فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَمَنۡ حَآجَّكَ فِيهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ فَقُلۡ تَعَالَوۡاْ نَدۡعُ أَبۡنَآءَنَا وَأَبۡنَآءَكُمۡ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمۡ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمۡ ثُمَّ نَبۡتَهِلۡ فَنَجۡعَل لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰذِبِينَ} (61)

قوله : { فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ } هذا وإن كان عاماً ، فالمراد به الخاص ، وهم النصارى الذين وفدوا إليه صلى الله عليه وسلم من نجران ، كما سيأتي بيانه ، ويمكن أن يقال هو على عمومه ، وإن كان السبب خاصاً ، فيدل على جواز المباهلة منه صلى الله عليه وسلم لكل من حاجه في عيسى عليه السلام ، وأمته أسوته ، وضمير { فيه } لعيسى ؛ والمراد بمجيء العلم هنا : مجيء سببه ، وهو : الآيات البينات ، والمحاجة : المخاصمة ، والمجادلة . وقوله : { تَعَالَوْا } أي : هلموا ، وأقبلوا ، وأصله الطلب لإقبال الذوات ، ويستعمل في الرأي إذا كان المخاطب حاضراً ، كما تقول لمن هو حاضر عندك : تعال ننظر في هذا الأمر . قوله : { نَدْعُ أَبْنَاءنَا } الخ اكتفى بذكر البنين عن البنات ، إما لدخولهن في النساء ، أو لكونهم الذين يحضرون . مواقف الخصام دونهن ، ومعنى الآية : ليدع كل منا ومنكم أبناءه ، ونساءه ، ونفسه إلى المباهلة . وفيه دليل على أن أبناء البنات يسمون أبناء لكونه صلى الله عليه وسلم أراد بالأبناء الحسنين ، كما سيأتي . قوله : { نَبْتَهِلْ } أصل الابتهال : الاجتهاد في الدعاء باللعن ، وغيره ، يقال بهله الله ، أي : لعنه ، والبهل : اللعن . قال أبو عبيد ، والكسائي : نبتهل نلتعن ، ويطلق على الاجتهاد في الهلاك ، ومنه قول لبيد :

فِي كُهُول سَادَةٍ مِنْ قَوْمِه *** نَظَرَ الدَّهْرُ إلَيهم فابْتَهَلْ

أي : فاجتهد في هلاكهم . قال في الكشاف : ثم استعمل في كل دعاء يجتهد فيه ، وإن لم يكن التعانا .

قوله : { فَنَجْعَل لعنَتُ الله عَلَى الكاذبين } عطف على نبتهل مبين لمعناه { إِنَّ هَذَا } .

/خ62