تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَوۡ كَظُلُمَٰتٖ فِي بَحۡرٖ لُّجِّيّٖ يَغۡشَىٰهُ مَوۡجٞ مِّن فَوۡقِهِۦ مَوۡجٞ مِّن فَوۡقِهِۦ سَحَابٞۚ ظُلُمَٰتُۢ بَعۡضُهَا فَوۡقَ بَعۡضٍ إِذَآ أَخۡرَجَ يَدَهُۥ لَمۡ يَكَدۡ يَرَىٰهَاۗ وَمَن لَّمۡ يَجۡعَلِ ٱللَّهُ لَهُۥ نُورٗا فَمَا لَهُۥ مِن نُّورٍ} (40)

والمثل الثاني ، لبطلان أعمال الكفار { كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ } بعيد قعره ، طويل مداه { يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ } ظلمة البحر اللجي ، ثم فوقه ظلمة الأمواج المتراكمة ، ثم فوق ذلك ، ظلمة السحب المدلهمة ، ثم فوق ذلك ظلمة الليل البهيم ، فاشتدت الظلمة جدا ، بحيث أن الكائن في تلك الحال { إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا } مع قربها إليه ، فكيف بغيرها ، كذلك الكفار ، تراكمت على قلوبهم الظلمات ، ظلمة الطبيعة ، التي لا خير فيها ، وفوقها ظلمة الكفر ، وفوق ذلك ، ظلمة الجهل ، وفوق ذلك ، ظلمة الأعمال الصادرة عما ذكر ، فبقوا في الظلمة متحيرين ، وفي غمرتهم يعمهون ، وعن الصراط المستقيم مدبرين ، وفي طرق الغي والضلال يترددون ، وهذا لأن الله تعالى خذلهم ، فلم يعطهم من نوره ، { وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ } لأن نفسه ظالمة جاهلة ، فليس فيها من الخير والنور ، إلا ما أعطاها مولاها ، ومنحها ربها . يحتمل أن هذين المثالين ، لأعمال جميع الكفار ، كل منهما ، منطبق عليها ، وعددهما لتعدد الأوصاف ، ويحتمل أن كل مثال ، لطائفة وفرقة . فالأول ، للمتبوعين ، والثاني ، للتابعين ، والله أعلم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَوۡ كَظُلُمَٰتٖ فِي بَحۡرٖ لُّجِّيّٖ يَغۡشَىٰهُ مَوۡجٞ مِّن فَوۡقِهِۦ مَوۡجٞ مِّن فَوۡقِهِۦ سَحَابٞۚ ظُلُمَٰتُۢ بَعۡضُهَا فَوۡقَ بَعۡضٍ إِذَآ أَخۡرَجَ يَدَهُۥ لَمۡ يَكَدۡ يَرَىٰهَاۗ وَمَن لَّمۡ يَجۡعَلِ ٱللَّهُ لَهُۥ نُورٗا فَمَا لَهُۥ مِن نُّورٍ} (40)

{ أو كظلمات } عطف على { كسراب } و { أو } للتخيير فإن أعمالهم لكونها لاغية لا منفعة لها كالسراب . ولكونها خالية عن نور الحق كالظلمات المتراكمة من لج البحر والأمواج والسحاب ، أو للتنويع فإن أعمالهم إن كانت حسنة فكالسراب وإن كانت قبيحة فكالظلمات ، أو للتقسيم باعتبار وقتين فإنها كالظلمات في الدنيا كالسراب في الآخرة . { في بحر لجي } ذي لج أي عميق منسوب إلى اللج وهو معظم الماء { يغشاه } يغشى البحر . { موج من فوقه موج } أي أمواج مترادفة متراكمة . { من فوقه } من فوق الموج الثاني . { سحاب } غطى النجوم ويحجب أنوارها ، والجملة صفة أخرى لل{ بحر } { ظلمات } أي هذه ظلمات . { بعضها فوق بعض } وقرأ ابن كثير { ظلمات } بالجر على إبدالها من الأولى أو بإضافة ال{ سحاب } إليها في رواية البزي . { إذا أخرج يديه } وهي أقرب ما يرى إليه . { لم يكد يراها } لم يقرب أن يراها فضلا أن يراها كقول ذي الرمة :

إذا غير النأي المحبين لم يكد *** رسيس الهوى من حب مية يبرح

والضمائر للواقع في البحر وإن لم يجر ذكره لدلالة المعنى عليه . { ومن لم يجعل الله له نورا } ومن لم يقدر له الهداية . ليوقفه لأسبابها . { فما له من نور } خلاف الموفق الذي له نور على نور .