كل صيحة عليهم } أي لا يسمعون صوتاً بأن نادى مناد أو انفلتت دابة وأنشدت ضالة ، إلا ظنوا -من جبنهم وسوء ظنهم- أنهم يرادون بذلك ، أنهم قد أتوا ، لما في قلوبهم من الرعب . وقيل : ذلك لكونهم على وجل من أن ينزل الله فيهم أمرا يهتك أستارهم ويبيح دماءهم ثم قال : { هم العدو } وهذا ابتداء وخبره ، { فاحذرهم } ولا تأمنهم ، { قاتلهم الله } لعنهم الله { أنى يؤفكون } يصرفون عن الحق .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{۞وَإِذَا رَأَيۡتَهُمۡ تُعۡجِبُكَ أَجۡسَامُهُمۡۖ وَإِن يَقُولُواْ تَسۡمَعۡ لِقَوۡلِهِمۡۖ كَأَنَّهُمۡ خُشُبٞ مُّسَنَّدَةٞۖ يَحۡسَبُونَ كُلَّ صَيۡحَةٍ عَلَيۡهِمۡۚ هُمُ ٱلۡعَدُوُّ فَٱحۡذَرۡهُمۡۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُۖ أَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ} (4)

{ وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم } في طولها واستواء خلقها وكا ن عبد الله ابن أبي

5 7 جسيما صبيحا فصيحا اذا تكلم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم قوله وهو قوله { وإن يقولوا تسمع لقولهم } ثم أعلم أنهم في ترك التفهم بمنزلة الخشب فقال { كأنهم خشب مسندة } أي ممالة الى الجدار { يحسبون } من جبنهم وسوء ظنهم { كل صيحة عليهم } أي ان نادى مناد في العسكر أو ارتفع صوت ظنوا أنهم يرادون بذلك لما في قلوبهم من الرعب { هم العدو } وان كانوا معك { فاحذرهم } ولا تأمنهم { قاتلهم الله } لعنهم الله { أنى يؤفكون } من أين يصرفون عن الحق بالباطل