نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَمِنۡهُم مَّن يَسۡتَمِعُ إِلَيۡكَ حَتَّىٰٓ إِذَا خَرَجُواْ مِنۡ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ مَاذَا قَالَ ءَانِفًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَهۡوَآءَهُمۡ} (16)

ولما كان التقدير بعد هذا التمثيل والوصف{[59555]} والتشويق الذي يبهر العقول : فمن الناس من-{[59556]} يسمع منك بغاية المحبة والإنصاف فيعليه{[59557]} الله بفهم ما يتلوه واعتقاده والعمل به واعتماده وهم المتقون الذين وعدوا الجنة ، عطف عليه قوله تعالى : { ومنهم من يستمع } أي بغاية جهده لعله يجد في المتلو مطعناً يشك به على الضعفاء ، وبين تعالى بعدهم بقوله : { إليك } ولما أفرد المستمع نظراً إلى لفظ " من " إشارة إلى قلة المستمع جمع نظراً إلى معناه إشارة إلى كثرة المعرضين الجامدين المستهزئين من المستمعين منهم والسامعين فقال تعالى : { حتى } أي{[59558]} واستمر إجهادهم لأنفسهم بالإصغاء حتى { إذا خرجوا } أي المستمعون والسامعون جميعاً{[59559]} { من عندك قالوا } أي الفريقان عمى وتعاميا واستهزاء . ولما كان مجرد حصول العلم النافع مسعداً ، أشار إلى تعظيمه ببنائه{[59560]} لما لم يسم فاعله فقال تعالى : { للذين أوتوا العلم } أي{[59561]} بسبب تهيئة الله لهم بما{[59562]} آتاهم من صفاء الأفهام لتجردهم عن النفوس والحظوظ وانقيادهم{[59563]} لما تدعوا إليه الفطرة الأولى : { ماذا قال } أي النبي صلى الله عليه وسلم { آنفاً } أي قبل افتراقنا وخروجنا عنه من ساعة - أي أول وقت - تقرب منه ، من أنفة الصلاة - بالتحريك ، وهو ابتداؤها وأولها ، قال أبو حيان{[59564]} : حال ، أي مبتدئاً ، أي ما القول الذي-{[59565]} ائتنفه الآن قبل انفصالنا عنه . ورد كونه ظرفاً بأنه تفسير معنى ، وأنه لا يعلم أحداً من النحاة عده في الظروف . و-{[59566]}قال البغوي-{[59567]} : ائتنفت الأمر : ابتدأته ، وأنف الشيء أوله ، قال مقاتل : وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب ويعيب المنافقين ، فإذا خرجوا من المسجد سألوا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه استهزاء : ماذا قال محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قال ابن عباس رضي الله عنه : وقد سئلت فيمن سئل .

ولما دل هذا من المصغي ومن المعرض على غاية الجمود الدال على غاية الشقاء ، أنتج قوله : { أولئك } أي خاصة هؤلاء البعداء من الفهم ومن كل خير { الذين طبع الله } أي{[59568]} الملك الأعظم الذي لا تناهي لعظمه جل وعلا { على قلوبهم } أي{[59569]} فلم يؤمنوا ولم يفهموا فهم الانتفاع لأن مثل هذا الجمود لا يكون إلا بذلك . ولما كان التقدير : {[59570]}إنهم ضلوا حتى{[59571]} صاروا كالبهائم{[59572]} ، عطف عليه ما هو من أفعال البهائم{[59573]} فقال : { واتبعوا } أي بغاية جهدهم { أهواءهم * } أي مجانبين{[59574]} لوازع العقل وناهي المروءة ، فلذلك هم يتهاونون بأعظم الكلام ويقبلون على جمع{[59575]} الحطام ، فهم أهل النار المشار إليهم قبل آية " مثل الجنة " بأنهم زين لهم سوء أعمالهم .


[59555]:من ظ ومد، وفي الأصل: الصوف الحميد.
[59556]:زيد من ظ ومد.
[59557]:من ظ ومد، وفي الأصل: فعليه.
[59558]:سقط من ظ.
[59559]:سقط من ظ ومد.
[59560]:من ظ ومد، وفي الأصل: ببيانه.
[59561]:من ظ ومد، وفي الأصل: من.
[59562]:من مد، وفي الأصل و ظ: انقيادا.
[59563]:من مد، وفي الأصل و ظ: انقيادا.
[59564]:زيد من البحر المحيط8/79.
[59565]:زيد من مد.
[59566]:زيد من مد، وراجع معالم التنزيل 6/149.
[59567]:زيدت الواو في مد.
[59568]:سقط من ظ ومد.
[59569]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد.
[59570]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد.
[59571]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد.
[59572]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[59573]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[59574]:من مد، وفي الأصل و ظ: مجانين.
[59575]:من ظ ومد، وفي الأصل: جميع.