تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{كَيۡفَ يَهۡدِي ٱللَّهُ قَوۡمٗا كَفَرُواْ بَعۡدَ إِيمَٰنِهِمۡ وَشَهِدُوٓاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقّٞ وَجَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (86)

ثم قال تعالى : { كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ }

هذا من باب الاستبعاد ، أي : من الأمر البعيد أن يهدي الله قوما اختاروا الكفر والضلال بعدما آمنوا وشهدوا أن الرسول حق بما جاءهم به من الآيات البينات والبراهين القاطعات { والله لا يهدي القوم الظالمين } فهؤلاء ظلموا وتركوا الحق بعدما عرفوه ، واتبعوا الباطل مع علمهم ببطلانه ظلما وبغيا واتباعا لأهوائهم ، فهؤلاء لا يوفقون للهداية ، لأن الذي يرجى أن يهتدي هو الذي لم يعرف الحق وهو حريص على التماسه ، فهذا بالحري أن ييسر الله له أسباب الهداية ويصونه من أسباب الغواية .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{كَيۡفَ يَهۡدِي ٱللَّهُ قَوۡمٗا كَفَرُواْ بَعۡدَ إِيمَٰنِهِمۡ وَشَهِدُوٓاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقّٞ وَجَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (86)

{ كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات } استبعاد لأن يهديهم الله فإن الحائد عن الحق بعد ما وضح له منهمك في الضلال بعيد عن الرشاد . وقيل نفي وإنكار له وذلك يقتضي أن لا تقبل توبة المرتد ، { وشهدوا } عطف على ما في { إيمانهم } من معنى الفعل ونظيره فأصدق وأكن ، أو حال بإضمار قد من كفروا وهو على الوجهين دليل على أن الإقرار باللسان خارج عن حقيقة الإيمان . { والله لا يهدي القوم الظالمين } الذين ظلموا أنفسهم بالإخلال بالنظر ووضع الكفر موضع الإيمان فكيف من جاءه الحق وعرفه ثم أعرض عنه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{كَيۡفَ يَهۡدِي ٱللَّهُ قَوۡمٗا كَفَرُواْ بَعۡدَ إِيمَٰنِهِمۡ وَشَهِدُوٓاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقّٞ وَجَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (86)

قال ابن عباس رضي الله عنهما : نزلت هذه الآيات من قوله : { كيف يهدي الله } نزلت في الحارث بن سويد الأنصاري ، كان مسلماً ثم ارتد ولحق بالشرك ، ثم ندم فأرسل إلى قومه أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لي من توبة ؟

قال : فنزلت { كيف يهدي الله } الآيات ، إلى قوله { إلا الذين تابوا } فأرسل إليه قومه فأسلم ، وقال مجاهد : حمل الآيات إليه رجل من قومه فقرأها عليه ، فقال له الحارث ، إنك والله لما علمت لصدوق ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصدق منك ، وإن الله لأصدق الثلاثة{[3305]} ، قال : فرجع الحارث فأسلم وحسن إسلامه . وقال السدي : نسخ الله تعالى بقوله : { إلا الذين تابوا } قوله { أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله } .

قال الفقيه أبو محمد : وفي هذه العبارة تجوز كثير ، وليس هذا بموضع نسخ ، وقال عكرمة : نزلت هذه الآية في أبي عامر الراهب{[3306]} والحارث بن سويد بن الصامت ووحوح بن الأسلت{[3307]} في اثني عشر رجلاً ، رجعوا عن الإسلام ولحقوا بقريش ثم كتبوا إلى أهليهم هل لنا من توبة ؟ فنزلت هذه الآيات وقال ابن عباس أيضاً والحسن بن أبي الحسن : إن هذه الآيات نزلت في اليهود والنصارى ، شهدوا بنعت الرسول صلى الله عليه وسلم وآمنوا به ، فلما جاء من العرب حسدوه ، وكفروا به ورجح الطبري هذا القول ، وقال النقاش : نزلت هذه الآيات في طعيمة بن أبيرق{[3308]} .

وقال الفقيه القاضي : وكل من ذكر فألفاظ الآية تعمه .

وقوله تعالى : { كيف } سؤال عن حال لكنه سؤال توقيف على جهة الاستبعاد للأمر كما قال عليه السلام : كيف تفلح أمة أدمت وجه نبيها{[3309]} ؟ فالمعنى أنهم لشدة هذه الجرائم يبعد أن يهديهم الله تعالى ، وقوله تعالى : { وشهدوا } عطف على { كفروا } بحكم اللفظ ، والمعنى مفهوم أن الشهادة قبل الكفر ، والواو لا ترتب ، وقال قوم : معنى قوله { بعد إيمانهم } بعد أن آمنوا فقوله { وشهدوا } عطف على هذا التقدير ، وقوله تعالى { والله لا يهدي القوم الظالمين } عموم معناه الخصوص فيمن حتم كفره وموافاته عليه .


[3305]:- أخرجه النسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والحاكم وصححه، والبيهقي في سننه –عن ابن عباس وأخرجه عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر- عن مجاهد، وقال: هو الحارث بن سويد، وأخرجه عبد بن حميد، وابن جرير، عن السدي، وأخرجه كذلك ابن إسحاق، وابن المنذر- عن ابن عباس. (فتح القدير: 1/328).
[3306]:- هو عامر عبد عمرو بن صيفي بن مالك بن النعمان، أحد بني ضبيعة، كان يسمى في الجاهلية الراهب فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاسق، ذكره ابن هشام في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد.
[3307]:- هو وحوح بن الأسلت، واسمه عامر بن جُشم بن وائل الأوسي الأنصاري، أخو أبي قيس الشاعر. قال عبد الله بن محمد بن عمارة: له صحبة وشهد الخندق وما بعدها من المشاهد (الإصابة. 3/631) وكذا "الاستيعاب".
[3308]:- هو طعيمة بن أبيرق بن عمير الأنصاري، ذكره أبو إسحاق المستملي في الصحابة، وقال: شهد المشاهد كلها إلا بدرا، وساق من طريق خالد بن معدان عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أمشي قدامه فسأله رجل: ما فضل من جامع أهله محتسبا، قال: غفر الله لهما البتة. استدركه يحيى بن منده على جده. وإسناده ضعيف قال أبو موسى. "الإصابة. 2/224".
[3309]:- أخرجه البخاري، ومسلم، وغيرهما عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد، وشج في وجهه حتى سال الدم، فقال: (كيف يفلح قوم) الحديث. "فتح القدير للشوكاني 1/34).