في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَجۡمَعُكُمۡ لِيَوۡمِ ٱلۡجَمۡعِۖ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلتَّغَابُنِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُكَفِّرۡ عَنۡهُ سَيِّـَٔاتِهِۦ وَيُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (9)

وبعد هذه الدعوة يعود إلى استكمال مشهد البعث الذي أكده لهم أوثق توكيد :

( يوم يجمعكم ليوم الجمع : ذلك يوم التغابن ) . .

فأما أنه يوم الجمع فلأن جميع الخلائق في جميع الأجيال تبعث فيه ، كما يحضره الملائكة وعددهم لا يعلمه إلا الله . ولكن قد يقربه إلى التصور ما جاء في حديث رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] - عن أبي ذر رضي الله عنه - قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " إني أرى ما لا ترون ، وأسمع ما لا تسمعون . أطت السماء وحق لها أن تيط ، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك واضع جبهته لله تعالى ساجدا . والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا ، ولما تلذذتم بالنساء على الفرش ، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى . لوددت أني شجرة تعضد " . .

والسماء التي ليس فيها موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك . هي هذا الاتساع الهائل الذي لا يعرف له البشر حدودا . والذي تبدو فيه شمس كشمسنا ذرة كالهباءة الطائرة في الفضاء ! فهل هذا يقرب شيئا للتصور البشري عن عدد الملائكة ? إنهم من بين الجمع في يوم الجمع !

وفي مشهد من هذا الجمع يكون التغابن ! والتغابن مفاعلة من الغبن . وهو تصوير لما يقع من فوز المؤمنين بالنعيم ؛ وحرمان الكافرين من كل شيء منه ثم صيرورتهم إلى الجحيم . فهما نصيبان متباعدان . وكأنما كان هناك سباق للفوز بكل شيء ، وليغبن كل فريق مسابقه ! ففاز فيه المؤمنون وهزم فيه الكافرون ! فهو تغابن بهذا المعنى المصور المتحرك ! يفسره ما بعده :

( ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا . ذلك الفوز العظيم . والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير ) . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَجۡمَعُكُمۡ لِيَوۡمِ ٱلۡجَمۡعِۖ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلتَّغَابُنِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُكَفِّرۡ عَنۡهُ سَيِّـَٔاتِهِۦ وَيُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (9)

7

المفردات :

يوم التغابن : هو يوم القيامة ، وسُمي يوم التغابن لأن الكافر غبن نفسه وظلمها بترك الإيمان ، أما المؤمن فيغبن نفسه لتقصيره في الطاعات والإيمان .

التفسير :

9- { يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } .

في يوم القيامة يجمع الله الأولين ولذلك سمّي يوم الجمع ، حيث يُحشر الناس من عهد آدم إلى قيام الساعة ، في وقت واحد ، ومكان واحد ، يراهم المبصر ، ويسمعهم السامع ، وهذا اليوم له أسماء متعددة : فهو يوم القيامة ، والحاقّة ، والزلزلة ، والساعة ، والقارعة ، والجاثية ، وكلها أسماء تدل على الهول الكبير الذي يصيب الناس .

ومن أسماء يوم القيامة : التَّغَابُنِ . وأساس الغبن النقص في التجارة ، والمغبون من باع صفقته بأقل من ثمنها .

وكأنما كانت الدنيا سباقا بين المؤمنين والكافرين ، فاز في هذا السباق المؤمنون ، وكان جزاؤهم الجنة ، وخسر في هذا السباق الكافرون ، وكان جزاؤهم النار ، فالكافر مغبون لأنه باع نصيبه في الجنة بعرض فان من أعراض الدنيا ، والمؤمن غبن الكافر ، وأخذ مكانه في الجنة ، فهو غبن معنوي ، ففي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ما من عبد يدخل الجنة إلا اُري مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا ، وما من عبد يدخل النار إلا أُري مقعده من الجنة لو أحسن ليزداد حسرة " xi ( أخرجه الترمذي في أبوب الزهد ) .

قال القرطبي :

يوم التغابن . أي : يوم القيامة ، . . . وسمي يوم القيامة بيوم التغابن لأنه غبن فيه أهل الجنة أهل النار ، أي أن أهل الجنة أخذوا الجنة ، وأهل النار أخذوا النار على طريق المبادلة ، فوقع الغبن على الكافرين ، لأجل مبادلتهم الشر بالخير ، والعذاب بالنعيم .

ثم فسّر القرآن التغابن ببيان الجزاء العظيم ، والنعيم المقيم لأهل الجنة ، والعذاب الأليم لأهل النار .

{ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } .

فهذا هو الفريق الفائز في سباق التغابن ، فريق من آمن بالله ربّا ، وعمل عملا صالحا ، فجزاؤه محو السيئات ، ومغفرة الذنوب ، ودخول الجنات تجري من تحتها الأنهار ، والخلود الأبدي السرمدي في الجنة .

{ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }

هؤلاء السابقون المتفوّقون ، الفائزون بذلك الفوز العظيم ، والجائزة الكبرى ، والنعمة العظمى ، ورضوان الله وكرامته ، وجائزته في القيامة .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَجۡمَعُكُمۡ لِيَوۡمِ ٱلۡجَمۡعِۖ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلتَّغَابُنِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُكَفِّرۡ عَنۡهُ سَيِّـَٔاتِهِۦ وَيُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (9)

وقوله { يوم التغابن } يغبن فيه أهل الجنة أهل النار بأخذ منازلهم التي كانت لهم في الجنة لو آمنوا ويغبن من ارتفعت منزلته في الجنة من كان دون منزلته فيظهر في ذلك اليوم غبن كل كافر بترك الايمان وغبن كل مؤمن بتقصيره