( فلذلك فادع واستقم كما أمرت ، ولا تتبع أهواءهم ، وقل : آمنت بما أنزل الله من كتاب . وأمرت لأعدل بينكم . الله ربنا وربكم . لنا أعمالنا ولكم أعمالكم . لا حجة بيننا وبينكم . الله يجمع بيننا ، وإليه المصير ) . .
إنها القيادة الجديدة للبشرية جمعاء . القيادة الحازمة المستقيمة على نهج واضح ويقين ثابت . تدعو إلى الله على بصيرة . وتستقيم على أمر الله دون انحراف . وتنأى عن الأهواء المضطربة المتناوحة من هنا وهناك . القيادة التي تعلن وحدة الرسالة ووحدة الكتاب ووحدة النهج والطريق . والتي ترد الإيمان إلى أصله الثابت الواحد ، وترد البشرية كلها إلى ذلك الأصل الواحد : ( وقل : آمنت بما أنزل الله من كتاب ) . . ثم هو الاستعلاء والهيمنة بالحق والعدل . ( وأمرت لأعدل بينكم ) . . فهي قيادة ذات سلطان ، تعلن العدل في الأرض بين الجميع . [ هذا والدعوة بعد في مكة محصورة بين شعابها مضطهدة هي وأصحابها . ولكن طبيعتها المهيمنة الشاملة تبدو واضحة ] . وتعلن الربوبية الواحدة : ( الله ربنا وربكم ) . . وتعلن فردية التبعة : ( لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ) . . وتعلن إنهاء الجدل بالقول الفصل : ( لا حجة بيننا وبينكم ) . . وتكل الأمر كله إلى الله صاحب الأمر الأخير : ( الله يجمع بيننا وإليه المصير ) . .
وتكشف هذه الآية الواحدة عن طبيعة هذه الرسالة الأخيرة ، في مقاطعها القصيرة الفاصلة على هذا النحو الجامع الحازم الدقيق . فهي رسالة جاءت لتمضي في طريقها لا تتأثر بأهواء البشر . وجاءت لتهيمن فتحقق العدالة في الأرض . وجاءت لتوحد الطريق إلى الله كما هو في حقيقته موحد على مدى الرسالات .
استقم : اثبت على الدعاء كما أوحى إليك .
من كتاب : صدّقت بجميع الكتب المنزلة .
لا حجة بيننا وبينكم : لا محاجة ولا خصومة .
15- { فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ولا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير } .
اشتملت هذه الآية الكريمة على عشر كلمات مستقلات ، كل منها منفصلة عن التي قبلها ، قالوا : ولا نظير لها سوى آية الكرسي ، فإنها أيضا عشرة فصول كهذه . اه .
لقد بينت الآيات السابقة اختلاف أهل الكتاب وتفرقهم وشكهم المريب في بقايا الكتب المنزلة .
وتأتي هذه الآية لتوضح للنبي الأمي أن الله قد اختاره على فترة من الرسل ليحمل للبشرية دعوته الجديدة مشتملة على أصول الإيمان والإصلاح واليسر والعدل والإحسان .
{ فلذلك فادع واستقم كما أمرت . . . }
من أجل تفرق أهل الكاتب أو المشركين أمرناك أن تدعو الناس إلى الديانة الجديدة – وهي الإسلام – مستقيما على الجادة كما أمرك الله تعالى .
{ ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب . . . } وهذه الديانة الجديدة تستعلي على أهواء الحاسدين ، إنها تؤمن بالكتب السابقة وبالرسل السابقين ، وهذه الديانة الجديدة مهيمنة على الرسالات السابقة ، والقرآن مهيمن على التوراة والإنجيل ، يوضح ما فيهما من حق ، ويرشد إلى الدخيل عليهما ، ويلاحظ أن السورة مكية ، وهذه الآية تفيد عالمية الدعوة الإسلامية ، وهيمنتها وعدالة أحكامها .
{ وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم . . . }
إذا احتكمتم إلي فسوف أحكم بالعدل والقسط .
قال تعالى : { وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين } . ( المائدة : 42 ) .
الأديان كلها من عند الله ، وهي ناموس من نواميس الحياة ، وكما يخضع الكون والليل والنهار والسماء والأرض والشمس والقمر لأمر الله ، كذلك الأديان السماوية كلها من عند الله : الإبراهيمية ، واليهودية ، والمسيحية ، والإسلام . كلها وكتبها ورسلها وأحكامها نازلة من عند الله تعالى ، ولكل ملة شرعة ومنهاج ، وسيجازي كل فريق بما عمل .
