ثم يأخذ في مشهد من مشاهد القيامة يبدأ بالنفخة الأولى ، وينتهي بانتهاء الموقف ، وسوق أهل النار إلى النار . وأهل الجنة إلى الجنة . وتفرد الله ذي الجلال . وتوجه الوجود لذاته بالتسبيح والتحميد .
وهو مشهد رائع حافل ، يبدأ متحركاً ، ثم يسير وئيداً ، حتى تهدأ كل حركة ، وتسكن كل نأمة ، ويخيم على ساحة العرض جلال الصمت ، ورهبة الخشوع ، بين يدي الله الواحد القهار !
ها هي ذي الصيحة الأولى تنبعث ، فيصعق من يكون باقياً على ظهر الأرض من الأحياء ، ومن في السماوات كذلك - إلا من شاء الله - ولا نعلم كم يمضي من الوقت حتى تنبعث الصيحة الثانية :
( ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله . ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ) . .
ولا تذكر الصيحة الثالثة هنا . صيحة الحشر والتجميع . ولا تصور ضجة الحشر وعجيج الزحام . لأن هذا المشهد يرسم هنا في هدوء ، ويتحرك في سكون .
الصور : القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل .
ينظرون : ينتظرون ماذا يفعل بهم .
68-{ ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون } .
تعرض الآية مشاهد القيامة ، وقد ورد في الأحاديث الصحيحة أن من علامات الساعة ظهور المسيخ الدجال ، ثم ظهور المسيح عيسى ابن مريم ، فيقتل المسيخ بإذن الله ، ثم يسود الوئام بين الناس سبعين سنة ، ليس بين اثنين عداوة ، ثم يرسل الله ريحا طيبة تنزع أرواح المؤمنين الصالحين ، ولا تقوم القيامة إلا على لكع ابن لكع ، أي لئيم بن لئيم .
وقد تحدث القرآن أن هناك ثلاث صيحات ، الأولى صيحة الفزع ، والثانية صيحة الصعق والموت ، حيث يموت الناس جميعا ، ويكون ملك الموت آخر من يموت ، ويمكث الناس بعد نفخة الصعق أربعين سنة ، وينفرد الحي القيوم الذي كان أولا ، وهو الباقي آخرا . ويقول : { لمن الملك اليوم . . . } ثم يجيب نفسه فيقول : { لله الواحد القهار } . ( غافر : 16 ) .
ثم يُحيى الله أول من يُحيى إسرافيل ، ويأمره أن ينفخ في الصور نفخة أخرى ، وهي نفخة البعث {[613]} ، قال تعالى : { ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون } .
أي : ينفخ إسرافيل بعد أن يحييه الله تعالى قبل الخلائق ، فينفخ نفخة أخرى وهي نفخة البعث والإحياء ، فإذا جميع الخلائق الأموات يقومون من القبور ينظرون أهوال يوم القيامة .
قال تعالى : { فإنما هي زجرة واحدة * فإذا هم بالساهرة } . ( النازعات : 13 ، 14 ) .
وقال سبحانه : { ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون } . ( الروم : 25 ) .
وقال تعالى : { يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا } . ( الإسراء : 52 ) .
يَنظرون : ينتظرون ماذا يفعل بهم .
في هذه الآية والتي بعدها تصوير حيّ لمشهد يوم القيامة وما فيه من حساب وجزاءه ، وهو يبدأ بالنفخ في الصور ( وهو بوق لا ندري كيف شكله ) فيصعق جميع من في السموات والأرض إلا من أراد الله أن يؤخرهم إلى وقت آخر ، ثم ينفخ فيه مرة أخرى فإذا الجميع قائمون من قبورهم ينتظرون ما يُفعل بهم .
{ 68 - 70 } { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ }
لما خوفهم تعالى من عظمته ، خوفهم بأحوال يوم القيامة ، ورغَّبهم ورهَّبهم فقال : { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ } وهو قرن عظيم ، لا يعلم عظمته إلا خالقه ، ومن أطلعه اللّه على علمه من خلقه ، . فينفخ فيه إسرافيل عليه السلام ، . أحد الملائكة المقربين ، وأحد حملة عرش الرحمن .
{ فَصَعِقَ } أي : غشي أو مات ، على اختلاف القولين : { مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ } أي : كلهم ، لما سمعوا نفخة الصور أزعجتهم من شدتها وعظمها ، وما يعلمون أنها مقدمة له . { إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ } ممن ثبته اللّه عند النفخة ، فلم يصعق ، كالشهداء أو بعضهم ، وغيرهم . وهذه النفخة الأولى ، نفخة الصعق ، ونفخة الفزع .
{ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ } النفخة الثانية نفخة البعث { فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ ينظرون } أي : قد قاموا من قبورهم لبعثهم وحسابهم ، قد تمت منهم الخلقة الجسدية والأرواح ، وشخصت أبصارهم { يَنْظُرُونَ } ماذا يفعل اللّه بهم .
{ ونفخ في الصور } هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل وهذه النفخة نفخة الصعق وهو الموت وقد قيل : إن قبلها نفخة الفزع ولم تذكر في هذه الآية .
{ إلا من شاء الله } قيل : يعني جبريل وإسرافيل وميكائيل وملك الموت ثم يميتهم الله بعد ذلك وقيل : استثناء الأنبياء وقيل : الشهداء .
{ ثم نفخ فيه أخرى } هي نفخة القيام .
{ قيام ينظرون } قيل : إنه من النظر وقيل : من الانتظار أي : ينتظرون ما يفعل بهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.