فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمِنۡهُم مَّن يَسۡتَمِعُ إِلَيۡكَ حَتَّىٰٓ إِذَا خَرَجُواْ مِنۡ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ مَاذَا قَالَ ءَانِفًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَهۡوَآءَهُمۡ} (16)

{ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ } أي من هؤلاء الكفار الذين يتمتعون ويأكلون ، كما تأكل الأنعام «من يستمع إليك » وهم المنافقون ، أفرد الضمير باعتبار لفظ " من " ، وجمع في قوله : { حتى إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ } باعتبار معناها ، والمعنى : أن المنافقين كانوا يحضرون مواقف وعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومواطن خطبه التي يمليها على المسلمين حتى إذا خرجوا من عنده { قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ العلم } وهم علماء الصحابة ، وقيل : عبد الله بن عباس ، وقيل : عبد الله بن مسعود ، وقيل : أبو الدرداء ، والأوّل أولى : أي سألوا أهل العلم فقالوا لهم : { مَاذَا قَالَ ءانِفاً } أي ماذا قال النبيّ الساعة على طريقة الاستهزاء ، والمعنى : أنا لم نلتفت إلى قوله ، و { ءانفاً } يراد به الساعة التي هي أقرب الأوقات ، ومنه : أمر آنف : أي مستأنف ، وروضة أنف ، أي لم يرعها أحد ، وانتصابه على الظرفية : أي وقتاً مؤتنفاً ، أو حال من الضمير في " قال " . قال الزجاج : هو من استأنفت الشيء : إذا ابتدأته ، وأصله مأخوذ من أنف الشيء لما تقدّم منه ، مستعار من الجارحة ، ومنه قول الشاعر :

ويحرم سرّ جارتهم عليهم *** ويأكل جارهم أنف القصاع

والإشارة بقوله : { أولئك } إلى المذكورين من المنافقين { الذين طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ } فلم يؤمنوا ، ولا توجهت قلوبهم إلى شيء من الخير { واتبعوا أَهْوَاءهُمْ } في الكفر والعناد .

/خ19