السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ فِيكُمۡ رَسُولَ ٱللَّهِۚ لَوۡ يُطِيعُكُمۡ فِي كَثِيرٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ لَعَنِتُّمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِي قُلُوبِكُمۡ وَكَرَّهَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡيَانَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلرَّـٰشِدُونَ} (7)

{ واعلموا } أي : أيتها الأمة { أن فيكم } أي : على وجه الاختصاص بكم ويا له من شرف { رسول الله } أي : الملك الأعظم المتصف بالجلال والإكرام فلا تقولوا الباطل فإنّ الله يخبره بالحال { لو يطيعكم } وهو لا يحب عنتكم ولا شيئاً يشق عليكم { في كثير من الأمر } أي : الذي تريدونه على فعله من أنه يعمل في الحوادث على مقتضى ما يعنّ لكم ، وتستصوبونه ليكون فعله معكم فعل المطواع لغيره التابع له فينقلب حينئذ الحال ويصير المتبوع تابعاً ، والمطاع طائعاً ، { لعنتم } أي : لأثمتم دونه وهلكتم . لأنّ من أراد أن يكون أمر الرسول صلى الله عليه وسلم تابعاً لأمره فقد زين له الشيطان الكفران وقوله تعالى : { ولكن الله } أي : الملك الأعظم الذي يفعل ما يريد { حبب إليكم الإيمان وزينه } أي : حسنه { في قلوبكم } فلزمتم طاعته وعشقتم متابعته استدراك من جهة المعنى لا من جهة اللفظ لبيان عذرهم ، وهو أنه من فرط حبهم للإيمان وكرهتهم للكفر كما قال تعالى : { وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان } حملهم على ذلك ما سمعوا قول الوليد أو بصفة من لم يفعل ذلك منهم إخماداً لفعلهم وتعريضاً بذم من فعل . قال الرازي : هذه الأمور الثلاثة في مقابلة الإيمان الكامل المزين وهو التصديق بالجنان والإقرار باللسان والعمل بالأركان فقوله تعالى { كرّه إليكم الكفر } وهو التكذيب وهو في مقابلة التصديق بالجنان وأمّا الفسوق فقيل هو الكذب كما قاله ابن عباس قال تعالى { إن جاءكم فاسق بنبأ } فسمى الكاذب فاسقاً وقال البيضاوي : الكفر تغطية نعم الله بالجحود والفسوق الخروج عن القصد والعصيان الامتناع عن الانقياد . وقال بعضهم : الكفر ظاهر والفسوق هو الكبيرة والعصيان هو الصغيرة { أولئك } أي : الذين أعلى الله تعالى مقاديرهم { هم الراشدون } أي : الكاملون في الرشد الثابتون الاستقامة وعلى دينهم وفي تفسير الأصفهاني الرشد هو الاستقامة على طريق الحق مع تصلب فيه .