في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِۖ ٱئۡتُونِي بِكِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ هَٰذَآ أَوۡ أَثَٰرَةٖ مِّنۡ عِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (4)

( قل : أرأيتم ما تدعون من دون الله ? أروني ماذا خلقوا من الأرض ? أم لهم شرك في السماوات ? ائتوني بكتاب من قبل هذا ، أو أثارة من علم ، إن كنتم صادقين ) . .

وهذا تلقين من الله سبحانه لرسوله [ صلى الله عليه وسلم ] ليواجه القوم بشهادة كتاب الكون المفتوح . الكتاب الذي لا يقبل الجدل والمغالطة - إلا مراء ومحالا - والذي يخاطب الفطرة بمنطقها ، بما بينه وبين الفطرة من صلة ذاتية خفية ، يصعب التغلب عليها ومغالطتها .

( أروني ماذا خلقوا من الأرض ? ) . .

ولن يملك إنسان أن يزعم أن تلك المعبودات - سواء كانت حجرا أم شجرا أم جنا أم ملائكة أم غيرها - قد خلقت من الأرض شيئا ، أو خلقت في الأرض شيئا . إن منطق الفطرة . منطق الواقع . يصيح في وجه أي ادعاء من هذا القبيل .

( أم لهم شرك في السماوات ? ) . .

ولن يملك إنسان كذلك أن يزعم أن لتلك المعبودات شركة في خلق السماوات أو في ملكيتها . ونظرة إلى السماوات توقع في القلب الإحساس بعظمة الخالق ، والشعور بوحدانيته ؛ وتنفض عنه الانحرافات والترهات . . والله منزل هذا القرآن يعلم أثر النظر في الكون على قلوب بالبشر ومن ثم يوجههم إلى كتاب الكون ليتدبروه ويستشهدوه ويستمعوا إلى إيقاعاته المباشرة في القلوب .

ثم يأخذ الطريق على ما قد يطرأ على بعض النفوس من انحراف بعيد . فقد يصل بها هذا الانحراف إلى أن تزعم هذا الزعم أو ذاك بلا حجة ولا دليل . يأخذ عليها الطريق ، فيطالبها بالحجة والدليل ؛ ويعلمها في الوقت ذاته طريقة الاستدلال الصحيح ؛ ويأخذها بالمنهج السليم في النظر والحكم والتقدير :

( ائتوني بكتاب من قبل هذا ، أو أثارة من علم ، إن كنتم صادقين ) . .

فإما كتاب من عند الله صادق . وإما بقية من علم مستيقن ثابت . وكل الكتب المنزلة قبل القرآن تشهد بوحدانية الخالق المبدع المدبر المقدر ؛ وليس فيها من كتاب يقر خرافة الآلهة المتعددة ، أو يقول بأن لها في الأرض خلقا أو في السماوات شركا ! وليس هنالك من علم ثابت يؤيد مثل ذلك الزعم المتهافت .

وهكذا يواجههم القرآن بشهادة هذا الكون . وهي شهادة حاسمة جازمة . ويأخذ عليهم طريق الادعاء بلا بينة . ويعلمهم منهج البحث الصحيح . في آية واحدة قليلة الكلمات ، واسعة المدى ، قوية الإيقاع ، حاسمة الدليل .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِۖ ٱئۡتُونِي بِكِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ هَٰذَآ أَوۡ أَثَٰرَةٖ مِّنۡ عِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (4)

1

المفردات :

أرأيتم : أخبروني .

لهم شرك : شركة ونصيب .

أثارة من علم : بقية من علم .

التفسير :

4- { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } .

أخبروني أيها الكفار ، هل الأصنام أو الأوثان أو الجن أو الملائكة ، أو جميع ما تعبدون من دون الله ، هل هذه المعبودات الزائفة خلقت شيئا من هذا الكون البديع ؟ أروني هذا الذي خلقته من الأرض ، هل خلقت الماء أو اليابس ؟ الشرق أو الغرب ؟ السهل أو الجبل ؟ الحيوان أو الإنسان ؟ والجواب معلوم : إن أحدا لم يدع مطلقا أنه خلق الأرض ، ولا جانبا منها ، لأن هذه المعبودات الزائفة لا تقدر على خلق شيء من ذلك ، وهذه الأرض لم تخلق نفسها ، فلم يبق إلا أن تكون من خلق الله .

ثم قل لهم أيها الرسول الكريم : { أم لهم شرك في السماوات . . . }

أي : تدرج معهم واسألهم : هل لهم مشاركة وإسهام في خلق السماوات ؟

هل ساعدوا الله وأعانوه في خلق شيء من ذلك ؟ والجواب معلوم ، ولكن القرآن يستمر في مناقشتهم وتحديهم بأن يثبتوا بأي حجة أو دليل ، يفيد أن هذه المعبودات قد خلقت أي شيء في الأرض أو السماء حتى تعبد .

{ ائتوني بكتاب من قبل هذا . . . }

أي : هل عندكم كتاب من الكتب المنزلة قبل القرآن ، كالتوراة والإنجيل وصحف إبراهيم وموسى ، تشهد بأن هذه المعبودات الزائفة قد خلقت شيئا ، أو جانبا من الأرض أو السماء ؟ وإذا لم تكن عندكم وثيقة مكتوبة تثبت ذلك ، فهل عندكم بقية من علوم الأولين تنطق باستحقاق هذه المعبودات للعبادة ، أو أنهم خلقوا شيئا من الأرض ، أو اشتركوا في خلق السماوات ؟ هل لديكم أي دليل نقلي أو عقلي يثبت لهذه الأصنام خلقا للأرض ، أو مشاركة في خلق السماء ؟

{ إن كنتم صادقين } .

فقدموا ما يثبت صدقكم ، فإن الدعوى لا تصح ما لم يقم عليها برهان عقلي أو دليل نقلي ، وحيث إنه لا دليل لكم فقد ثبت بطلان كفركم ، وأقيمت الحجة عليكم .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِۖ ٱئۡتُونِي بِكِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ هَٰذَآ أَوۡ أَثَٰرَةٖ مِّنۡ عِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (4)

تدْعون : تعبدون .

أم لهم شِرك : أم لهم نصيب .

أو أثارة من علم : بقية من علم .

ثم يردّ اللهُ تعالى على من يعبد غيره من المشركين فيأمر الرسولَ الكريم أن يقول لهم : أخبِروني عن آلهتكم التي تعبدونها من دون الله ؟ هل خلقوا شيئاَ في هذه الدنيا ، أم أنهم شاركوا في خلْق السموات ؟ إنْ كان ما تدّعون حقا فأْتوني بكتابٍ من قبل هذا القرآن ، أو أي أثرٍ من عِلم الأولين تستندون إليه في دعواكم { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِۖ ٱئۡتُونِي بِكِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ هَٰذَآ أَوۡ أَثَٰرَةٖ مِّنۡ عِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (4)

شرح الكلمات

{ ما تدعون من دون الله } : أي من الأصنام والأوثان .

{ أروني ماذا خلقوا من الأرض } أي أشيروا إلى شيء خلقوه من الأرض .

{ أم لهم شرك في السموات } : أي أم لهم شركة .

{ ائتوني بكتاب من قبل هذا } : أي منزل من قبل القرآن .

{ أو أثارة من علم } : أي بقيةٍ من علم يؤثر عن الأولين بصحة دعواكم في عبادة الأصنام .

{ إن كنتم صادقين } : أي في دعواكم أن عبادة الأصنام والأوثان تقربكم من الله تعالى .

المعنى

وقوله تعالى { قل أرأيتم ما تدعون من دون الله } أي من الأصنام والأوثان { أروني ماذا خلقوا من الأرض } أي من شيء { أم لهم شرك في السموات } ولو أدنى شرك وأقله ، وقوله { ائتوني بكتابٍ من قبل هذا أو أثارة من علم } أي بقية من علم تشهد بصحة عبادة ودعاء آلهة لم تخلق شيئا من الأرض وليس لها أدنى شرك في السموات { إن كنتم صادقين } في دعواكم أنها آلهة تستحق أن تُعبد .

الهداية

من الهداية :

- تقرير حقيقة علمية وهي من لا يخلق لا يُعبد .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِۖ ٱئۡتُونِي بِكِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ هَٰذَآ أَوۡ أَثَٰرَةٖ مِّنۡ عِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (4)

{ 4-6 } { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ *وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ }

أي : { قُلْ } لهؤلاء الذين أشركوا بالله أوثانا وأندادا لا تملك نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ، قل لهم -مبينا عجز أوثانهم وأنها لا تستحق شيئا من العبادة- : { أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ } هل خلقوا من أجرام السماوات والأرض شيئا ؟ هل خلقوا جبالا ؟ هل أجروا أنهارا ؟ هل نشروا حيوانا ؟ هل أنبتوا أشجارا ؟ هل كان منهم معاونة على خلق شيء من ذلك ؟

لا شيء من ذلك بإقرارهم على أنفسهم فضلا عن غيرهم ، فهذا دليل عقلي قاطع على أن كل من سوى الله فعبادته باطلة .

ثم ذكر انتفاء الدليل النقلي فقال : { اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا } الكتاب يدعو إلى الشرك { أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ } موروث عن الرسل يأمر بذلك . من المعلوم أنهم عاجزون أن يأتوا عن أحد من الرسل بدليل يدل على ذلك ، بل نجزم ونتيقن أن جميع الرسل دعوا إلى توحيد ربهم ونهوا عن الشرك به ، وهي أعظم ما يؤثر عنهم من العلم قال تعالى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } وكل رسول قال لقومه : { اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } فعلم أن جدال المشركين في شركهم غير مستندين فيه على برهان ولا دليل وإنما اعتمدوا على ظنون كاذبة وآراء كاسدة وعقول فاسدة . يدلك على فسادها استقراء أحوالهم وتتبع علومهم وأعمالهم والنظر في حال من أفنوا أعمارهم بعبادته هل أفادهم شيئا في الدنيا أو في الآخرة ؟

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِۖ ٱئۡتُونِي بِكِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ هَٰذَآ أَوۡ أَثَٰرَةٖ مِّنۡ عِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (4)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهؤلاء المشركين بالله من قومك: أرأيتم أيها القوم الآلهة والأوثان التي تعبدون من دون الله، أروني أيّ شيء خلقوا من الأرض، فإن ربي خلق الأرض كلها، فدعوتموها من أجل خلقها ما خلقت من ذلك آلهة وأربابا، فيكون لكم بذلك في عبادتكم إياها حجة، فإن من حجتي على عبادتي إلهي، وإفرادي له الألوهة، أنه خلق الأرض فابتدعها من غير أصل.

وقوله:"أمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السّمَوَاتِ" يقول تعالى ذكره: أم لآلهتكم التي تعبدونها أيها الناس شرك مع الله في السموات السبع، فيكون لكم أيضا بذلك حجة في عبادتكموها، فإن من حجتي على إفرادي العبادة لربي، أنه لا شريك له في خلقها، وأنه المنفرد بخلقها دون كلّ ما سواه.

وقوله: "ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبَلِ هَذَا "يقول تعالى ذكره: بكتاب جاء من عند الله من قبل هذا القرآن الذي أُنزل عليّ، بأن ما تعبدون من الآلهة والأوثان خلقوا من الأرض شيئا، أو أن لهم مع الله شركا في السموات، فيكون ذلك حجة لكم على عبادتكم إياها، لأنها إذا صحّ لها ذلك صحت لها الشركة في النّعم التي أنتم فيها، ووجب لها عليكم الشكر، واستحقت منكم الخدمة، لأن ذلك لا يقدر أن يخلقه إلا الله.

وقوله: "أوْ أثارةٍ مِنْ عِلْمٍ"... بمعنى: أو ائتوني ببقية من علم...

واختلف أهل التأويل في تأويلها؛ فقال بعضهم: معناه: أو ائتوني بعلم بأن آلهتكم خَلَقت من الأرض شيئا، وأن لها شركا في السموات من قبل الخطّ الذي تخطونه في الأرض، فإنكم معشر العرب أهل عيافة وزجر وكهانة...

وقال آخرون: بل معنى ذلك: أو خاصة من علم...

وقال آخرون: بل معنى ذلك: أو علم تُثيرونه فتستخرجونه...

وقال آخرون: بل معنى ذلك: أو تأثرون ذلك علما عن أحد ممن قبلكم؟.. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أو ببينة من الأمر...

وقال آخرون: بل معنى ذلك: ببقية من علم...

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: الأثارة: البقية من علم، لأن ذلك هو المعروف من كلام العرب... وإذا وجه ذلك إلى ما قلنا فيه من أنه بقية من علم، جاز أن تكون تلك البقية من علم الخط، ومن علم استثير من كُتب الأوّلين، ومن خاصة علم كانوا أوثروا به. وقد رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك خبر بأنه تأوّله أنه بمعنى الخط، سنذكره إن شاء الله تعالى، فتأويل الكلام إذن: ائتوني أيها القوم بكتاب من قبل هذا الكتاب، بتحقيق ما سألتكم تحقيقه من الحجة على دعواكم ما تدّعون لآلهتكم، أو ببقية من علم يوصل بها إلى علم صحة ما تقولون من ذلك "إنْ كُنْتُمْ صادِقِين" في دعواكم لها ما تدّعون، فإن الدعوى إذا لم يكن معها حجة لم تُغنِ عن المدّعي شيئا.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

يحتمل أن يكون ما ذكر كله موصولا بعضه ببعض، ويحتمل أن يكون بعضه مفصولا عن بعض. فإن كان على الوصل فكأنه يقول: أرأيتم ما تعبدون من الأصنام، وتدعونها آلهة، هل خلقوا مما خلق الله لكم من المنافع ومما به حياتكم وقِوامُكم ومعاشكم مما تُخرج الأرض؟ أو هل يُنزِلون لكم من المنافع التي جعلها لكم في السماء من الأمطار وغيرها؟ أو هل أتاكم كتاب من عند الله، فيه أنه أمركُم بعبادة من تعبدونه؟

وقوله تعالى: {أو أثارة من علم} هو يخرّج على وجهين:

أحدهما: أو جاءكم من الحكماء الأولين المتقدّمين كتاب أو قول فيه الأمر بذلك؟ والثاني: أو استخرجتم من العلوم ذلك، فقلتم به؟ يقول، والله أعلم: إن الأسباب التي تحمل الناس على العبادة والخدمة لهم في هذه الوجوه: إما منافع تتصل بهم منهم مما به قوامهم ومعاشهم وحياتهم، وإما كتاب من الله تعالى، فيه حجة لهم وأمر لهم بذلك، وإما كتاب من الحكماء والرسل يأمرونهم فيه وهم قوم لا يؤمنون بالرسل ولا بالكتاب، وليست لهم علوم مُستخرَجة من العلوم. يقول: ليس لكم مما ذكر من الأسباب والعلوم بما عبدتموها، فكيف اخترتم عبادتها على عبادة من عرفتم أن ما به قوامُكم وحياتكم منه، والله أعلم. وإن كان بعضه مفصولا من بعض فيكون كأنه يقول: {أروني ماذا خلقوا من الأرض} من المنافع وغيرها {أم لهم شرك} في ما ذكر. فإن قالوا: قد خلقوا ما ذكر، ولهم شرك في ما ذكر، فقل لهم: {ائتوني بكتاب من قبل هذا} من كتب الحكماء أو العلوم المستخرجة من العلوم {إن كنتم صادقين} أنهم خلقوا ما ذكرتم، أو لهم شرك في ما ذكر، والله أعلم. وقد علموا أنهم لا يقدرون أن يُرُوهُ ما ذكر لما لم يكن لهم من هذه الأسباب شيء؛ إذ هي أسباب العلم، وقد عجِزوا عن ذلك كلّه.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

أروني.. أي أثر فيهم في الملك، أو القدرة على النفع والضر؟ إن كانت لكم حُجَّةٌ فأَظْهِرُوها، أو دلالة فَبَيِّنوها.. وإذا قد عَجَزْتُم عن ذلك فهلاَّ رجعتم عن غيْكم وأقلعتم؟

تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :

ومعناه: أنه ليس لهم شرك، لا في خلق الأرض، ولا في خلق السماء أي: نصيب، فكيف تعبد مع الله؟...

أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ من دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا من الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ} فَهَذِهِ بَيَانٌ لِأَدِلَّةِ الْعَقْلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالتَّوْحِيدِ، وَحُدُوثِ الْعَالَمِ، وَانْفِرَادِ الْبَارِّي سُبْحَانَهُ بِالْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ وَالْوُجُودِ وَالْخَلْقِ.

