الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{فَمَنۡ حَآجَّكَ فِيهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ فَقُلۡ تَعَالَوۡاْ نَدۡعُ أَبۡنَآءَنَا وَأَبۡنَآءَكُمۡ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمۡ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمۡ ثُمَّ نَبۡتَهِلۡ فَنَجۡعَل لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰذِبِينَ} (61)

وقوله تعالى : { فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ }[ آل عمران :61 ] .

أي : في عيسى ، ويحتملُ في الحقِّ ، والعِلْمُ الذي أشير إلَيْه بالمجيء ، وهو ما تضمَّنته هذه الآياتُ المتقدِّمة .

وقوله : { فَقُلْ تَعَالَوْاْ } استدعاءٌ للمُبَاهَلَة ، و{ تَعَالَوْاْ } : تَفَاعَلُوا ، من العُلُوِّ ، وهي كلمةٌ قُصِدَ بها أولاً تحسينُ الأدَب مع المدعوِّ ، ثم اطردت ، حتى يقولها الإنسان لعدُوِّه وللبهيمةِ ، و{ نَبْتَهِلْ } معناه : نَلْتَعِن ، ويقال : عَلَيْهِمْ بهلة اللَّه ، والابتهال : الجِدُّ في الدُّعاء بالبهلة ، روى محمَّد بنُ جَعْفَرِ بنِ الزُّبَيْرِ وغيره : إن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، لما دَعَا نصارى نَجْرَانَ إلى المباهلة ، قالوا : دَعْنَا نَنْظُرْ في أمرنا ، ثم نأتِكَ بما نَفْعَلُ ، فَذَهَبُوا إلَى العَاقِب ، وهو ذُو رَأْيِهِمْ ، فَقَالُوا : يَا عَبْدَ المَسِيحِ ، مَا ترى ؟ فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ النصارى ، وَاللَّهِ لَقَدْ عَرَفْتُمْ أنَّ محمَّداً النَّبيُّ المُرْسَلُ ، ولَقَدْ جَاءَكُمْ بِالفَصْلِ مِنْ خَبَرِ صَاحِبِكُمْ ، وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا لاَعَنَ قَوْمٌ قَطُّ نَبِيًّا ، فَبَقِيَ كَبِيرُهُمْ ، وَلاَ نَبَتَ صَغِيرُهُمْ ، وَإَنَّهُ الاستئصال إنْ فَعَلْتُمْ ، فَإنْ أَبَيْتُمْ إلاَّ إلْفَ دِينِكُمْ ، وَمَا أَنْتُمْ عليْهِ مِنَ القَوْلِ فِي صَاحِبِكُمْ ، فَوَادِعُوا الرَّجُلَ ، وانصرفوا إلى بِلاَدِكُمْ ، حتى يُرِيَكُمْ زمن رَأْيه ، فَأْتُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا : يَا أَبَا القَاسِمِ ، قَدْ رَأَيْنَا أَن لاَّ نُلاَعِنَكَ وَأَنْ نبقى على دِينِنَا ، وَصَالَحُوهُ على أَمْوَالٍ ، وَقَالُوا لَهُ : ابعث مَعَنَا رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِكَ تَرْضَاهُ لَنَا ، يَحْكُم بَيْنَنَا فِي أَشْيَاء قَدِ اختلفنا فِيهَا مِنْ أَمْوَالِنَا ، فَإنَّكُمْ عِنْدَنَا رِضًى .

قال ( ع ) : وفي ترك النصارَى الملاعَنَةَ لعلمهم بنبوَّة نبيِّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم شاهدٌ عظيمٌ على صحَّة نبوَّته صلى الله عليه وسلم عندهم ، ودعاءُ النِّساء والأبناء أهَزُّ للنفوسِ ، وأدعى لرحمة اللَّه للمُحِقِّين ، أو لغضبه على المُبْطِلِينَ .