بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{أَوۡ كَظُلُمَٰتٖ فِي بَحۡرٖ لُّجِّيّٖ يَغۡشَىٰهُ مَوۡجٞ مِّن فَوۡقِهِۦ مَوۡجٞ مِّن فَوۡقِهِۦ سَحَابٞۚ ظُلُمَٰتُۢ بَعۡضُهَا فَوۡقَ بَعۡضٍ إِذَآ أَخۡرَجَ يَدَهُۥ لَمۡ يَكَدۡ يَرَىٰهَاۗ وَمَن لَّمۡ يَجۡعَلِ ٱللَّهُ لَهُۥ نُورٗا فَمَا لَهُۥ مِن نُّورٍ} (40)

ثم ضرب مثلاً آخر للكافر ، فقال عز وجل : { أَوْ كظلمات } قال بعضهم : الألف زيادة ، ومعناه وكظلمات ، يعني : مثلهم أيضاً كظلمات . ويقال : أو للتخيير ، يعني : إن شئت فاضرب لهم المثل بالسراب ، وإن شئت بالظلمات ، فقال : { أَوْ كظلمات } { فِى بَحْرٍ لُّجّىّ } يعني : مثل الكافر كمثل رجل يكون في بحر عميق في الليل ، كثير الماء { يغشاه مَوْجٌ مّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظلمات } يعني : يكون في ظلمة البحر ، وظلمة الليل ، وظلمة السحاب ، فكذلك الكافر في ظلمة الكفر ، وظلمة الجهل ، وظلمة الجور والظلم . ويقال : { يغشاه مَوْجٌ مّن فَوْقِهِ مَوْجٌ } يعني : المعاصي ، ومن فوقه العداوة والحسد والبغضاء ، و { مّن فَوْقِهِ سَحَابٌ } يعني : الخذلان من الله تعالى .

ثم قال : { ظلمات بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ } كما قال للمؤمن : { نُّورٌ على نُورٍ } فيكون للكافر ظلمة على ظلمة ، قوله ظلمة ، وعمله ظلمة ، واعتقاده ظلمة ، ومدخله ظلمة ، ومخرجه ظلمة ومصيره إلى الظلمة ، وهو النار . ويقال : شبه قلب الكافر بالبحر العميق ، وشبه أعضاءه بالأمواج الثلاث ، طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم ، فهذه الظلمات الثلاث تمنعه عن الحق .

ثم قال : { إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا } يعني : لم يكن أقرب إليه من نفسه ، فإذا أبرز يده لم يكد يراها من شدة الظلمة ، ومع ذلك لم ير نفسه/

فكذلك الكافر لم ينظر إلى القبر ولم يتفكر في أمر نفسه أيضاً ، كقوله عز وجل : { وفى أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } [ الذاريات : 21 ] .

ثم قال : { وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ الله لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ } يعني : من لم يكرمه الله بالهدى فما له من مكرم بالمعرفة . قرأ ابن كثير { ظلمات } بكسر التاء والتنوين ، فكأنه يجعله بمنزلة قوله كظلمات . وقرأ الباقون بالضم على معنى الابتداء . وقرىء في الشاذ : سحاب ظلمات ، على معنى الإضافة .