ثُمَّ قَالَ: {ائْتُونِي بِكِتَابٍ من قَبْلِ هَذَا} عَلَى مَا تَقُولُونَ، وَهَذِهِ بَيَانٌ لِأَدِلَّةِ السَّمْعِ فَإِنَّ مُدْرِكَ الْحَقِّ إنَّمَا يَكُونُ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ أَوْ بِدَلِيلِ الشَّرْعِ...ثُمَّ قَالَ: {أَوْ أَثَارَةٍ من عِلْمٍ} يَعْنِي أَوْ عِلْمٍ يُؤْثَرُ، أَوْ يُرْوَى وَيُنْقَلُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَكْتُوبًا؛ فَإِنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ الْحِفْظِ مِثْلُ الْمَنْقُولِ عَنْ الْكُتُبِ...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{قل أرأيتم ما تدعون من دون الله} وهي الأصنام {أروني} أي أخبروني {ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات} والمراد أن هذه الأصنام، هل يعقل أن يضاف إليها خلق جزء من أجزاء هذا العالم؟ فإن لم يصح ذلك فهل يجوز أن يقال إنها أعانت إله العالم في خلق جزء من أجزاء هذا العالم، ولما كان صريح العقل حاكما بأنه لا يجوز إسناد خلق جزء من أجزاء هذا العالم إليها...

فحينئذ صح أن الخالق الحقيقي لهذا العالم هو الله سبحانه، وأن المنعم الحقيقي بجميع أقسام النعم هو الله سبحانه، والعبادة عبارة عن الإتيان بأكمل وجوه التعظيم، وذلك لا يليق إلا بمن صدر عنه أكمل وجوه...

{ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم} وتقرير هذا الجواب أن ورود هذا الأمر لا سبيل إلى معرفته إلا بالوحي والرسالة، فنقول هذا الوحي الدال على الأمر بعبادة هذه الأوثان، إما أن يكون على محمد أو في سائر الكتب الإلهية المنزلة على سائر الأنبياء، وإن لم يوجد ذلك في الكتب الإلهية لكنه من تقابل العلوم المنقولة عنهم والكل باطل، أما إثبات ذلك بالوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم فهو معلوم البطلان، وأما إثباته بسبب اشتمال الكتب الإلهية المنزلة على الأنبياء المتقدمين عليه، فهو أيضا باطل...

ولما بطل الكل ثبت أن الاشتغال بعبادة الأصنام عمل باطل وقول فاسد وبقي في قوله تعالى: {أو أثارة من علم}...

أي بقية...

{أثارة} ما يؤثر من علم أي بقية...

{أثارة} تؤثر {من علم} كقولك هذا الحديث يؤثر عن فلان، ومن هذا المعنى سميت الأخبار بالآثار يقال جاء في الأثر كذا وكذا...

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

{قُلْ} أي: لهؤلاء المشركين العابدين مع الله غيره: {أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأرْضِ} أي: أرشدوني إلى المكان الذي استقلوا بخلقه من الأرض، {أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ} أي: ولا شرك لهم في السموات ولا في الأرض، وما يملكون من قطمير، إن المُلْك والتصرّف كله إلا الله، عز وجل، فكيف تعبدون معه غيره، وتشركون به؟ من أرشدكم إلى هذا؟ من دعاكم إليه؟ أهو أمركم به؟ أم هو شيء اقترحتموه من عند أنفسكم؟ ولهذا قال: {اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا} أي: هاتوا كتابا من كتب الله المنزلة على الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، يأمركم بعبادة هذه الأصنام، {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} أي: دليل بَيِّن على هذا المسلك الذي سلكتموه {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أي: لا دليل لكم نقليًا ولا عقليا على ذلك...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{قل} أي لهؤلاء المعرضين أنفسهم لغاية الخطر منكراً عليهم تبكيتاً وتوبيخاً: {أرءيتم} أي أخبروني بعد تأمل ورؤية باطنة {ما تدعون} أي دعاء عبادة، ونبه على سفولهم بقوله تعالى: {من دون الله} أي الملك الأعظم الذي كل شيء دونه، فلا كفوء له...

{أروني ما} وأكد الكلام بقوله سبحانه وتعالى: {ماذا خلقوا} أي اخترعوه {من الأرض} ليصح ادعاء أنهم شركاء فيها باختراع ذلك الجزء. ولما كان معنى الكلام وترجمته: أروني أهم شركاء في الأرض؟ عادله بقوله: {أم لهم} أي الذين تدعونهم {شرك في السماوات} أي نوع من أنواع الشركة: تدبير -كما يقول أهل الطبائع، أو خلق أو غيره، أروني ذلك الذي خلقوه منها ليصح ادعاؤكم فيهم واعتمادكم عليهم بسببه... {ائتوني} أي- حجة على دعواكم في هذه الأصنام أنها خلقت شيئاً، أو أنها تستحق أن تعبد {بكتاب} أي واحد يصح التمسك به، لا أكلفكم إلى الإتيان بأكثر من كتاب واحد...

{من قبل هذا} أي- الذي نزل عليّ كالتوراة والإنجيل والزبور، وهذا من أعلام النبوة فإنها كلها شاهدة بالوحدانية، لو أتى بها آت لشهدت عليه ...

... {من علم} أي قطعي بضرورة أو تجربة أو مشاهدة أو غيره ولو ظناً يدل على ما ادعيتم فيهم من الشركة. ولما كان لهم من النفرة من الكذب واستشناعه- واستبشاعه واستفظاظه ما ليس لأمة من الأمم، أشار إلى تقريعهم بالكذب إن لم يقيموا دليلاً على دعواهم بقوله تعالى: {إن كنتم} أي بما هو لكم كالجبلة {صادقين} أي عريقين في الصدق على ما تدعون لأنفسكم.

تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :

والخلاصة: إن الدليل: إما وحي من الله، أو بقية من كلام الأوائل، وإما إرشاد من العقل، فإن كان الأول فأين الكتاب الذي يدل على أنهم شركاء؟ وإن كان الثاني فأين هو؟...

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

فعلم أن جدال المشركين في شركهم غير مستندين فيه على برهان ولا دليل وإنما اعتمدوا على ظنون كاذبة وآراء كاسدة وعقول فاسدة. يدلك على فسادها استقراء أحوالهم وتتبع علومهم وأعمالهم والنظر في حال من أفنوا أعمارهم بعبادته هل أفادهم شيئا في الدنيا أو في الآخرة؟...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(أروني ماذا خلقوا من الأرض؟).. ولن يملك إنسان أن يزعم أن تلك المعبودات -سواء كانت حجرا أم شجرا أم جنا أم ملائكة أم غيرها- قد خلقت من الأرض شيئا، أو خلقت في الأرض شيئا...

(أم لهم شرك في السماوات؟).. ولن يملك إنسان كذلك أن يزعم أن لتلك المعبودات شركة في خلق السماوات أو في ملكيتها. ونظرة إلى السماوات توقع في القلب الإحساس بعظمة الخالق، والشعور بوحدانيته؛ وتنفض عنه الانحرافات والترهات.. والله منزل هذا القرآن يعلم أثر النظر في الكون على قلوب بالبشر ومن ثم يوجههم إلى كتاب الكون ليتدبروه ويستشهدوه ويستمعوا إلى إيقاعاته المباشرة في القلوب...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

فجملة {قل أرأيتم ما تدعون} أمر بإلقاء الدليل على إبطال الإشراك وهو أصل ضلالهم. وجَاء هذا الاستدلالُ بأسلوب المناظرة فجُعل النبي صلى الله عليه وسلم مواجهاً لهم بالاحتجاج ليكون إلجاءً لهم إلى الاعتراف بالعجز عن معارضة حجته، وكذلك جرى الاحتجاج بعده ثلاث مرات بطريقة أمر التعجيز... والمعنى: نفي أن يكون لهم حجة على إلهية الأصنام لا بتأثيرها في المخلوقات، ولا بأقوال الكتب... و {أثارة} بفتح الهمزة: البقية من الشيء. والمعنى: أو بقية بقيت عندكم تروونها عن أهل العلم السابقين غير مسطورة في الكتب. وهذا توسيع عليهم في أنواع الحجة ليكون عجزهم عن الإتيان بشيء من ذلك أقطع لدعواهم. وفي قوله: {إن كنتم صادقين} إلهاب وإفحام لهم بأنهم غير آتين بحجة لا من جانب العقل ولا من جانب النقل المسطور أو المأثور،...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

الحق سبحانه وتعالى يريد أنْ يثبت أن الذين اتخذوا من دون الله أولياء اتخذوهم بلا سابقة كمال أو سابقة نفْع، فاتخذوا الأصنام آلهةً يعبدونها من دون الله وهم صانعوها بأيديهم...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

كان الكلام في الآيات السابقة عن خلق السماوات والأرض وأنّها جميعاً من صنع الله العزيز الحكيم، ولازم ذلك أن لا يكون في الكون إله سواه، لأنّ من له أهلية الأُلوهية هو خالق العالم ومدبره،... والتعبير ب (أثارة من علم) إشارة إلى سنن الأنبياء الماضين وأوصيائهم، أو آثار العلماء السابقين. وقد ذكر علماء اللغة والمفسّرون عدةّ معان لكلمة «أثارة» على وزن حلاوة فمنها: بقية الشيء، الرواية، العلامة. لكنّ الظاهر أنّها تعود إلى معنى واحد، وهو الأثر الذي يبقى من الشيء ويدل على وجوده...