{ لنا أعمالنا ولكم أعمالكم . . . }
فنحن لا نستفيد بحسناتكم ، ولا نتضرر بسيئاتكم ، وسيلقى كل عامل جزاء عمله .
لا محاجة ولا خصومة ولا جدال بيننا وبينكم ، فقد وضح الصبح لذى عينين ، فليأخذ كل إنسان طريقه وليتحمل تبعة عمله ، وسيأتي الوقت الذي يستبين فيه الحق ، ويتضح فيه سبيل الرشاد .
{ الله يجمع بيننا وإليه المصير } .
هناك يوم آخر هو يوم الجمع ، يجمع الله فيه الأوليين والآخرين ، ويصدر الحكم لكل فريق بما يستحقه ، والمرجع والمصير إلى الله تعالى .
قال سبحانه : { قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون } . ( الزمر : 46 ) .
والغرض أن الحق قد ظهر ، والحجج قد قامت ، فلم يبق إلا العناد ، وبعد العناد لا حجة ولا جدل ، والله يفصل بين الخلائق يوم الميعاد ، ويجازي كلا بعمله . اه .
استقمْ : اثبتْ وثابر على دعوتك .
لا حجة بيننا : لا خصومة ولا جدال .
بعد أن أمر الله تعالى بالوحدة في الدين وعدم التفرق ، أمر رسوله الكريم هنا بالدعوة إلى الاتّفاق على الملة الحنيفية والثبات عليها . . فلأجل وحدة الدين وعدم التفرق فيه ادعُهم يا محمد إلى الاتفاق والائتلاف ، وثابرْ على تلك الدعوة كما أمرك الله ، ولا تتّبع أهواء المشركين . وقل : آمنتُ بجميع الكتب التي أنزلها الله على رسله ، وقد أمرني الله بإقامة العدل بين الناس ، فهو ربّ هذا الكون ، وكلّ امرئ مسئولٌ عن عمله ، لا جدال بيننا وبينكم ، فقد وضَحَ الحقّ ، والله يجمع بيننا للفصل والعدل ، وإليه المرجع والمآل .
{ فَلِذَلِكَ فَادْعُ } أي : فللدين القويم والصراط المستقيم ، الذي أنزل الله به كتبه وأرسل رسله ، فادع إليه أمتك وحضهم عليه ، وجاهد عليه ، من لم يقبله ، { وَاسْتَقِمْ } بنفسك { كَمَا أُمِرْتَ } أي : استقامة موافقة لأمر الله ، لا تفريط ولا إفراط ، بل امتثالا لأوامر الله واجتنابا لنواهيه ، على وجه الاستمرار على ذلك ، فأمره بتكميل نفسه بلزوم الاستقامة ، وبتكميل غيره بالدعوة إلى ذلك .
ومن المعلوم أن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أمر لأمته إذا لم يرد تخصيص له .
{ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ } أي : أهواء المنحرفين عن الدين ، من الكفرة والمنافقين إما باتباعهم على بعض دينهم ، أو بترك الدعوة إلى الله ، أو بترك الاستقامة ، فإنك إن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين ، ولم يقل : " ولا تتبع دينهم " لأن حقيقة دينهم الذي شرعه الله لهم ، هو دين الرسل كلهم ، ولكنهم لم يتبعوه ، بل اتبعوا أهواءهم ، واتخذوا دينهم لهوا ولعبا .
{ وَقُلْ } لهم عند جدالهم ومناظرتهم : { آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ } أي : لتكن مناظرتك لهم مبنية على هذا الأصل العظيم ، الدال على شرف الإسلام وجلالته وهيمنته على سائر الأديان ، وأن الدين الذي يزعم أهل الكتاب أنهم عليه جزء من الإسلام ، وفي هذا إرشاد إلى أن أهل الكتاب إن ناظروا مناظرة مبنية على الإيمان ببعض الكتب ، أو ببعض الرسل دون غيره ، فلا يسلم لهم ذلك ، لأن الكتاب الذي يدعون إليه ، والرسول الذي ينتسبون إليه ، من شرطه أن يكون مصدقا بهذا القرآن وبمن جاء به ، فكتابنا ورسولنا لم يأمرنا إلا بالإيمان بموسى وعيسى والتوراة والإنجيل ، التي أخبر بها وصدق بها ، وأخبر أنها مصدقة له ومقرة بصحته .
