المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَمِنۡهُم مَّن يَسۡتَمِعُ إِلَيۡكَ حَتَّىٰٓ إِذَا خَرَجُواْ مِنۡ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ مَاذَا قَالَ ءَانِفًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَهۡوَآءَهُمۡ} (16)

وقوله تعالى : { ومنهم من يستمع إليك } يعني بذلك المنافقين من أهل المدينة ، وذلك أنهم كانوا يحضرون عند النبي عليه السلام فيسمعون كلامه وتلاوته ، فإذا خرجوا قال بعضهم لمن شاء من المؤمنين الذين عملوا وانتفعوا { ماذا قال آنفاً } فكان منهم من يقول هذا استخفافاً ، أي ما معنى ما قال وما نفعه وما قدره ؟ ومنهم من كان يقول ذلك جهالة ونسياناً ، لأنه كان في وقت الكلام مقبلاً على فكرته في أمر دنياه وفي كفره ، فكان القول يمر صفحاً ، فإذا خرج قال : { ماذا قال آنفاً } ، وهذا أيضاً فيه ضرب من الاستخفاف ، لأنه كان يصرح أنه كان يقصد الإعراض وقت الكلام ، ولو لم يكن ذلك بقصد لم يبعد أن يجري على بعض المؤمنين . وروي أن عبد الله بن مسعود وابن عباس ممن سئل هذا السؤال ، حكاه الطبري عن ابن عباس .

وقرأ الجمهور : «آنفاً » على وزن فاعل ، وقرأ ابن كثير وحده : «أنفاً » على وزن فعل ، وهما اسما فاعل من ائتنف ، وجريا على غير فعلهما ، وهذا كما جرى فقير على افتقر ولم يستعمل فقر ، وهذا كثير ، والمفسرون يقولون : «أنفاً » معناه : الساعة الماضية القريبة منا ، وهذا تفسير بالمعنى .

ثم أخبر تعالى أنه { طبع } على قلوب هؤلاء المنافقين الفاعلين لهذا ، وهذا الطبع يحتمل أن يكون حقيقة ، ويحتمل أن يكون استعارة وقد تقدم القول فيه .