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِۖ ٱئۡتُونِي بِكِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ هَٰذَآ أَوۡ أَثَٰرَةٖ مِّنۡ عِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (4)

وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير رحمه الله تعالى : لما قدم ذكر{[58487]} الكتاب وعظيم الرحمة به وجليل بيانه ، وأردف ذلك بما تضمنته سورة الشريعة من توبيخ من كذب به وقطع تعلقهم وأنه سبحانه وتعالى قد نصب من دلائل السماوات والأرض إلى-{[58488]} ما ذكر في صدر السورة ما كل قسم منها{[58489]} كاف في الدلالة وقائم بالحجة ، ومع ذلك فلم يجر{[58490]} عليهم التمادي على ضلالهم والانهماك في سوء حالهم وسيىء محالهم ، أردفت{[58491]} بسورة الأحقاف تسجيلاً بسوء مرتكبهم وإعلاماً باليم{[58492]} منقلبهم فقال تعالى { ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى } ولو اعتبروا بعظيم ارتباط ذلك الحق وإحكامه وإتقانه لعلموا أنه لم يوجد عبثاً{[58493]} ، ولكنهم عموا عن الآيات وتنكبوا عن انتهاج الدلالات { والذين كفروا عما أنذروا معرضون } ثم أخذ سبحانه وتعالى في تعنيفهم وتقريعهم في عبادة ما لا يضر ولا ينفع فقال { أفرأيتم ما تدعون{[58494]} من دون الله } - إلى قوله : { وكانوا بعبادتهم كافرين } ثم ذكر عنادهم عند سماع الآيات فقال : { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات } الآيات ، ثم التحم الكلام وتناسج إلى آخر السورة - انتهى .

ولما قرر سبحانه الأصل الدال على التوحيد وإثبات العدل والرحمة بالبعث للفصل{[58495]} ، وكانوا يقولون : إنهم أعقل الناس ، وكان العاقل لا يأمن {[58496]}غوائل الإنذار{[58497]} إلا أن أعد لها ما يتحقق {[58498]}دفعه لها{[58499]} وكان لا يقدر على دفع المتوعد{[58500]} إلا من يساويه أو يزيد عليه بشركة أو غيرها ، وكانوا يدعون في أصنامهم أنها{[58501]} شركاء ، بنى على ذلك{[58502]} الأصل تفاريعه{[58503]} ، وبدأ بإبطال متمسكهم فقال سبحانه وتعالى آمراً له صلى الله عليه وسلم بأن ينبههم على سفههم بأنهم أعرضوا عما قد يضرهم من غير احتراز منه دالاً على عدم إلهية ما دعوه آلهة بعدم الدليل على إلهيتها من عقل أو نقل ، لأن منصب الإلهية لا يمكن أن يثبت و-{[58504]} له من الشرف ما هو معلوم بغير دليل قاطع : { قل } أي لهؤلاء المعرضين أنفسهم لغاية الخطر منكراً عليهم تبكيتاً وتوبيخاً : { أرءيتم } أي أخبروني بعد تأمل ورؤية باطنة { ما تدعون } أي دعاء عبادة ، ونبه على سفولهم بقوله تعالى : { من دون الله } أي الملك الأعظم الذي كل شيء دونه ، فلا كفوء له .

ولما كان من المعلوم أن الاستفهام عن رؤية ما {[58505]}مشاهدتهم له{[58506]} معلومة لا يصح إلا بتأويل{[58507]} أنه عن بعض الأحوال ، وكان التقدير : أهم{[58508]} شركاء في الأرض ، استأنف قوله : { أروني ما } وأكد الكلام بقوله سبحانه وتعالى : { ماذا خلقوا } أي اخترعوه { من الأرض }{[58509]} ليصح ادعاء{[58510]} أنهم شركاء فيها{[58511]} باختراع ذلك الجزء . ولما كان معنى الكلام وترجمته : أروني أهم شركاء في الأرض{[58512]} ؟ عادله بقوله : { أم لهم } أي الذين تدعونهم { شرك{[58513]} في السماوات } أي نوع من أنواع الشركة : تدبير - كما يقول أهل الطبائع ، أو خلق أو غيره ، أروني ذلك الذي خلقوه منها ليصح ادعاؤكم فيهم واعتمادكم عليهم بسببه .

