ثم أرشدهم إلى أمر آخر قائلاً { واعلموا أن فيكم رسول الله } وليس هذا الأمر مقصوداً بظاهره لأنه معلوم مشاهد فلا حاجة إلى التنبيه عليه ، وإنما المراد ما يستلزم كونه فيهم كما يقال من يغلط في مسألة أو يقول فيها برأيه : أعلم أن الشيخ حاضر . ثم قيل : المراد لا تقولوا الباطل والكذب فإن الله يخبره ويوحي إليه . وقيل : أراد أن الرأي رأيه فلا تعدوا رأيه وقد صرح بهذا المعنى في قوله { لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم } لوقعتم في العسر والمشقة والحرج لأنه أعلم منكم بالحنيفية السهلة السمحاء ، ومن جملة ذلك قصة الوليد فإنه لو أطاعه وقبل قوله لقتل وقتلتم وأخذ المال وأخذتم فاتهمتهم . قال جار الله : الجملة المصدّره بلو ليس كلاماً مستأنفاً لاختلال النظم حينئذ ولكنها حال من أحد الضميرين في { فيكم } وهو المستتر المرفوع أو البارز المجرور . والمعنى أن فيكم رسول الله على حالة يجب تغييرها وهي أنكم تطلبون منه اتباع آرائكم . قلت : قد ذكرنا في وجه النظم بياناً آخر . ثم قال : فائدة تقدير خبر " أن " هو أن يعلم أن التوبيخ ينصب إلى هذا الغرض . وفائدة قوله { يطيعكم } بلفظ الاستقبال الدلالة على ما أرادوه من استمرار طاعته لهم وأنه لا يخالفهم في كثير مما عنّ لهم من الآراء والأهواء . وفي قوله { في كثير من الأمر } مراعاة لجانب المؤمنين حيث لم ينسب جميع آرائهم إلى الخطأ ، وفيه أيضاً تعليم حسن وتأديب جميل في باب التخاطب . ويمكن أن يكون إشارة إلى تصويب رأي بعضهم لا إلى تصويب بعض رأيهم فقد قيل : إن بعضهم زينوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم الإيقاع ببني المصطلق وتصديق قول الوليد ، وبعضهم كانوا يرون التحلم عنهم إلى أن يتبين أمرهم ، وقد أشار إلى هذا البعض بقوله { ولكن الله حبب إليكم الأيمان } أي إلى بعضكم وإلا لم يحسن الاستدراك يعني ب { لكن } فإن من شرطه مخالفة ما بعده لما قبله . فلو كان المخاطبون في الطرفين واحداً لم يكن للاستدراك معنى بل يؤدّي إلى التناقض لأنه يكون قد أثبت لهم في ثاني الحال محبة الإيمان وكراهة العصيان ، وذكر أوّلاً أنه توجب إجابتهم الوقوع في العنت . قال أهل اللغة : الطاعة موافقة الداعي غير أن المستعمل في حق الأكابر الإجابة ، وفي حق الأصاغر الطاعة ، وقد ورد القرآن على أصل اللغة . استدلت الأشاعرة بقوله { حبب } و { كره } على مسألة خلق الأفعال . وحملها المعتزلة على نصب الأدلة أو اللطف والتوفيق أو الوعد والوعيد . والمعنى ولكن الله حبب إليكم الإيمان فأطعتموه فوقاكم العنت والكفر واضح . وأما الفسوق والعصيان فقيل : الأوّل الكبائر والثاني الصغائر . ويحتمل أن يكون الكفر مقابل التصديق بالجنان ، والفسوق مقابل الإقرار باللسان لأن الفسق هاهنا أمر قولي بدليل قوله { إن جاءكم فسق بنبإ } سماه فاسقاً لكذبه والعصيان مقابل العمل بالأركان { أولئك } البعض المتبينون { هم الراشدون } وهذه جملة معترضة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.