{ لَهْوًا وَلَعِبًا } أي : لهت قلوبهم وأعرضت عنه ، ولعبوا واتخذوه سخريا ، أو أنهم جعلوا بدل دينهم اللهو واللعب ، واستعاضوا بذلك عن الدين القيم .
{ وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا } بزينتها وزخرفها وكثرة دعاتها ، فاطمأنوا إليها ورضوا بها وفرحوا ، وأعرضوا عن الآخرة ونسوها .
{ فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ } أي : نتركهم في العذاب { كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا } فكأنهم لم يخلقوا إلا للدنيا ، وليس أمامهم عرض ولا جزاء .
{ وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } والحال أن جحودهم هذا ، لا عن قصور في آيات اللّه وبيناته .
ثم وصف تعالى الكافرين بما كانوا يعتمدونه في الدنيا من اتخاذهم الدين لهوا ولعبا ، واغترارهم بالدنيا وزينتها وزخرفها عما أمروا به من العمل للدار الآخرة .
قوله{[11802]} { فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا } أي : نعاملهم معاملة من نَسيهم ؛ لأنه تعالى لا يشذ عن{[11803]} علمه شيء ولا ينساه ، كما قال تعالى : { فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى } [ طه : 52 ]
وإنما قال تعالى هذا من باب المقابلة ، كما قال : { نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } [ التوبة : 67 ] وقال : { كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى } [ طه : 126 ] وقال تعالى : { وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا } [ الجاثية : 34 ]
وقال العَوْفي ، عن ابن عباس في [ قوله ]{[11804]} { فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا } قال : نسيهم الله من الخير ، ولم ينسهم من الشر .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : نتركهم ، كما تركوا لقاء يومهم هذا . وقال مجاهد : نتركهم في النار . وقال السُّدِّي : نتركهم من الرحمة ، كما تركوا أن يعملوا للقاء يومهم هذا .
وفي الصحيح أن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة : " ألم أزوجك ؟ ألم أكرمك ؟ ألم أسخر لك الخيل والإبل ، وأذَرْك ترأس وتَرْبَع ؟ فيقول : بلى . فيقول : أظننت أنك ملاقي ؟ فيقول : لا . فيقول الله : فاليوم أنساك كما نسيتني " {[11805]}
القول في تأويل قوله تعالى : { الّذِينَ اتّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هََذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } .
وهذا خبر من الله عن قيل أهل الجنة للكافرين ، يقول تعالى ذكره : فأجاب أهل الجنة أهل النار : إنّ اللّهَ حَرّمَهُما على الكافِرِينَ الذين كفروا بالله ورسله ، الّذِينَ أتّخَذُوا دِينَهُمْ الذي أمرهم الله به لَهْوا وَلعِبا يقول : سخرية ولعبا . ورُوي عن ابن عباس في ذلك ما :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قولهالّذِينَ اتّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوا وَلعِبا . . . الاَية . قال : وذلك أنهم كانوا إذا دعوا إلى الإيمان سخروا ممن دعاهم إليه وهزءوا به اغترارا بالله .
وَغَرّتْهُمُ الحيَاةُ الدّنْيا يقول : وخدعهم عاجل ما هم فيه من العيش والخفض والدعة عن الأخذ بنصيبهم من الاَخرة حتى أتتهم المنية يقول الله جلّ ثناؤه : فاليَوْمَ نَنْساهُمْ كمَا نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا أي ففي هذا اليوم وذلك يوم القيامة ننساهم ، يقول : نتركهم في العذاب المبين جياعا عطاشا بغير طعام ولا شراب ، كما تركو العمل للقاء يومهم هذا ورفضوا الاستعداد له بإتعاب أبدانهم في طاعة الله .
وقد بيّنا معنى قوله ننساهم بشواهده فيما مضى بما أغنى عن إعادته .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد : فاليَوْمَ نَنْساهُمْ قال : نُسوا في العذاب .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : فالْيَوْمَ نَنْساهُمْ قال : نتركهم كما تركوا لقاء يومهم هذا .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : نَنْساهُمْ قال : نتركهم في النار .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : فاليَوْمَ نَنْساهُمْ كمَا نَسُوا لِقاءَ يَوْمهِمْ هَذَا قال : نتركهم من الرحمة كما تركوا أن يعملوا للقاء يومهم هذا .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : فاليَوْمَ نَنْساهُمْ كمَا نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا . . . الاَية : يقول : نسيهم الله من الخير ، ولم ينسهم من الشرّ .
حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو سعد ، قال : سمعت مجاهدا في قوله : فاليَوْمَ نَنْساهُمْ كمَا نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا قال : نؤخرهم في النار .
وأما قوله : وَما كانُوا بآياتِنا يَجْحَدُونَ فإن معناه : اليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا ، وكما كانوا بآياتنا يجحدون . ف «ما » التي في قوله : وَما كانُوا معطوفة على «ما » التي في قوله : كمَا نَسُوا .
وتأويل الكلام : فاليوم نتركهم في العذاب ، كما تركوا العمل في الدنيا للقاء الله يوم القيامة ، وكما كانوا بآيات الله يجحدون ، وهي حججه التي احتجّ بها عليهم من الأنبياء والرسل والكتب وغير ذلك . يجحدون : يكذّبون ولا يصدّقون بشيء من ذلك .
وقوله تعالى : { الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً } الآية ، أضيف «الدين » إليهم من حيث قولهم أن يلتزموه إذ هو دين الله من حيث أمر به ، ودين جميع الناس من حيث أمروا به ، { وغرتهم الحياة الدنيا } يحتمل أن يكون من كلام أهل الجنة ، ويكون ابتداء كلام الله من قوله : { فاليوم } ، ويحتمل أن يكون الكلام من أوله من كلام الله عز وجل ، ومعنى قوله : { اتخذوا دينهم لهواً } أي بالإعراض والاستهزاء لمن يدعوهم إلى الإسلام ، { وغرتهم الحياة الدنيا } أي خدعتهم بزخرفها واعتقادهم أنها الغاية القصوى ، ويحتمل أن يكون اللفظ من الغر وهو ملء الفم أي أشبعتهم وأبطرتهم ، وأما قوله { فاليوم ننساهم } فهو من إخبار الله عز وجل عما يفعل بهم ، والنسيان في هذه الآية هو بمعنى الترك ، أي نتركهم في العذاب كما تركوا النظر للقاء هذا اليوم ، قاله ابن عباس وجماعة من المفسرين ، قال قتادة نسوا من الخير ولم ينسوا من الشر ، وإن قدر النسيان بمعنى الذهول من الكفرة فهو في جهة ذكر الله تسمية العقوبة باسم الذنب ، وقوله : { وما كانوا } عطف على «ما » من قوله : { كما نسوا } ويحتمل أن تقدر { ما } الثانية زائدة ويكون قوله : «وكانوا » عطفاً على قوله { نسوا } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.