فالآية من الاحتباك : ذكر الخلق أولاً دليلاً على حذفه ثانياً ، والشركة ثانيا دليلاً على حذفها أولاً .

ولما كان الدليل أحد شيئين : سمع وعقل ، قال تعالى : { ائتوني } أي-{[58514]} حجة على دعواكم في هذه الأصنام أنها خلقت شيئاً ، أو أنها تستحق أن تعبد { بكتاب } أي{[58515]} واحد يصح التمسك به ، لا أكلفكم إلى{[58516]} الإتيان بأكثر من كتاب واحد . ولما كانت الكتب متعددة ولم يكن كتاب قبل القرآن عاماً لجميع ما سلف من الزمان ، أدخل الجار فقال تعالى : { من قبل هذا } أي-{[58517]} الذي نزل عليّ كالتوراة والإنجيل والزبور ، وهذا من أعلام النبوة فإنها كلها شاهدة بالوحدانية ، لو أتى بها آت لشهدت عليه .

ولما ذكر الأعلى الذي لا يجب التكليف إلا به ، وهو النقل القاطع ، سهل عليهم فنزل إلى ما دونه الذي منه العقل ، وأقنع منه-{[58518]} ببقية واحدة ولو كانت أثراً لا عيناً فقال{[58519]} : { أو أثارة } أي بقية رسم صالح للاحتجاج ، قال ابن برجان : وهي{[58520]} البقية من أثر{[58521]} كل شيء يرى {[58522]}بعد ذهابه{[58523]} وحال رؤيته بأثرها {[58524]}خلف عن سلف{[58525]} يتحدثون بها في آثارهم ، قال البغوي{[58526]} : وأصل الكلمة من الأثر وهو الرواية . { من علم } أي قطعي بضرورة أو تجربة أو مشاهدة أو غيره ولو ظناً يدل على ما ادعيتم فيهم من الشركة . ولما كان لهم من النفرة من الكذب واستشناعه-{[58527]} واستبشاعه واستفظاظه ما ليس لأمة من الأمم ، أشار إلى تقريعهم بالكذب إن لم يقيموا دليلاً على دعواهم بقوله تعالى : { إن كنتم } أي بما هو لكم كالجبلة { صادقين * } أي عريقين في الصدق على ما تدعون لأنفسكم .


[58487]:في مد: ذلك.
[58488]:زيد من مد.
[58489]:في مد: منه.
[58490]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: فلم يحرم.
[58491]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: أردف.
[58492]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: ليتم-كذا.
[58493]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: غنا.
[58494]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: تعبدون.
[58495]:من مد، وفي الأصل و ظ و م: للفضل.
[58496]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: الغوائر.
[58497]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: الغوائر.
[58498]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: دفعها به.
[58499]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: دفعها به.
[58500]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: المتوحد.
[58501]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: أنهم.
[58502]:زيد في الأصل و ظ: قوله، ولم تكن الزيادة في م ومد فحذفناها.
[58503]:من مد، وفي الأصل و ظ و م: تقاريعه.
[58504]:زيد من ظ و م ومد.
[58505]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: شاهدتهم.
[58506]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: شاهدتهم.
[58507]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: بتأمل وتأويل.
[58508]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: هم.
[58509]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: لا يصح الادعاء.
[58510]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: لا يصح الادعاء.
[58511]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: في الأرض.
[58512]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: تدعون أنهم شركاء.
[58513]:ورد في الأصل بعد"أم لهم" والترتيب من ظ و م ومد.
[58514]:زيد من مد.
[58515]:سقط من ظ و م.
[58516]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: على.
[58517]:زيد من ظ و م ومد،
[58518]:زيد من م ومد.
[58519]:زيد من م ومد، زيد في الأصل: مبينا لذلك، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[58520]:من مد، وفي الأصل و ظ و م: هو.
[58521]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: أثار.
[58522]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: تعددها به.
[58523]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: تعددها به.
[58524]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: سلف عن خلف.
[58525]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: سلف عن خلف.
[58526]:راجع معالم التنزيل بهامش اللباب6/130.
[58527]:زيد من م ومد.