في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{وَمِنۡهُم مَّن يَسۡتَمِعُ إِلَيۡكَ حَتَّىٰٓ إِذَا خَرَجُواْ مِنۡ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ مَاذَا قَالَ ءَانِفًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَهۡوَآءَهُمۡ} (16)

16

( ومنهم من يستمع إليك ، حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم : ماذا قال آنفا ? أولئك الذين طبع الله على قلوبهم ، واتبعوا أهوائهم . . )

ولفظة : ( ومنهم )تحتمل أن تكون إشارة للذين كفروا الذين كان يدور الحديث عنهم في الجولة السابقة في السورة : باعتبار أن المنافقين في الحقيقة فرقة من الكفار مستورة الظاهر ، والله يتحدث عنها بحقيقتها في هذه الآية .

كما تحتمل أن تكون إشارة للمسلمين باعتبار أن المنافقين مندمجون فيهم ، متظاهرون بالإسلام معهم . وقد كانوا يعاملون معاملة المسلمين بحسب ظاهرهم ، كما هو منهج الإسلام في معاملة الناس .

ولكنهم في كلتا الحالتين هم المنافقون كما تدل عليه صفتهم في الآية وفعلهم ، وكما يدل السياق في هذه الجولة من السورة ، والحديث فيها عن المنافقين .

وسؤالهم ذاك بعد استماعهم للرسول [ صلى الله عليه وسلم ] والاستماع معناه السماع باهتمام - يدل على أنهم كانوا يتظاهرون تظاهرا بأنهم يلقون سمعهم وبالهم للرسول [ صلى الله عليه وسلم ] وقلوبهم لاهية غافلة . أو مطموسة مغلقة . كما أنه قد يدل من جانب آخر على الغمز الخفي اللئيم إذ يريدون أن يقولوا بسؤالهم هذا لأهل العلم : إن ما يقوله محمد لا يفهم ، أو لا يعني شيئا يفهم . فهاهم أولاء مع استماعهم له ، لا يجدون له فحوى ولا يمسكون منه بشيء ! كذلك قد يعنون بهذا السؤال السخرية من احتفال أهل العلم بكل ما يقوله محمد [ صلى الله عليه وسلم ] وحرصهم على استيعاب معانيه وحفظ ألفاظه - كما كان حال الصحابة رضوان الله عليهم مع كل كلمة يتلفظ بها الرسول الكريم - فهم يسألونهم أن يعيدوا ألفاظه التي سمعوها على سبيل السخرية الظاهرة أو الخفية . . وكلها احتمالات تدل على اللؤم والخبث والانطماس والهوى الدفين :

أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهوائهم . .