محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ فِيكُمۡ رَسُولَ ٱللَّهِۚ لَوۡ يُطِيعُكُمۡ فِي كَثِيرٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ لَعَنِتُّمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِي قُلُوبِكُمۡ وَكَرَّهَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡيَانَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلرَّـٰشِدُونَ} (7)

{ واعلموا أن فيكم رسول الله } قال ابن جرير :{[6671]} يقول تعالى ذكره لأصحاب نبي الله صلى الله عليه وسلم : واعلموا أيها المؤمنون بالله ورسوله أن فيكم رسول الله ، فاتقوا الله أن تقولوا الباطل ، وتفتروا الكذب ، فإن الله يخبره أخباركم ، ويعرفه أنباءكم ، ويقوّمه على الصواب في أموره .

{ لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم } قال الطبري :{[6672]} أي لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في الأمور بآرائكم ، ويقبل منكم ما تقولون له ، فيطيعكم ، لنالكم عنت –يعني الشدة والمشقة – في كثير من الأمور ، بطاعته إياكم ، لو أطاعكم ، لأنه كان يخطئ في أفعاله ، كما لو قبل من الوليد بن عقبة قوله في بني المصطلق ، أنهم قد ارتدوا ومنعوا الصدقة ، وجمعوا الجموع لغزو المسلمين ، فغزاهم فقتل منهم ، وأصاب من دمائهم وأموالهم ، كان قد قتل وقتلتم من لا يحل له ولا لكم قتله ، وأخذتم من المال ما لا يحل له ولكم أخذه من أموال قوم مسلمين ، فنالكم من الله بذلك عنت . والعنت : المشقة أو الهلاك أو الإثم أو الفساد .

تنبيه :

{ أن } بما في حيزها سادة مسدَّ مفعولي { اعلموا } باعتبار ما قيد به من الحال ، وهو قوله : { لو يطيعكم . . } الخ ، فإنه حال من الضمير المجرور في { فيكم } المستتر فيه . والمعنى : أنه فيكم كائنا على حالة يجب تغييرها ، أو كائنين على حالة كذلك ، وهي أنكم تودّون أن يتبعكم في كثير ن الحوادث ، ولو فعل ذلك لوقعتم في الجهل والهلاك . وفيه إيذان بأن بعضهم زين لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقع في بني المصطلق ، وأنه لم يطع رأيهم هذا . ويجوز أن يكون { لو يطيعكم } مستأنفا . إلا أن الزمخشري منع هذا الاحتمال ، قال ؛ لأدائه إلى تنافر النظم ، لأنه لو اعتبر { لو يطيعكم . . . } الخ كلاما برأسه ، لم يأخذ الكلام بحجز بعض ، لأنه لا فائدة حينئذ في قوله : { واعلموا أن فيكم رسول الله } إذا قطع عما بعده . وأجيب بجواز أن يقصد به التنبيه على جلالة محله صلى الله عليه وسلم ، وأنهم لجهلهم بمكانه مفرّطون فيما يجب له من التعظيم ، وفي أن شأنهم أن يتبعوه ، ولا يتبعوا آراءهم ، حتى كأنهم جاهلون بأنه بين أظهرهم ، فوضح جواز الاستئناف ، والوقف على { رسول الله } .

{ ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم } أي فما أجدركم أن تطيعوا رسول الله وتأتمّوا به ، فيقيكم الله بذلك من العنت فيما لو استتبعتم رأي رسول الله لرأيكم { وكرّه إليكم الكفر } أي بالله { والفسوق } يعني الكذب { والعصيان } أي مخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتضييع ما أمر الله به .

{ أولئك } أي الموصوفون بمحبة الإيمان ، وتزينه في قلوبهم ، وكراهتهم المعاصي { هم الراشدون } أي السالكون طريق الحق .


[6671]:انظر الصفحة رقم 125 من الجزء السادس والعشرين(طبعة الحلبي الثانية(.
[6672]:انظر الصفحة رقم 125 من الجزء السادس والعشرين(طبعة الحلبي الثانية(.