غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ فِيكُمۡ رَسُولَ ٱللَّهِۚ لَوۡ يُطِيعُكُمۡ فِي كَثِيرٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ لَعَنِتُّمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِي قُلُوبِكُمۡ وَكَرَّهَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡيَانَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلرَّـٰشِدُونَ} (7)

1

ثم أرشدهم إلى أمر آخر قائلاً { واعلموا أن فيكم رسول الله } وليس هذا الأمر مقصوداً بظاهره لأنه معلوم مشاهد فلا حاجة إلى التنبيه عليه ، وإنما المراد ما يستلزم كونه فيهم كما يقال من يغلط في مسألة أو يقول فيها برأيه : أعلم أن الشيخ حاضر . ثم قيل : المراد لا تقولوا الباطل والكذب فإن الله يخبره ويوحي إليه . وقيل : أراد أن الرأي رأيه فلا تعدوا رأيه وقد صرح بهذا المعنى في قوله { لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم } لوقعتم في العسر والمشقة والحرج لأنه أعلم منكم بالحنيفية السهلة السمحاء ، ومن جملة ذلك قصة الوليد فإنه لو أطاعه وقبل قوله لقتل وقتلتم وأخذ المال وأخذتم فاتهمتهم . قال جار الله : الجملة المصدّره بلو ليس كلاماً مستأنفاً لاختلال النظم حينئذ ولكنها حال من أحد الضميرين في { فيكم } وهو المستتر المرفوع أو البارز المجرور . والمعنى أن فيكم رسول الله على حالة يجب تغييرها وهي أنكم تطلبون منه اتباع آرائكم . قلت : قد ذكرنا في وجه النظم بياناً آخر . ثم قال : فائدة تقدير خبر " أن " هو أن يعلم أن التوبيخ ينصب إلى هذا الغرض . وفائدة قوله { يطيعكم } بلفظ الاستقبال الدلالة على ما أرادوه من استمرار طاعته لهم وأنه لا يخالفهم في كثير مما عنّ لهم من الآراء والأهواء . وفي قوله { في كثير من الأمر } مراعاة لجانب المؤمنين حيث لم ينسب جميع آرائهم إلى الخطأ ، وفيه أيضاً تعليم حسن وتأديب جميل في باب التخاطب . ويمكن أن يكون إشارة إلى تصويب رأي بعضهم لا إلى تصويب بعض رأيهم فقد قيل : إن بعضهم زينوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم الإيقاع ببني المصطلق وتصديق قول الوليد ، وبعضهم كانوا يرون التحلم عنهم إلى أن يتبين أمرهم ، وقد أشار إلى هذا البعض بقوله { ولكن الله حبب إليكم الأيمان } أي إلى بعضكم وإلا لم يحسن الاستدراك يعني ب { لكن } فإن من شرطه مخالفة ما بعده لما قبله . فلو كان المخاطبون في الطرفين واحداً لم يكن للاستدراك معنى بل يؤدّي إلى التناقض لأنه يكون قد أثبت لهم في ثاني الحال محبة الإيمان وكراهة العصيان ، وذكر أوّلاً أنه توجب إجابتهم الوقوع في العنت . قال أهل اللغة : الطاعة موافقة الداعي غير أن المستعمل في حق الأكابر الإجابة ، وفي حق الأصاغر الطاعة ، وقد ورد القرآن على أصل اللغة . استدلت الأشاعرة بقوله { حبب } و { كره } على مسألة خلق الأفعال . وحملها المعتزلة على نصب الأدلة أو اللطف والتوفيق أو الوعد والوعيد . والمعنى ولكن الله حبب إليكم الإيمان فأطعتموه فوقاكم العنت والكفر واضح . وأما الفسوق والعصيان فقيل : الأوّل الكبائر والثاني الصغائر . ويحتمل أن يكون الكفر مقابل التصديق بالجنان ، والفسوق مقابل الإقرار باللسان لأن الفسق هاهنا أمر قولي بدليل قوله { إن جاءكم فسق بنبإ } سماه فاسقاً لكذبه والعصيان مقابل العمل بالأركان { أولئك } البعض المتبينون { هم الراشدون } وهذه جملة معترضة .

/خ18