تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَمَنۡ حَآجَّكَ فِيهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ فَقُلۡ تَعَالَوۡاْ نَدۡعُ أَبۡنَآءَنَا وَأَبۡنَآءَكُمۡ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمۡ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمۡ ثُمَّ نَبۡتَهِلۡ فَنَجۡعَل لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰذِبِينَ} (61)

أي : { فمن } جادلك { وحاجك } في عيسى عليه السلام وزعم أنه فوق منزلة العبودية ، بل رفعه فوق منزلته { من بعد ما جاءك من العلم } بأنه عبد الله ورسوله وبينت لمن جادلك ما عندك من الأدلة الدالة على أنه عبد أنعم الله عليه ، دل على عناد من لم يتبعك في هذا العلم اليقيني ، فلم يبق في مجادلته فائدة تستفيدها ولا يستفيدها هو ، لأن الحق قد تبين ، فجداله فيه جدال معاند مشاق لله ورسوله ، قصده اتباع هواه ، لا اتباع ما أنزل الله ، فهذا ليس فيه حيلة ، فأمر الله نبيه أن ينتقل إلى مباهلته وملاعنته ، فيدعون الله ويبتهلون إليه أن يجعل لعنته وعقوبته على الكاذب من الفريقين ، هو وأحب الناس إليه من الأولاد والأبناء والنساء ، فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فتولوا وأعرضوا ونكلوا ، وعلموا أنهم إن لاعنوه رجعوا إلى أهليهم وأولادهم فلم يجدوا أهلا ولا مالا وعوجلوا بالعقوبة ، فرضوا بدينهم مع جزمهم ببطلانه ، وهذا غاية الفساد والعناد ، فلهذا قال تعالى { فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين } فيعاقبهم على ذلك أشد العقوبة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَمَنۡ حَآجَّكَ فِيهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ فَقُلۡ تَعَالَوۡاْ نَدۡعُ أَبۡنَآءَنَا وَأَبۡنَآءَكُمۡ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمۡ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمۡ ثُمَّ نَبۡتَهِلۡ فَنَجۡعَل لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰذِبِينَ} (61)

{ فمن حاجك } من النصارى . { فيه } في عيسى . { من بعد ما جاءك من العلم } أي من البينات الموجبة للعلم . { فقل تعالوا } هلموا بالرأي والعزم . { ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم } أي يدع كل منا ومنكم نفسه وأعزة أهله وألصقهم بقلبه إلى المباهلة ويحمل عليها ، وإنما قدمهم على الأنفس لأن الرجل يخاطر بنفسه لهم ويحارب دونهم . { ثم نبتهل } أي نتباهل بأن نلعن الكاذب منا . والبهلة بالضم والفتح اللعنة وأصله الترك من قولهم بهلت الناقة إذا تركتها بلا صرار . { فنجعل لعنة الله على الكاذبين } عطف فيه بيان روي { أنهم لما دعوا إلى المباهلة قالوا حتى ننظر ، فلما تخالوا قالوا للعاقب -وكان ذا رأيهم- ما ترى فقال : والله لقد عرفتم نبوته ، ولقد جاءكم بالفصل في أمر صاحبكم والله ما باهل قوم نبيا إلا هلكوا ، فإن أبيتم إلا إلف دينكم فوادعوا الرجل وانصرفوا ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غدا محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي رضي الله عنه خلفها وهو يقول : إذا أنا دعوت فأمنوا ، فقال أسقفهم يا معشر النصارى إني لأرى وجوها لو سألوا الله تعالى أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله فلا تباهلوا فتهلكوا ، فأذعنوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبذلوا له الجزية ألفي حلة حمراء وثلاثين درعا من حديد ، فقال عليه الصلاة والسلام : والذي نفسي بيده لو تباهلوا لمسخوا قردة وخنازير ، ولاضطرم عليهم الوادي نارا ، ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على الشجر ) . وهو دليل على نبوته وفضل من أتى بهم من أهل بيته .