الآية 61 وقوله تعالى : { فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم } الآية : دعاهم صلى الله عليه وسلم إلى المباهلة . فالمباهلة في لغة العرب الملاعنة ، دعاهم إلى الدعاء باللعنة على الكاذبين ، فامتنعوا عن ذلك خوفا منهم لخوف اللعنة ، فدل امتناعهم عن ذلك أنهم عرفوا كذبهم ، لكنهم تعاموا{[3918]} ، وكابروا ، فلم يقروا بالحق .
وفي الدعاء إلى المباهلة دلالة ظهور التعنت والعناء ، وفي تخلفهم عن ذلك دليل علمهم بتعنتهم وخوفهم مما قد وعدوا بالنزول عليهم . ثم /60-ب/ لزموا مع ذلك ما كانوا عليه من السفه والعناد ، ليعلم أن الحيل عمن اعتاد المعاندة منقطعة . ومعلوم أن الدعاء إلى المباهلة لا يكون في أول أحوال الدعوة ، وإنما يكون بتوفير الحجة وقطع الشبهة ، ففي ذلك بيان أنه كانت ثم محاجات حتى بلغ الأمر على ذلك : أمر القتال أنه لم يوضع في أول أحوال الإرسال ، وفي الحال التي للقول وللحق وجه القبول من طريق النصف والعقل ، وإنما يكون عند ظهور{[10]} معاندتهم وكثرة{[11]} سفههم حتى هموا بالقتال ، وأكثروا الأذى ، وأكرهوا قوما على الكفر ، وأخرجوا رسول رب العالمين من بين أظهرهم بما راموا قتله ، وطردوا أصحابه من بلادهم حتى تحصنوا بالغيران ، فأذن الله عند ذلك بالقتال وفتح الفتوح لتكون آيته في كل وجوه الآيات ظاهرة ، وحجته بينة ، وفي ذلك جواز محاجة الكفرة والتوحيد والرسالة ، لكن على ما قال الله تعالى : { وجادلهم بالتي هي أحسن } [ النحل : 135 ]
[ وقال ]{[12]} : { فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا } [ الكهف : 22 ] ؛ نهى عن التعمق والخوض في ما تقصر عنه الأفهام ، وإن كان معلوما أن لله حججا ظاهرة وغامضة ، ولا قوة إلا بالله .
وفي ذلك تعليم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن ذلك باللطف والرفق ، يري المقصود به ليقرر به عنده الحجة ، ويزيل عنه الشبهة من الوجه الذي يحتمله عقله ، ويبلغه فهمه ، فإن رآه يتعامى في ذلك يوعده ، ويخوفه بالذي في ذاك من الوعيد . فإذا{[13]} رأيته يكابر عرفت شؤم طبعه وسوء عنصره ، فتداويه{[14]} بما جاء به التعليم من الضرب والحبس ، فإن نفع ذلك ، وإلا فكف{[15]} شره عن غيره وتطهير الأرض ، فإنه النهاية في القمع ، والغاية في ما يحق من معاملة السفهاء ، والله أعلم . لكنه على منازل لا يحتمل انتهاء كل أنواع المآثم إلى هذه الغاية ، بل فيها ما كان أعظمها دون هذا بكثير ، والله أعلم . لذلك يلزم تعرف مقادير الآثام أولا ليعرف{[16]} بها ما يحتمل كل إثم من العقوبة فيه والزجر به ، ولا قوة إلا بالله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.