{ 1 - 19 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ * كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى * أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى * كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ * كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ }
هذه السورة أول السور القرآنية نزولًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فإنها نزلت عليه في مبادئ النبوة ، إذ كان لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان ، فجاءه جبريل عليه الصلاة والسلام بالرسالة ، وأمره أن يقرأ ، فامتنع ، وقال : { ما أنا بقارئ } فلم يزل به حتى قرأ . فأنزل الله عليه : { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } عموم الخلق .
لما أمره سبحانه وتعالى في الضحى بالتحديث بنعمته ، وذكره بمجامعها في { ألم نشرح } فأنتج ذلك إفراده بما أمره به في ختمها من تخصيصه بالرغبة إليه ، فدل في الزيتون على أنه أهل لذلك لتمام قدرته الذي يلزم منه أنه لا قدرة لغيره إلا به ، فأنتج ذلك تمام الحكمة فأثمر قطعاً البعث للجزاء ، فتشوف السامع إلى ما يوجب حسن الجزاء في ذلك اليوم ، وبأيّ وسيلة يقف بين يدي الملك الأعلى في يوم الجمع الأكبر من خصال الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، فأرشد إلى ذلك في هذه السورة ، فقال بادئاً بالتعريف بالعلم الأصلي ، ذاكراً أصل من خلقه سبحانه وتعالى في أحسن تقويم وبعض أطواره الحسنة والقبيحة تعجيباً من تمام قدرته سبحانه وتعالى وتنبيهاً على تعرفها وإنعام النظر فيها ، وقدم الفعل العامل في الجار والمجرور هنا لأنه أوقع في النفس لكونها أول ما نزل فكان الأمر بالقراءة أهم : { اقرأ } وحذف مفعوله إشارة إلى أنه لا قراءة إلا بما أمره به ، وهي الجمع الأعظم ، فالمعنى : أوجد القراءة لما لا مقروء غيره ، وهو القرآن الجامع لكل خير ، وأفصح له بأنه لا يقدر على ذلك إلا بمعونة الله الذي أدبه فأحسن تأديبه ، ورباه فأحسن تربيته ، فقال ما أرشد المعنى إلى أن تقديره : حال كونك مفتتحاً القراءة { باسم ربك } أي بأن تبسمل ، أو مستعيناً بالمحسن إليك لما له من الأسماء الحسنى والصفات العلى بما خصك به في { ألم نشرح } أو بذكر اسمه ، والمراد على هذا بالاسم الصفات العلى ، وعبر به لأنه يلزم من حسن الاسم حسن مدلوله ، ومن تعظيم الاسم تعظيم المسمى وجميع ما يتصف به وينسب إليه ، قالوا : وهذا يدل على أن القراءة لا تكون تامة إلا بالتسمية ، ولكونه في سياق الأمر بالطاعة الداعي إليها تذكر النعم لم يذكر الاسم الأعظم الجامع ، وذكر صفة الإحسان بالتربية الجامع لما عداه وتأنيساً له صلى الله عليه وسلم لكونه أول ما نزل حين حبب إليه الخلاء ، فكان يخلو بنفسه يتعبد بربه في غار حراء ، فجاءه جبرائيل عليه الصلاة والسلام بخمس آيات من أول هذه السورة إلى قوله " ما لم يعلم " ولهذا السر ساقه مساق البسملة بعبارة هي أكثر تأنيساً في أول الأمر وأبسط منها ، فأشار إلى الاسم الأعظم بما في مجموع الكلام من صفات الكمال ، وأشار إلى عموم منة الرحمن بصفة الخلق المشار إلى تعميمها بحذف المفعول ، وإلى خصوص صفة الرحيم بالأكرمية التي من شأنها بلوغ النهاية ، وذلك لا يكون بدون إفاضة العمل بما يرضي ، فيكون سبباً للكرامة الدائمة ، وبالتعليم الذي من شأنه أن يهدي إلى الرضوان ، وأشار إلى الاستعاذة بالأمر بالقرآن لما أفهمه قوله سبحانه وتعالى :
وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة }[ الإسراء :45 ] - أي من شياطين الإنس والجن-
{ حجاباً مستوراً }[ الإسراء : 45 ] وقوله تعالى : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم }[ النحل : 98 ] .
ولما خصه تشريفاً بإضافة هذا الوصف الشريف إليه ، وصفه على جهة العموم بالخلق والأمر إعلاماً بأن له التدبير والتأثير ، وبدأ بالخلق لأنه محسوس بالعين ، فهو أعلق بالفهم ، وأقرب إلى التصور ، وأدل على الوجود وعظيم القدرة وكمال الحكمة ، فكانت البداءة به في هذه السورة التي هي أول ما نزل أنسب الأمور ؛ لأن أول الواجبات معرفة الله ، وهي بالنظر إلى أفعاله في غاية الوضوح فقال : { الذي خلق * } وحذف مفعوله إشارة إلى أنه له هذا الوصف وهو التقدير والإيجاد على وفق التقدير الآن وفيما كان وفيما يكون ، فكل شيء يدخل في الوجود فهو من صنعه ومتردد بين إذنه ومنعه وضره ونفعه .
{ اقرأ باسم ربك الذي خلق 1 خلق الإنسان من علق 2 اقرأ وربك الأكرم 3 الذي علم بالقلم 4 علم الإنسان ما لم يعلم } .
هذه السورة أول ما نزل من القرآن . وهذا قول ابن عباس وآخرين . والجمهور على أن فاتحة الكتاب أول ما نزل ثم سورة القلم .
وقد روى الإمام أحمد عن عائشة قالت : أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم . فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح . ثم حبب إليه الخلاء . فكان يأتي حراء فيتحنث ( يتعبد ) فيه الليالي ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فتزوده لمثلها ، حتى فاجأه الوحي وهو في غار حراء ، فجاءه الملك فيه فقال : اقرأ . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فقلت : ما أنا بقارئ . فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني . فقال : اقرأ . فقلت : ما أنا بقارئ . فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني . فقال : اقرأ . فقلت : ما أنا بقارئ . فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال : { اقرأ باسم ربك الذي خلق } حتى بلغ { ما لم يعلم } فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال : " زملوني زملوني " فزمّلوه حتى ذهب عنه الروع ، فقال : " يا خديجة : ما لي ؟ " وأخبرها الخبر . وقال : " قد خشيت على نفسي " فقالت له : كلاّ أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا ، إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق . ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي وهو ابن عم خديجة أخي أبيها وكان قد تنصّر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العربي ، وكتب بالعبرانية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخا كبيرا قد عمي ، فقالت خديجة : أي ابن عم اسمع من ابن أخيك . فقال ورقة : ابن أخي ما ترى ؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما رأى ، فقال ورقة : هذا الناموس الذي أنزل على موسى ليتني فيها جذعا{[4832]} ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أو مخرجيّ هم ؟ " فقال ورقة : نعم . لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي ، وإن أدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا . ثم لم ينشب ورقة أن توفي{[4833]} .
قوله : { اقرأ باسم ربك الذي خلق } يعني اقرأ القرآن مفتتحا باسم الله ومستعينا به { الذي خلق } الله الذي له الخلق وهو خالق كل شيء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.