الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{أَوۡ كَظُلُمَٰتٖ فِي بَحۡرٖ لُّجِّيّٖ يَغۡشَىٰهُ مَوۡجٞ مِّن فَوۡقِهِۦ مَوۡجٞ مِّن فَوۡقِهِۦ سَحَابٞۚ ظُلُمَٰتُۢ بَعۡضُهَا فَوۡقَ بَعۡضٍ إِذَآ أَخۡرَجَ يَدَهُۥ لَمۡ يَكَدۡ يَرَىٰهَاۗ وَمَن لَّمۡ يَجۡعَلِ ٱللَّهُ لَهُۥ نُورٗا فَمَا لَهُۥ مِن نُّورٍ} (40)

وقوله تعالى : { أَوْ كظلمات } [ النور : 40 ] .

عطف على قوله : { كَسَرَابٍ } وهذا المثال الأخير تضمن صفة أعمالهم في الدنيا ، أي أَنَّهم من الضلال في مثل هذه الظلمات المجتمعة من هذه الأشياء ، وذهب بَعْضُ الناس إلى أَنَّ في هذا المثالَ أجزاءً تقابل أجزاءً من المُمَثَّلِ به فقال : الظلمات : الأعمال الفاسدة والمُعْتَقَدَاتُ الباطلة ، والبحر اللُّجِّيُّ : صَدْرُ الكافر وقلبه ، واللجي معناه : ذو اللجة وهي مُعْظَمُ الماء وغَمْرُه ، واجتماع ما به أَشَدُّ لظلمته ، والموج : هو الضلال والجهالة التي قد غمرت قلبَه ، والسحاب هو شهوتُه في الكفر وإعراضه عن الإيمان .

قال ( ع ) : وهذا التأويل سائغ أَلاَّ يُقَدَّرُ هذا التقابل سائغ .

وقوله : { إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يراها } لفظ يقتضي مبالغةَ الظلمة ، واخْتُلِفَ في هذه اللفظة ، هل معناها أَنَّهُ لم يريده البتَّة أو المعنى أَنَّه رآها بعد عُسْرٍ وشِدَّةٍ وكاد أَلاَّ يراها ، ووجه ذلك أَنَّ «كاد » إذا صحِبَهَا حرف النفي ، وَجبَ الفعل الذي بعدها ، وإذا لم يصحبها انتفى الفعل ، وكاد معناها قارب .

وقوله تعالى : { وَمَن لَمْ يَجْعَلِ الله لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ } قالت فرقة : يريد في الدنيا ، أي : مَنْ لم يهده اللّه لم يَهْتَدِ ، وقالت فرقة : أراد في الآخرة ، أي : مَنْ لم يرحمه اللّه ويُنَوِّرُ حاله بالمغفرة والرحمة فلا رحمة له .

قال ( ع ) : والأَوَّلُ أبينُ وأليق بلفظ الآية ، وأيضاً فذلك متلازم ، ونور الآخرة إنَّمَا هو لمن نُوِّرَ قلبه في الدنيا .