وأما مجرد التوراة والإنجيل ، وموسى وعيسى ، الذين لم يوصفوا لنا ، ولم يوافقوا لكتابنا ، فلم يأمرنا بالإيمان بهم .
وقوله : { وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ } أي : في الحكم فيما اختلفتم فيه ، فلا تمنعني عداوتكم وبغضكم ، يا أهل الكتاب من العدل بينكم ، ومن العدل في الحكم ، بين أهل الأقوال المختلفة ، من أهل الكتاب وغيرهم ، أن يقبل ما معهم من الحق ، ويرد ما معهم من الباطل ، { اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ } أي : هو رب الجميع ، لستم بأحق به منا . { لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } من خير وشر { لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ } أي : بعد ما تبينت الحقائق ، واتضح الحق من الباطل ، والهدى من الضلال ، لم يبق للجدال والمنازعة محل ، لأن المقصود من الجدال ، إنما هو بيان الحق من الباطل ، ليهتدي الراشد ، ولتقوم الحجة على الغاوي ، وليس المراد بهذا أن أهل الكتاب لا يجادلون ، كيف والله يقول : { وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } وإنما المراد ما ذكرنا .
{ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ } يوم القيامة ، فيجزي كلا بعمله ، ويتبين حينئذ الصادق من الكاذب .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{فلذلك فادع} يعني إلى التوحيد، يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: ادع أهل الكتاب إلى معرفة ربك، إلى هذا التوحيد.
{واستقم}: وامض، {كما أمرت} بالتوحيد، كقوله في الزمر: {فاعبد الله} [الزمر:2]
{ولا تتبع أهواءهم} في ترك الدعاء، وذلك حين دعاه أهل الكتاب إلى دينهم.
{وقل} لأهل الكتاب: {آمنت}: صدقت، {بما أنزل الله من كتاب} يعني القرآن، والتوراة، والإنجيل، والزبور.
{وأمرت لأعدل بينكم} بين أهل الكتاب في القول، يقول: أعدل بما آتاني الله في كتابه، والعدل أنه دعاهم إلى دينه.
{الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكن أعمالكم}: لنا ديننا الذي نحن عليه، ولكم دينكم الذي أنتم عليه.
{لا حجة}: لا خصومة، {بيننا وبينكم} في الدين، يعني أهل الكتاب، نسختها آية القتال في براءة.
{الله يجمع بيننا} في الآخرة، فيجازينا بأعمالنا، ويجازيكم، {وإليه المصير}...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: فإلى ذلك الدين الذي شَرَع لكم، ووصّى به نوحا، وأوحاه إليك يا محمد، فادع عباد الله، واستقم على العمل به، ولا تزغ عنه، واثبت عليه كما أمرك ربك بالاستقامة...
وقوله:"وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ" يقول تعالى ذكره: ولا تتبع يا محمد أهواء الذين شكُّوا في الحقّ الذي شرعه الله لكم من الذين أورثوا الكتاب من بعد القرون الماضية قبلهم، فتشك فيه، كالذي شكوا فيه.
يقول تعالى ذكره: وقل لهم يا محمد: صدّقت بما أنزل الله من كتاب كائنا ما كان ذلك الكتاب، توراة كان أو إنجيلا أو زبورا أو صحف إبراهيم، لا أكذب بشيء من ذلك تكذيبكم ببعضه معشر الأحزاب، وتصديقكم ببعض.
وقوله: "وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ "يقول تعالى ذكره: وقل لهم يا محمد: وأمرني ربي أن أعدل بينكم معشر الأحزاب، فأسير فيكم جميعا بالحق الذي أمرني به وبعثني بالدعاء إليه...
وقوله: "اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ" يقول: الله مالكنا ومالكم معشر الأحزاب من أهل الكتابين التوراة والإنجيل.
يقول: لنا ثواب ما اكتسبناه من الأعمال، ولكم ثواب ما اكتسبتم منها.
وقوله: "لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ" يقول: لا خصومة بيننا وبينكم... وقوله: "اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا" يقول: الله يجمع بيننا يوم القيامة، فيقضي بيننا بالحقّ فيما اختلفنا فيه. "وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ" يقول: وإليه المعاد والمرجع بعد مماتنا.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
اختُلف في قوله: {فلذلك فادع واستقم} قيل: فلذلك وعد أن ينزل عليك، فادعُ. وقال بعضهم: أي وإلى ذلك الكتاب فادع.
{واستقِم كما أمرت} دليل على أنه كان قد سبق له الأمر بالاستقامة، ثم يحتمل ما ذكر من الاستقامة التي أمر بها، هو تبليغ الرسالة إليهم.
ويحتمل الاستقامة في التوحيد له ودعاء الخلق إليه.
{لنا أعمالنا ولكم أعمالكم} هذا يخرّج على وجهين:
أحدهما: على المنابذة كقوله: {لكم دينكم ولي دين} [الكافرون: 6] وإنما يُقال هذا بعد ما تبلغ الحُجج غايتها، والحِجاج نهايته، فلم ينجع ذلك فيهم، وأيِس منهم.
والثاني: إنا لا نُؤاخَذ بأعمالكم، ولا أنتم تُؤاخَذون بأعمالنا [كقوله تعالى] {فإنما عليه ما حُمّل وعليكم ما حُمّلتم} [النور: 54] ونحوه.
{لا حجة بيننا وبينكم} يحتمل {لا حجّة بيننا وبينكم} أي لا حجّة بقيت في ما ادّعيتُ ودعوتُكم إليه إلا وقد أقمتُها عليكم، أي لم تبق حجة في ذلك إلا وقد أقمتُها.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
(لا حجة بيننا وبينكم) قيل: معناه إن الحجة لنا عليكم لظهورها، وليست بيننا بالاشتباه والالتباس.
وقيل: معناه لا حجة بيننا وبينكم لظهور أمركم في البغي علينا والعداوة لنا والمعاندة، لا على طريق الشبهة، وليس ذلك على جهة تحريم إقامة الحجة؛ لأنه لم يلزم قبول الدعوة إلا بالحجة التي يظهر بها الحق من الباطل؛ فإذا صار الإنسان إلى البغي والعداوة سقط الحجاج بينه وبين أهل الحق.
(الله يجمع بيننا يوم القيامة واليه المصير) أي المرجع حيث لا يملك أحد الحكم فيه ولا الأمر والنهي غيره، فيحكم بيننا بالحق، وفي ذلك غاية التهديد.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
خوطب عليه السلام بأمر الاستقامة، وقد كان مستقيماً، بمعنى: دم على استقامتك، وهكذا الشأن في كل مأمور بشيء هو متلبس به إنما معناه الدوام، وهذه الآية ونحوها كانت نصب عين النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت شديدة الموقع من نفسه، أعني قوله تعالى: {فاستقم كما أمرت} [هود: 112]؛ لأنها جملة تحتها جميع الطاعات وتكاليف النبوءة، وفي هذا المعنى قال عليه السلام: «شيبتني هود وأخواتها»، فقيل له: لم ذلك؟ فقال: لأن فيها {فاستقم كما أمرت} [هود: 112] وهذا الخطاب له عليه السلام بحسب قوته في أمر الله تعالى وقال هو لأمته بحسب ضعفهم استقيموا ولن تحصوا...
{وأمرت لأعدل بينكم} أي في الحكم إذا تخاصمتم فتحاكمتم إلي، قل القفال: معناه أن ربي أمرني أن لا أفرق بين نفسي وأنفسكم بأن آمركم بما لا أعمله، أو أخالفكم إلى ما نهيتكم عنه، لكني أسوي بينكم وبين نفسي، وكذلك أسوي بين أكابركم وأصاغركم فيما يتعلق بحكم الله...
وأعلم أنه ليس المراد من قوله {لا حجة بيننا وبينكم} تحريم ما يجري مجرى محاجتهم، ويدل عليه وجوه:
(الأول) أن هذا الكلام مذكور في معرض المحاجة، فلو كان المقصود من هذه الآية تحريم المحاجة، لزم كونها محرمة لنفسها وهو متناقض.
(والثاني) أنه لولا الأدلة لما توجه التكليف...
(الثالث) أن الدليل يفيد العلم وذلك لا يمكن تحريمه بل المراد أن القوم عرفوا بالحجة صدق محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما تركوا تصديقه بغيا وعنادا، فبين تعالى أنه قد حصل الاستغناء عن محاجتهم؛ لأنهم عرفوا بالحجة صدقه فلا حاجة معهم إلى المحاجة البتة، ومما يقوي قولنا: أنه لا يجوز تحريم المحاجة، قوله {وجادلهم بالتي هي أحسن} وقوله تعالى: {ادع إلى سبيل ربك}...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان الداعي لغيره لا ينفع دعاءه لذلك الغير ما لم ينفع نفسه، قال: {واستقم} {ولا تتبع} أي تعمداً {أهواءهم} في شيء ما، فإن الهوى لا يدعو إلى خير، والمقصود من كل أحد أن يفعل ما أمر به لأجل أنه أمر به لا لأجل أنه يهواه...
