السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَمِنۡهُم مَّن يَسۡتَمِعُ إِلَيۡكَ حَتَّىٰٓ إِذَا خَرَجُواْ مِنۡ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ مَاذَا قَالَ ءَانِفًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَهۡوَآءَهُمۡ} (16)

{ ومنهم من يستمع إليك } أي : في خطب الجمعة ، وهم المنافقون والضمير في قوله تعالى { ومنهم } يحتمل أن يعود إلى الناس كما قال تعالى في سورة البقرة { ومن الناس من يقول آمنا بالله } [ البقرة : 8 ] بعد ذكر الكفار ويحتمل أن يعود إلى أهل مكة ؛ لأنّ ذكرهم سبق في قوله تعالى { هي أشدّ قوة من قريتك التي أخرجتك } ويحتمل أن يرجع إلى معنى قوله تعالى { هو خالد في النار وسقوا ماء حميما } أي : ومن الخالدين في النار قوم يستمعون إليك { حتى إذا } أي : واستمر جهلهم لأنفسهم في الإصغاء حتى إذا { خرجوا } أي : المستمعون والسامعون { من عندك قالوا } أي : الفريقان تعامياً واستهزاءً . { للذين أوتوا العلم } بسبب تهيئة الله تعالى لهم من صفاء الأفهام بتجردهم عن النفوس والحظوظ ، وانقيادهم لما تدعو إليه الفطرة الأولى . منهم ابن مسعود وابن عباس { ماذا قال } أي : النبيّ صلى الله عليه وسلم { آنفا } أي : قبل افتراقنا وخروجنا عنه روى مقاتل : «أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يخطب ويعيب المنافقين فإذا خرجوا من المسجد سألوا عبد الله بن مسعود استهزاء ماذا قال محمد آنفاً » أي الساعة ، أي : لا ترجع إليه وقرأ البزي بقصر الهمزة بخلاف عنه والباقون بالمدّ وهما لغتان بمعنى واحد وهما اسما فاعل كحاذر وحذر ، { أولئك } أي : البعداء من كل خير { الذين طبع الله } أي : الملك الأعظم { على قلوبهم } أي : بالكفر فلم يفهموا فهم انتفاع ؛ لأنّ مثل هذا الجمود لا يكون إلا بذلك { واتبعوا } أي : بغاية جهدهم .

{ أهواءهم } أي : في الكفر والنفاق ، فلذلك هم يتهاونون بأعظم الكلام ، ويقبلون على جمع الحطام ، فهم أهل النار المشار إليهم قبل آية { مثل الجنة } بأنهم { زين لهم سوء عملهم } . ثم ذكر تعالى أضداد هؤلاء بقوله سبحانه : { والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم } .