{ 51-53 } { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ * وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ }
لما قال المكذبون لرسل الله ، الكافرون بالله : { لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ } من كبرهم وتجبرهم ، رد الله عليهم بهذه الآية الكريمة ، وأن تكليمه تعالى لا يكون إلا لخواص خلقه ، للأنبياء والمرسلين ، وصفوته من العالمين ، وأنه يكون على أحد هذه الأوجه .
إما أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ وَحْيًا بأن يلقي الوحي في قلب الرسول ، من غير إرسال ملك ، ولا مخاطبة منه شفاها .
{ أَوْ } يكلمه منه شفاها ، لكن { مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ } كما حصل لموسى بن عمران ، كليم الرحمن .
{ أَوْ } يكلمه الله بواسطة الرسول الملكي ، ف { يُرْسِلَ رَسُولًا } كجبريل أو غيره من الملائكة .
{ فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ } أي : بإذن ربه ، لا بمجرد هواه ، { إِنَّهُ } تعالى علي الذات ، علي الأوصاف ، عظيمها ، علي الأفعال ، قد قهر كل شيء ، ودانت له المخلوقات . حكيم في وضعه كل شيء في موضعه ، من المخلوقات والشرائع .
هذه مقامات{[25975]} الوحي بالنسبة إلى جناب الله ، عز وجل ، وهو أنه تعالى تارة يقذف في روع النبي صلى الله عليه وسلم شيئا لا يتمارى فيه أنه من الله عز وجل ، كما جاء في صحيح ابن حبان ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن رُوح القُدُس نفث في رُوعي : أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب " {[25976]} .
وقوله : { أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ } كما كلم موسى ، عليه السلام ، فإنه سأل الرؤية بعد التكليم ، فحجب عنها .
وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجابر بن عبد الله : " ما كلم الله أحدا إلا من وراء حجاب ، وإنه كلم أباك كفاحا " الحديث{[25977]} ، وكان [ أبوه ]{[25978]} قد قتل يوم أحد ، ولكن هذا في عالم البرزخ ، والآية إنما هي في الدار{[25979]} الدنيا .
وقوله : { أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ } كما ينزل جبريل [ عليه السلام ] {[25980]} وغيره من الملائكة على الأنبياء ، عليهم السلام ، { إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ } ، فهو علي عليم خبير حكيم .
وقوله تعالى : { وما كان لبشر أن يكلمه الله } الآية نزلت بسبب خوض كان للكفار في معنى تكليم الله موسى ونحو ذلك ، ذهبت قريش واليهود في ذلك إلى تجسيم ونحوه ، فنزلت الآية مبينة صورة تكليم الله عباده كيف هو ، فبين الله أنه لا يكون لأحد من الأنبياء ولا ينبغي له ولا يمكن فيه أن يكلمه الله إلا بأن يوحي إليه أحد وجوه الوحي من الإلهام . قال مجاهد ، والنفث في القلب{[10173]} . وقال النقاش : أو وحي في منام ؟ قال إبراهيم النخعي : كان من الأنبياء من يخط له في الأرض ونحو هذا ، أو بأن يسمعه كلامه دون أن يعرف هو للمتكلم جهة ولا حيزاً كموسى عليه السلام ، وهذا معنى : { من وراء حجاب } أي من خفاء عن المتكلم لا يحده ولا يتصور بذهنه عليه ، وليس كالحجاب في الشاهد ، أو بأن يرسل إليه ملكاً يشافهه بوحي الله تعالى . وقرأ جمهور القراء والناس : «أو يرسلَ » بالنصب «فيوحيَ » بالنصب أيضاً . وقرأ نافع وابن عامر وأهل المدينة : «أو يرسلُ » بالرفع «فيوحيَ » بالنصب أيضاً . وقرأ نافع وابن عامر وأهل المدينة : «أو يرسلُ » بالرفع «فيوحي » بسكون الياء ورفع الفعل . فأما القراءة الأولى فقال سيبويه : سألت الخليل عنها فقال : هي محمولة على { أن } غير التي في قوله : { أن يكلمه الله } لأن المعنى كان يفسد لو عطف على هذه ، وإنما التقدير في قوله : { وحياً } إلا أن يوحي وحياً .
وقوله : { من وراء حجاب } ، { من } متعلقة بفعل يدل ظاهر الكلام عليه ، تقديره : أو يكلمه من وراء حجاب ، ثم عطف : «أو يرسل » على هذا الفعل المقدر .
وأما القراءة الثانية فعلى أن «يرسل » في موضع الحال أو على القطع ، كأنه قال : أو هو يرسل ، وكذلك يكون قوله : { إلا وحياً } مصدر في موضع الحال ، كما تقول : أتيتك ركضاً وعدواً ، وكذلك قوله : { من وراء حجاب } في موضع الحال كما هو قوله : { ويكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين }{[10174]} في موضع الحال ، فكذلك { من } [ آل عمران : 46 ] وما عملت فيه هذه الآية أيضاً ، ثم عطف قوله : «أو يرسلَ » على هذه الحال المتقدمة . وفي هذه الآية دليل على أن الرسالة من أنواع التكليم ، وأن الحالف المرسل حانث إذا حلف أن لا يكلم إنساناً فأرسل إليه وهو لم ينو المشافهة وقت يمينه{[10175]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.