{وأمرت} أي ممن له الأمر كله بما أمرني به مما أنزل عليّ...
{لنا أعمالنا} خاصة بنا لا تعدونا إلى غيرنا.
{ولكم أعمالكم} خاصة بكم لا تعدوكم إلى غيركم...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
أمره بتكميل نفسه بلزوم الاستقامة، وبتكميل غيره بالدعوة إلى ذلك...
{وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} أي: أهواء المنحرفين عن الدين، من الكفرة والمنافقين إما باتباعهم على بعض دينهم، أو بترك الدعوة إلى الله، أو بترك الاستقامة، فإنك إن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين.
ولم يقل:"ولا تتبع دينهم"؛ لأن حقيقة دينهم الذي شرعه الله لهم، هو دين الرسل كلهم، ولكنهم لم يتبعوه، بل اتبعوا أهواءهم، واتخذوا دينهم لهوا ولعبا...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
إنها القيادة الجديدة للبشرية جمعاء. القيادة الحازمة المستقيمة على نهج واضح ويقين ثابت. تدعو إلى الله على بصيرة. وتستقيم على أمر الله دون انحراف. وتنأى عن الأهواء المضطربة المتناوحة من هنا وهناك. القيادة التي تعلن وحدة الرسالة ووحدة الكتاب ووحدة النهج والطريق. والتي ترد الإيمان إلى أصله الثابت الواحد، وترد البشرية كلها إلى ذلك الأصل الواحد: (وقل: آمنت بما أنزل الله من كتاب).. ثم هو الاستعلاء والهيمنة بالحق والعدل. (وأمرت لأعدل بينكم).. فهي قيادة ذات سلطان، تعلن العدل في الأرض بين الجميع. [هذا والدعوة بعد في مكة محصورة بين شعابها مضطهدة هي وأصحابها. ولكن طبيعتها المهيمنة الشاملة تبدو واضحة]. وتعلن الربوبية الواحدة: (الله ربنا وربكم).. وتعلن فردية التبعة: (لنا أعمالنا ولكم أعمالكم).. وتعلن إنهاء الجدل بالقول الفصل: (لا حجة بيننا وبينكم).. وتكل الأمر كله إلى الله صاحب الأمر الأخير: (الله يجمع بيننا وإليه المصير).. وتكشف هذه الآية الواحدة عن طبيعة هذه الرسالة الأخيرة، في مقاطعها القصيرة الفاصلة على هذا النحو الجامع الحازم الدقيق. فهي رسالة جاءت لتمضي في طريقها لا تتأثر بأهواء البشر. وجاءت لتهيمن فتحقق العدالة في الأرض. وجاءت لتوحد الطريق إلى الله كما هو في حقيقته موحد على مدى الرسالات...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
الاستقامة: الاعتدال، والسين والتاء فيها للمبالغة مثل: أجاب واستجاب. والمراد هنا الاعتدال المجازي وهو اعتدال الأمور النفسانية من التقوى ومكارم الأخلاق، وإنّما أُمر بالاستقامة، أي الدوام عليها، للإشارة إلى أن كمال الدعوة إلى الحق لا يحصل إلا إذا كان الداعي مستقيماً في نفسه...
وضمير {أهواءهم} للذين ذكروا من قبل من المشركين والذين أوتوا الكتاب، والمقصود: نهي المسلمين عن ذلك من باب {لَئن أشركتَ ليحبَطَنَّ عَمَلُك} [الزمر: 65] ألا ترى إلى قوله: {فاستقم كما أمرت ومن تاب معك} في سورة هود (112). ويجوز أن يكون معنى {ولاَ تتبع أهواءَهم} لا تجارِهم في معاملتهم، أي لا يحملك طعنهم في دعوتك على عدم ذكر فضائل رُسلهم وهدي كتبهم عدا ما بدَّلوه منها فأعْلِن بأنك مؤمن بكتبهم، ولذلك عطف على قوله: {ولا تتبع أهواءهم}...
وفي هذه الآية مع كونها نازلة في مكة في زمن ضعف المسلمين إعجاز بالغيب يدل على أن الرّسول صلى الله عليه وسلم سيكون له الحكم على يهود بلاد العرب مثل أهل خيبر وتيماءَ وقُريظة والنضِير وبني قَيْنُقَاع، وقد عَدَل فيهم وأقرهم على أمرهم حتى ظاهروا عليه الأحزاب كما تقدم في سورة الأحزاب...
وجملة {لنا أعمالنا ولكم أعمالكم} دعوةُ إنصاف، أي أن الله يجازي كُلاً بعمله...
. {لا حجة بيننا وبينكم}... ونفيُ الحجة نفي جنس يجوز أن يكون كناية عن نفي المجادلة التي من شأنها وقوع الاحتجاج كناية عن عدم التصدّي لخصومتهم؛ فيكون المعنى الامساكُ عن مجادلتهم؛ لأن الحق ظهر وهم مكابرون فيه، وهذا تعريض بأن الجدال معهم ليس بذي جدوَى.
ويجوز أن يكون المنفي جنسَ الحجة المفيدةِ، بمعونة القرينة مثل: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب. والمعنى: أن الاستمرار على الاحتجاج عليهم بعد ما أظهر لهم من الأدلة يكون من العبث... وأيّاً مّا كان فليس هذا النفي مستعملاً في النهي عن التصدّي للاحتجاج عليهم فقد حاجّهم القرآن في آيات كثيرة نزلت بعدَ هذه وحاجّهم النبي صلى الله عليه وسلم في قضية الرجم وقد قال الله تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن} [العنكبوت: 46] فالاستثناء صريح في مشروعية مجادلتهم...
وليس في صيغ هذه الجمل ما يقتضي دوام المتاركة إذ ليس فيها ما يقتضي عموم الأزمنة فليس الأمر بقتال بعضهم بعد يوم الأحزاب ناسخاً لهذه الآية
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
لعل جملة «كما أمرت» إشارة إلى المرحلة العالية من الاستقامة، أو إلى أن الاستقامة يجب أن تكون من حيث الكمية والكيفية والزمن والخصوصيات الأُخرى مطابقة للقانون الإلهي. وبما أن أهواء الناس تعتبر من الموانع الكبيرة في هذا الطريق، لذا تقول الآية في ثالث أمر لها: (ولا تتبع أهواءهم)؛ لأن كلّ مجموعة ستدعوك إلى أهوائها ومصالحها الشخصية، تلك الدعوة التي يكون مصيرها الفرقة والاختلاف والنفاق، فعليك القضاء على هذه الأهواء، وجمع الكل في ظل الدين الإلهي الواحد. وبما أن لكل دعوة نقطة بداية، لذا فإن نقطة البداية هي شخص الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث تقول الآية في رابع أمر لها: (وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب). فأنا لا أفرّق بين الكتب السماوية، اعترف بها جميعاً، وكلها تدعو إلى التوحيد والمعارف الدينية الطاهرة والتقوى والحق والعدالة، وفي الحقيقة فإن ديني جامع لها ومكملها. فأنا لستُ مثل أهل الكتاب حيث يقوم كلّ واحد بإلغاء الأخرين، فاليهود يلغون المسيحيين، والمسيحيون يلغون اليهود، وحتى أن أتباع كلّ دين أيضاً يقبلون ما يتلاءم مع حاجاتهم ورغباتهم من كتبهم الدينية، فانا أقبل بالكل لأن الكل له أصول أساسية واحدة. وبما أن رعاية أصل العدالة ضروري لإيجاد الوحدة، لذا فإن الآية تطرح ذلك في خامس أمر لها فتقول: (وأمرت لأعدل بينكم)، سواء في القضاء والحكم، أو في الحقوق الاجتماعية والقضايا الأُخرى.
وبهذا الشكل فإنّ الآية التي نبحثها مؤلفة من خمس تعليمات مهمّة، حيث تبداً من أصل الدعوة، ثمّ تطرح وسيلة انتشارها يعني الاستقامة ثمّ تشير إلى الموانع في الطريق كعبادة الأهواء ثمّ تبين نقطة البداية التي تبدأ من النفس، وأخيراً الهدف النهائي والذي هو توسيع وتعميم العدالة. بعد هذه التعليمات الخمس، تشير إلى المشتركات بين الأقوام والتي تتلخص بخمس فقرات، حيث تقول: (الله ربّنا وربّكم) وكل واحد مسؤول عن أعماله (لنا أعمالنا ولكم أعمالكم). (لا حجّة بيننا وبينكم) وليس بيننا نزاع وخصومة، ولا امتياز لأحدنا على الآخر وليست لدينا أغراض شخصية اتجاهكم. وعادة لا توجد حاجة إلى الاستدلال والاحتجاج، لأن الحق واضح، إضافة إلى ذلك فإننا جميعاً سوف نجتمع في مكان واحد: (الله يجمع بيننا). والذي سوف يقضي بيننا في ذلك اليوم هو الأحد الذي: (وإليه المصير). وعلى هذا الأساس فإنّ إلهنا واحد، ونهايتنا ستكون في مكان واحد، والقاضي الذي إليه المصير واحد، وبالرغم من كلّ هذا فإننا مسؤولون جميعاً حيال أعمالنا، وليس هناك فرق لإنسان على آخر إلاّ بالإيمان والعمل الصالح...
