الآية 7 وقوله تعالى : { واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنِتُّم } أي لأثمتم .
من الناس من احتج بهذه الآية على أن الإجماع ليس بحجة ، وقالوا : لو كان لإجماعهم [ حجة لكانوا ]{[19649]} لا يأثمون لو أطاعهم في كثير من الأمر لأن الحق والصواب مما لا يوجب الإثم لصاحبه في من تبعه في ذلك الصواب .
ولكن إن كان لا يوجب الثواب دلّ أنه ليس بحجة يجب اتّباعه . ولكن هذا فاسد لأن الحُجج والبراهين لم تكن انتهت يومئذ غايتُها ، ولا أتت على نهايتها .
والإجماع الذي هو إجماع الحجة عندنا ، ويجب اتباعه والانقياد له ، هو إجماع من استوعب الحجج والبراهين ، وأتى على عامّتها أو على الجميع ، وكان الوقت وقت نزول الوحي ، وإنما تستقر الأحكام بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ينقطع الوحي ، فيُستدل على استيعاب الحُجج ونزول جميع ما يحتاج الناس إليه من حيث الإيداع في النصوص ؛ فمتى اجتمعوا على ذلك يكون حجة ، ولأنه لا إجماع تحقيق دون رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا وُجد رأيه ، استُغني عن رأي الغير لما كان ينطق عن الحِجا . فإذا لم يكن وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم زمان انعقاد الإجماع حجة بطل استدلالُهم بالآية .
ثم قوله تعالى : { واعلموا أن فيكم رسول الله } [ يحتمل وجوها :
أحدها : ]{[19650]} أُرسل إليكم ليُزيل عنكم إشكالكم وشبهاتكم ، فلا عذر لكم في الكفر واعتراض الشُّبه لكم بما تقدرون أن تسألوه ما أشكل عليكم ، واشتبه ، فيُخبركم بذلك ، فيُزيل الشُّبه عنكم .
والثاني : يحتمل : { واعلموا أن فيكم رسول الله } يُطلع الله تعالى إياه على ما تُضمرون في أنفسكم وما تولّدون من الأخبار التي لا أصل لها ، ولا أثر ، ما لو ظهر ذلك لافتضحتم ، وهو صلة ما ذكر من قوله : { إن جاءكم فاسق بنبإ فتبيّنوا } والله أعلم .
[ والثالث : ]{[19651]} يحتمل أن فيكم رسول الله تسألونه ما أشكل عليكم ، فيُخبركم بالحق والأمر على حقيقته كي لا تُصيبوا{[19652]} قوما بجهالة ، والله أعلم .
[ والرابع : ]{[19653]} يحتمل أن يكون قوله { واعلموا أن فيكم رسول الله } فإليه الرأي والتدبير في الأمور ، ومن رأيه وتدبيره يجب أن تُصدروا{[19654]} لا عن رأي أنفسكم وتدبيركم .
وعلى ذلك يخرج قوله تعالى : { وكيف تكفرون وأنتم تُتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله } [ آل عمران : 101 ] على الوجوه التي ذكرهما ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { لو يُطيعكم في كثير من الأمر لعنتّم } أي لو يطيعكم في ما تدعو إليه أنفسكم من التمويهات والشُّبهات وهواها ، أو يقول : لو يطيعكم في الصدور عن رأيكم تدبيركم في الأمور لعنتّم .
ثم قوله{[19655]} : { ولكن الله حبّب إليكم الإيمان وزيّنه في قلوبكم وكرّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان } هذا في الظاهر كأنه{[19656]} غير موصول بقوله : { لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتّم } لأنه لا يليق ذلك إلا على الإضمار ؛ كأنه يقول : { لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتّم } وإن الله قد أرسله إليكم رسولا ، وحبّب إليكم الإيمان به ، وزيّنه في قلوبكم /522-ب/ حتى صار هو في قلوبكم أحب من أنفسكم ومن كل شيء .
فالواجب عليكم أن تصرِفوا الأمر إلى رأيه وتدبيره ، وأن تصدروا عن رأيه ، ولا تعتمدوا على رأي أنفسكم وتدبيركم ، والله أعلم .
ويحتمل ألا تدعوه إلى أن يطيعكم في ما تهوى بكم أنفسكم ما شبّهت بعد ما حبّب الإيمان به إليكم ، وزيّنه في قلوبكم ، وكرّه إليكم الكفر وما ذكر ، والله أعلم بحقيقة جهته وصلة هذا بالأول .
أحدهما : { لو يطيعكم } الرسول { في كثير من الأمر لعنتّم } الله تعالى ألزمكم طاعته في كل أمر ، فأطيعوه ، ولا تطلبوا منه طاعته إياكم في الأمور ، ولكن أطيعوه أنتم في الأمور كلها ، وقد { حبّب إليكم الإيمان وزيّنه في قلوبكم وكرّه إليكم الكفر والفسوق } والخروج عن أمره { والعِصيان } .
والثاني : يشبه أن يكون موصولا بقوله تعالى : { إن الذين يغضّون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى }{[19657]} [ الحجرات : 3 ] .
ثم قوله{[19658]} عز وجل : { أولئك هم الراشدون } كأنه يقول : { أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى } وحبّب إليه الإيمان ، وزيّنه في قلوبهم ، وكرّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان { أولئك هم الراشدون } .
أخبر ، وشهِد لهم بالرشاد ، وأخبر أن ذلك فضل منه إليهم ونعمة لا بشيء كان منهم [ استوجب ذلك ]{[19659]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.