في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ فِيكُمۡ رَسُولَ ٱللَّهِۚ لَوۡ يُطِيعُكُمۡ فِي كَثِيرٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ لَعَنِتُّمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِي قُلُوبِكُمۡ وَكَرَّهَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡيَانَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلرَّـٰشِدُونَ} (7)

ويبدو أنه كان من بعض المسلمين اندفاع عند الخبر الأول الذي نقله الوليد بن عقبة ، وإشارة على النبي [ صلى الله عليه وسلم ] أن يعجل بعقابهم . وذلك حمية من هذا الفريق لدين الله وغضبا لمنع الزكاة . فجاءت الآية التالية تذكرهم بالحقيقة الضخمة والنعمة الكبيرة التي تعيش بينهم ليدركوا قيمتها وينتبهوا دائما لوجودها :

( واعلموا أن فيكم رسول الله ) . .

وهي حقيقة تتصور بسهولة لأنها وقعت ووجدت . ولكنها عند التدبر تبدوا هائلة لا تكاد تتصور ! وهل من اليسير أن يتصور الإنسان أن تتصل السماء بالأرض صلة دائمة حية مشهودة ؛ فتقول السماء للأرض ؛ وتخبر أهلها عن حالهم وجهرهم وسرهم ، وتقوم خطاهم أولا بأول ، وتشير عليهم في خاصة أنفسهم وشؤونهم . ويفعل أحدهم الفعلة ويقول أحدهم القولة ، ويسر أحدهم الخالجة ؛ فإذا السماء تطلع ، وإذا الله - جل جلاله - ينبئ رسوله بما وقع ، ويوجهه لما يفعل وما يقول في هذا الذي وقع . . إنه لأمر . وإنه لنبأ عظيم . وإنها لحقيقة هائلة . قد لا يحس بضخامتها من يجدها بين يديه . ومن ثم كان هذا التنبيه لوجودها بهذا الأسلوب : ( واعلموا أن فيكم رسول الله ) . . اعلموا هذا وقدروه حق قدره ، فهو أمر عظيم .

ومن مقتضيات العلم بهذا الأمر العظيم أن لا يقدموا بين يدي الله ورسوله . ولكنه يزيد هذا التوجيه إيضاحا وقوة ، وهو يخبرهم أن تدبير رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] لهم بوحي الله أو إلهامه فيه الخير لهم والرحمة واليسر . وأنه لو أطاعهم فيما يعن لهم أنه خير لعنتوا وشق عليهم الأمر . فالله أعرف منهم بما هو خير لهم ، ورسوله رحمة لهم فيما يدبر لهم ويختار :

( لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ) . .

وفي هذا إيحاء لهم بأن يتركوا أمرهم لله ورسوله ، وأن يدخلوا في السلم كافة ، ويستسلموا لقدر الله وتدبيره ، ويتلقوا عنه ولا يقترحوا عليه .

ثم يوجههم إلى نعمة الإيمان الذي هداهم إليه ، وحرك قلوبهم لحبه ، وكشف لهم عن جماله وفضله ، وعلق أرواحهم به ؛ وكره إليهم الكفر والفسوق والمعصية ، وكان هذا كله من رحمته وفيضه :

( ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم ؛ وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان . أولئك هم الراشدون . فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم ) . .

واختيار الله لفريق من عباده ، ليشرح صدورهم للإيمان ، ويحرك قلوبهم إليه ، ويزينه لهم فتهفو إليه أرواحهم ، وتدرك ما فيه من جمال وخير . . هذا الاختيار فضل من الله ونعمة ، دونها كل فضل وكل نعمة . حتى نعمة الوجود والحياة أصلا ، تبدو في حقيقتها أقل من نعمة الإيمان وأدنى ! وسيأتي قوله تعالى : ( بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان )فنفصل القول إن شاء الله في هذه المنة .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ فِيكُمۡ رَسُولَ ٱللَّهِۚ لَوۡ يُطِيعُكُمۡ فِي كَثِيرٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ لَعَنِتُّمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِي قُلُوبِكُمۡ وَكَرَّهَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡيَانَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلرَّـٰشِدُونَ} (7)

6

المفردات :

لعنتم : لأصابكم العنت ، وهو المشقة والإثم .

الكفر : تغطية نعم الله تعالى بالجحود لها .

الفسوق : الخروج عن الحد كما سبق .

العصيان : عدم الانقياد .

الراشدون : الرشاد : إصابة الحق ، وإتباع الطريق السوي مع تصلب فيه ، من الرشادة وهي الصخرة .

التفسير :

7- { وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ } .

واعلموا أيها الصحابة الكرام ، أن فيكم رسول الله محمدا صلى الله عليه وسلم ، الذي ختم الله به الرسالات ، وأوجب عليكم إتباعه ، وأوجب توقيره واحترامه ، وعدم التقدم عليه وعدم سبق حكمه .

وربما كان هناك من الصحابة من زين للرسول صلى الله عليه وسلم الهجوم على بني المصطلق وقتالهم ، بعد سماع كلام الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، فكان مضمون الآية مفيدا الرد عليهم ، منبها إلى وجوب التثبت وعدم التسرع ، ووجوب التأني في اقتراح ما ينبغي عمله ، والانتظار لما يشير به الرسول الحكيم صلى الله عليه وسلم .

{ لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم . . . }

والعنت الوقوع في الشدة والمهالك ، لو أن الرسول سارع بإطاعة من حبب إليه قتال بني المصطلق ، ونفذ الأمر ، ثم تبينتم الحقيقة لوقعتم في الحرج والشدة والضيق ، بسبب وجود قتلى وجرحى أبرياء .

والنحاة هنا يسمون ( لو ) حرف امتناع ، أي : بسبب عدم طاعة الرسول للمتسرعين ، لم تقعوا في الحرج والهلاك ، وكان هناك عدد من الصحابة لا يميلون إلى التسرع ، ويرون التثبت ، وهم الذين عناهم الله بقوله : { ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون } .

تأتي ( لكن ) للاستدراك ، أي مغايرة ما بعدها لما قبلها ، أي مع وجود بعض المتسرعين بينكم ، لكن الله تعالى حبب الإيمان إلى أكثركم ، وزين الإيمان في قلوبكم ، أي جعله محبوبا محترما معشوقا ، صالحا للفداء والتضحية ، كذلك كره إلى جملة الصحابة ، { الكفر } . وهو جحود نعمة الله ، { والفسوق } . وهو الخروج على أمر الله ، { والعصيان } . وهو مخالفة أمر الله أو أمر رسوله .

{ أولئك هم الراشدون } .

هؤلاء الأكثرية المهتدون المطيعون ، هم الذين منحهم الله الرشاد والهداية ، والتوفيق والتمسك بالإيمان ، وطاعة الله وطاعة رسوله .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ فِيكُمۡ رَسُولَ ٱللَّهِۚ لَوۡ يُطِيعُكُمۡ فِي كَثِيرٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ لَعَنِتُّمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِي قُلُوبِكُمۡ وَكَرَّهَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡيَانَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلرَّـٰشِدُونَ} (7)

{ 7-8 } { وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

أي : ليكن لديكم معلومًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بين أظهركم ، وهو الرسول الكريم ، البار ، الراشد ، الذي يريد بكم الخير وينصح لكم ، وتريدون لأنفسكم من الشر والمضرة ، ما لا يوافقكم الرسول عليه ، ولو يطيعكم في كثير من الأمر لشق عليكم وأعنتكم ، ولكن الرسول يرشدكم ، والله تعالى يحبب إليكم الإيمان ، ويزينه في قلوبكم ، بما أودع الله في قلوبكم من محبة الحق وإيثاره ، وبما ينصب على الحق من الشواهد ، والأدلة الدالة على صحته ، وقبول القلوب والفطر له ، وبما يفعله تعالى بكم ، من توفيقه للإنابة إليه ، ويكره إليكم الكفر والفسوق ، أي : الذنوب الكبار ، والعصيان : هي ما دون ذلك من الذنوب{[796]}  بما أودع في قلوبكم من كراهة الشر ، وعدم إرادة فعله ، وبما نصبه من الأدلة والشواهد على فساده ، وعدم قبول الفطر له ، وبما يجعله الله من الكراهة في القلوب له{[797]} .

{ أُولَئِكَ } أي : الذين زين الله الإيمان في قلوبهم ، وحببه إليهم ، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان { هُمُ الرَّاشِدُونَ } أي : الذين صلحت علومهم وأعمالهم ، واستقاموا على الدين القويم ، والصراط المستقيم .

وضدهم الغاوون ، الذين حبب إليهم الكفر والفسوق والعصيان ، وكره إليهم الإيمان ، والذنب ذنبهم ، فإنهم لما فسقوا طبع الله على قلوبهم ، ولما { زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } ولما لم يؤمنوا بالحق لما جاءهم أول مرة ، قلب الله أفئدتهم .


[796]:- في ب: أي: الذنوب الصغار.
[797]:- في ب: وبما يجعل الله في القلوب من الكراهة له.
 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ فِيكُمۡ رَسُولَ ٱللَّهِۚ لَوۡ يُطِيعُكُمۡ فِي كَثِيرٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ لَعَنِتُّمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِي قُلُوبِكُمۡ وَكَرَّهَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡيَانَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلرَّـٰشِدُونَ} (7)

{ واعلموا أن فيكم رسول الله } فلا تقولوا الباطل فان الله يخبره { لو يطيعكم في كثير من الأمر } لو أطاع مثل هذا المخبر الذي أخبره بما لا أصل له { لعنتم } لأثمتم ولهلكتم { ولكن الله حبب إليكم الإيمان } فأنتم تطيعون الله ورسوله فلا تقعون في العنت يعني بهذا المؤمنين المخلصين ثم أثنى عليهم فقال { أولئك هم الراشدون }

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ فِيكُمۡ رَسُولَ ٱللَّهِۚ لَوۡ يُطِيعُكُمۡ فِي كَثِيرٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ لَعَنِتُّمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِي قُلُوبِكُمۡ وَكَرَّهَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡيَانَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلرَّـٰشِدُونَ} (7)

قوله تعالى : " واعلموا أن فيكم رسول الله " فلا تكذبوا ، فإن الله يعلمه أنباءكم فتفتضحون . " لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم " أي لو تسارع إلى ما أردتم قبل وضوح الأمر لنالكم مشقة وإثم ، فإنه لو قتل القوم الذين سعى بهم الوليد بن عقبة إليه لكان خطأ ، ولعنت من أراد إيقاع الهلاك بأولئك القوم لعداوة كانت بينه وبينهم . ومعنى طاعة الرسول لهم : الإئتمار بما يأمر به فيما يبلغونه عن الناس والسماع منهم . والعنت الإثم ، يقال : عنت الرجل . والعنت أيضا الفجور والزنى ، كما في سورة " النساء " {[14072]} . والعنت أيضا الوقوع في أمر شاق ، وقد مضى في آخر " التوبة " القول في " عنتم " [ التوبة : 128 ] بأكثر من هذا{[14073]} . " ولكن الله حبب إليكم الإيمان " هذا خطاب للمؤمنين المخلصين الذين لا يكذبون النبي صلى الله عليه وسلم ولا يخبرون بالباطل ، أي جعل الإيمان أحب الأديان إليكم . " وزينه في قلوبكم " " وزينه " بتوفيقه . " في قلوبكم " أي حسنه إليكم حتى اخترتموه . وفي هذا رد على القدرية والإمامية وغيرهم ، حسب ما تقدم في غير موضع . فهو سبحانه المنفرد بخلق ذوات الخلق وخلق أفعالهم وصفاتهم واختلاف ألسنتهم وألوانهم ، لا شريك له . " وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان " قال ابن عباس : يريد به الكذب خاصة . وقاله ابن زيد . وقيل : كل ما خرج عن الطاعة ، مشتق من فسقت الرطبة خرجت من قشرها . والفأرة من جحرها . وقد مضى في " البقرة " القول فيه مستوفى{[14074]} . والعصيان جمع المعاصي . ثم انتقل من الخطاب إلى الخبر فقال : " أولئك " يعني هم الذين وفقهم الله فحبب إليهم الإيمان وكره إليهم الكفر أي قبحه عندهم " الراشدون " كقوله تعالى : " وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون " {[14075]} [ الروم : 39 ] . قال النابغة :

يا دارَ مَيَّةَ بالعلياء فالسند *** أقوَتْ وطال عليها سالفُ الأمَدِ

والرشد الاستقامة على طريق الحق مع تصلب فيه ، من الرشاد وهي الصخرة . قال أبو الوازع : كل صخرة رشادة . وأنشد :

وغير مُقَلَّدٍ ومُوَشَّمَاتِ *** صَلِينَ الضوءَ من صُمِّ الرشاد{[14076]}


[14072]:راجع ج 5 ص 137.
[14073]:راجع ج 8 ص 302.
[14074]:راجع ج 1 ص 245.
[14075]:آية 39 سورة الروم.
[14076]:في شرح شواهد الكشاف للمرحوم الأستاذ أبي عليان:" الظاهر أن الشاعر يصف الديار بأنها لم يبق فيها غير وتد الخباء المقلد بالحبل وغير الأثافي المغير لونها بالنار. والوشم والتوشيم تغيير اللون، أي التي احترقت بضوئها أي حرها. و" من صم الرشاد" بيان لها. والصم: جمع صماء، أي صلبة. وقيل: يصف مطايا بأنها مطبوعة على العمل غير محتاجة للزمام، وأنها غيرها أثر السير، قوية بحيث يظهر الشرر من شدّة وقع خفافها على الصخر الصلب".
 
التفسير الميسر لمجموعة من العلماء - التفسير الميسر [إخفاء]  
{وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ فِيكُمۡ رَسُولَ ٱللَّهِۚ لَوۡ يُطِيعُكُمۡ فِي كَثِيرٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ لَعَنِتُّمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِي قُلُوبِكُمۡ وَكَرَّهَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡيَانَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلرَّـٰشِدُونَ} (7)

{ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ ( 7 ) }

واعلموا أن بين أظهركم رسولَ الله فتأدبوا معه ؛ فإنه أعلم منكم بما يصلح لكم ، يريد بكم الخير ، وقد تريدون لأنفسكم من الشر والمضرة ما لا يوافقكم الرسول عليه ، لو يطيعكم في كثير من الأمر مما تختارونه لأدى ذلك إلى مشقتكم ، ولكن الله حبب إليكم الإيمان وحسَّنه في قلوبكم ، فآمنتم ، وكرَّه إليكم الكفرَ بالله والخروجَ عن طاعته ، ومعصيتَه ، أولئك المتصفون بهذه الصفات هم الراشدون السالكون طريق الحق .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ فِيكُمۡ رَسُولَ ٱللَّهِۚ لَوۡ يُطِيعُكُمۡ فِي كَثِيرٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ لَعَنِتُّمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِي قُلُوبِكُمۡ وَكَرَّهَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡيَانَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلرَّـٰشِدُونَ} (7)

قوله : { واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتّم } يقول الله لأصحاب رسوله صلى الله عليه وسلم : اعلموا أيها المؤمنون أن فيكم رسول الله فهو بين أظهركم والله يخبره أنباءكم فتفتضحون فاحذروا أن تفتروا الكذب وتتقوّلوا ما هو زيف وباطل فإن الله منبئ به نبيه . ولو كان رسول الله يعمل بآرائكم ويقبل منكم ما تقولون وتبتغون { لعنتّم } أي لأصابكم الإثم ونالكم المشقة والجرح . وذلك من العنت وهو الإثم والخطأ والمشقة{[4287]} وذلك كما لو قبل النبي من الوليد بن عقبة قوله في بني المصطلق أنهم قد ارتدوا ومنعوا الزكاة وجمعوا جموعهم لقتال المسلمين ، فقاتلهم النبي والمؤمنون وأصابوا من دمائهم وأموالهم بغير حق فلكان قد نالهم من الله العنت وهو الإثم والحرج والمشقة .

قوله : { ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم } يخاطب الله عباده المؤمنين الصادقين المخلصين ليبين لهم ما امتن به عليهم من النعم ، وهو الإيمان . فقد رسخ الله في قلوبهم الإيمان وجعل ذلك في قلوبهم محببا { وزينه في قلوبكم } أي حسنه في قلوبكم تحسينا لتذوقوا به حلاوة العقيدة والقوى { وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان } أي بغض الله الجحود والشرك لعباده المؤمنين الصادقين المخلصين فجعله بغيضا إلى قلوبهم . وكذا الفسوق وهو الخروج عن طاعة الله والتلبّس بالخطيئة والعصيان ، كل ذلك بغيض – بفضل الله – إلى قلوب المؤمنين المتقين المخبتين لله بالطاعة والإنابة .

قوله : { أولئك هم الراشدون } المتصفون بالرشد وهو الاستقامة على طريق الحق ، فهم ساربون على طريق الله المستقيم ، ومتبعون منهجه الرباني القويم غير زائغين ولا متعثرين .


[4287]:المصباح المنير جـ 2 ص 82 ومختار الصحاح ص 456.