ولما ثبت بهذا زيغهم عن أوامر الكتاب الآتي من الله ، سبب عنه أمره صلى الله عليه وسلم بإبلاغ الناس ما ينفعهم عن رسالة ربه الذي أنزل تلك الكتب في آية واحدة مفصلة بعشر كلمات في كل كلمة منها حكم برأسه ، قالوا : ولا نظير لها إلا آية الكرسي فإنها عشرة أصول كل أصل منها مستقل برأسه فقال مسبباً عن حالهم الاجتهاد في إزالتها والعمل بضدها : { فلذلك } أي لهذا الوحي العلي الرتبة الذي وصينا بمقاصده جميع الرسل أصحاب الشرائع الكبار من أولي العزم وغيرهم ، أو لذلك التصرف المباعد للصواب والشك في أمر الكتاب .
ولما كان سياق الدعوة للخلق إلى ما أوحى إليه فأنزل عليه ، قدم قوله : { فادع } إلى من أرسلك الله به من الاتفاق على ما أمر به الإله من الاجتماع على الملة الحنيفية . ولما كان الداعي لغيره لا ينفع دعاءه لذلك الغير ما لم ينفع نفسه ، قال : { واستقم } أي اطلب القوم من ربك على مشاق الدعوة ليعينك عليه وأوجده على ما يدعو إليه كتابه مما تدعو إليه ويجب عليه { كما أمرت } ممن لا أمر لغيره في تفاصيل الدعاء من اللين والغلظة والتوسط وغير ذلك من تحديث الناس بما تحتمل عقولهم وتربيتهم على حسب ما ينفعهم .
ولما كان كل ما خالف كتابنا هوى ، وكل ما خالف كتابنا فهو على مجرد الهوى ، قال : { ولا تتبع } أي تعمداً { أهواءهم } في شيء ما ، فإن الهوى لا يدعو إلى خير ، والمقصود من كل أحد أن يفعل ما أمر به لأجل أنه أمر به لا لأجل أنه يهواه .
ولما كانوا قد تفرقوا في الكتاب وشكوا فآمنوا ببعض وكفروا ببعض ، أمره بما يخالف حالهم فقال : { وقل } أي لجميع أهل الفرق ، وكل من يمكن له القول فإنك أرسلت إلى جميع الخلق : { آمنت بما } أي بكل شيء . ولما كان أكمل الناس إيماناً أكثرهم استحضاراً لأوصاف الكمال من الجلال والجمال ، صرف القول إلى الاسم الأعظم إشارة إلى سلوك أعلى المسالك في ذلك فقال : { أنزل الله } أي الذي له العظمة الكاملة { من كتاب } لا أفرق بين شيء من كتبه ولا أحد من رسله ، بل كل كتاب ثبت أنه نزل على رسول ثبتت رسالته بالمعجزة فأنا به مؤمن وإليه داعٍ كما اقتضاه كمال القوة النظرية ، قال أبو علي القالي في ذيل الأمالي : حدثنا أبو بكر - هو ابن الأنباري - حدثنا أبو جعفر محمد بن عثمان حدثنا صحاب بن الحارث أنا بشر بن عمارة عن محمد بن سوقة قال : أتى علياً رضي الله عنه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ما الإيمان أو كيف الإيمان ؟ قال : الإيمان على أربع دعائم : على الصبر واليقين والعدل والجهاد ، والصبر على أربع شعب : على الشوق والشفق والزهادة والترقب ، فمن اشتاق إلى الجنة سلى عن الشهوات ، ومن أشفق من النار رجع عن الحرمات ، ومن زهد في الدنيا تهاون بالمصيبات ، ومن ارتقب الموت سارع إلى الخيرات ، واليقين على أربع شعاب : تبصرة الفطنة وتاويل الحكمة وموعظة العبرة وسنة الأولين ، فمن تبصر الفطنة تأول الحكمة ، ومن تأول الحكمة عرف العبرة ، ومن عرف العبرة عرف السنة ، ومن عرف السنة فكأنما كان في الأولين ، والعدل على أربع شعب : على غائص الفهم وزهرة الحلم وروضة العلم وشرائع الحكم ، فمن فهم جمع العلم ، ومن حلم لم يضل في الحكم ، ومن علم عرف شرائع الحكم ، ومن حلم لم يفرط أمره ، وعاش في الناس . والجهاد على أربع شعب : على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدق في المواطن وشنآن الفاسقين ، فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمنين ، ومن نهى عن المنكر أرغم آناف الفاسقين ، ومن صدق في المواطن فقد قضى الذي عليه ، ومن شنئ المنافقين غضب لله وغضب الله له فأزلفه وأعلى مقامه ، قال : فقام الرجل فقبل رأسه .
ولما أخبر بالعدل في القوة النظرية ، أتبعه ذلك في القوة العملية فقال : { وأمرت } أي ممن له الأمر كله بما أمرني به مما أنزل عليّ { لأعدل } أي لأجل أن أعدل { بينكم } أيها المفرّقون في الأديان من العرب والعجم من الجن والإنس كما دعا إليه كمال القوة العملية ، ثم علل ذلك بقوله : { الله } أي الذي له الملك كله { ربنا وربكم } أي موجدنا ومتولي جميع أمورنا ، فلهذا أمرنا بالعدل على سبيل العموم لأن الكل عباده .
ولما كان الرب واحداً ، انتج عنه قوله : { لنا أعمالنا } خاصة بنا لا تعدونا إلى غيرنا { ولكم أعمالكم } خاصة بكم لا تعدوكم إلى غيركم ، لأنه لا داعي لأن نأخذ عمل بعضنا فنعطيه لغيره ، لأن ذلك لا يفعله إلا ذو غرض ، وهو سبحانه محيط بصفات الكمال ، فهو منزه عن الأغراض ، ولما وصل بتمام هذه الجملة في إزالة الريب وإثبات الحق إلى ما هو كالشمس لثبوت الرسالة بالمعجزات وإعجاز هذا الكتاب وتصادقه مع ما عند أهل الكتاب ، وبيان هاتين المقدمتين اللتين لا نزاع بين أحد من الخلق فيهما كانت نتيجة ذلك : { لا حجة } أي موجودة بمحاجة أحد منا لصاحبه { بيننا وبينكم } لأن الأمر وصل إلى الانكشاف التام فلا فائدة بعده للمحاجة فما بقي إلا المجادلة بالسيوف ، وإدارة كؤوس الحتوف ، لأنا نعلم بإعلام الله لنا في كتابه الذي دلنا إعجازه للخلائق على أنه كلامه ، فنحن نسمعه لذلك منه أنا على محض الحق وأنكم على محض الباطل ، وقد أعذرنا إليكم وأوصلنا ببراهينه إلى المشاهدة فلم يبق إلا السيف عملاً بفضيلة الشجاعة .
ولما كان هذا موضع أن يقال : أفما تخافون الله فيمن تقاتلونه وهو عباده ، أجاب بقوله مظهراً غير مضمر تعظيماً للأمر : { الله } أي الذي هو أحكم الحاكمين { يجمع بيننا } أي نحن وأنتم على دين واحد أراد فلا يكون قتال ، وفي الآخرة على كل حال { فهو يحكم بيننا }{ وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون }[ الشعراء : 227 ] فما أقدمنا على القتال إلا عن بصيرة .
ولما كان الجامع بين ناس قد يكون مآلهم إلى غيره ، بين أن الأمر فيه على غير ذلك ، فقال عاطفاً على ما تقديره : فمنه كان المبدأ : { وإليه } أي لا إلى غيره من حيث هذا الاسم الجامع لجميع الصفات { المصير * } حساً ومعنى لتمام عزته وشمول عظمته وكمال رحمته ، وما كان فيما بين المبدأ والمعاد من الأمور التي كانت بحيث يظن أنها خارجة - لتصرف الغير فيها - إنما كانت ابتلاء منه يقيم بها الحجة على العباد على ما يتعارفونه بينهم ، وما كان المتصرف فيها غيره فتصرفهم إنما كان أمراً طارئاً يصحح عليهم الحجة ويلزمهم الحجة .